| مقـالات
رغم الضربة التي وجهت إلى أمريكا في مقتلها العصبي العسكري والتجاري معا يوم الثلاثاء الماضي 11/9/2001م، ورغم حالة التعاطف العالمي الذي أبدته الكرة الأرضية من غربها إلى شرقها ومن شمالها إلى جنوبها بجبابرتها ومسحوقيها مع المدنيين الأمريكيين «غير المسلمين والمسلمين» الذين راحت أرواحهم في لحظات على أرضهم ضحية سياسة أمريكا على أرض غيرها، فإن أمريكا لم تمهل نفسها ولا العالم استيعاب الصدمة.
ذلك بأن الإدارة الامريكية لم تتح ولو للحظة واحدة ومنذ اللحظة الأولى لوقوع الانفجار وحتى بعد مرور ما يقارب أسبوع على وقوعه فرصة للتفكير بشكل عقلاني في الحدث كمؤشر أزموي خطير يطرح أسئلة حادة وصارمة وجادة عن مدى صلاحية تركيبة العلاقات الدولية الموروثة من القرن العشرين لتسيير أمور المجتمع العالمي مع مطلع القرن الواحد والعشرين.
وإذا كانت أمريكا في حمى إيجاد هدف سريع تسقط عليه مسؤولية الحدث بما يبدد الأسئلة الجوهرية في مسؤولية سياستها عما حدث قد سارعت لإعطاء العدو هوية عربية إسلامية فألبسته العمامة أو ألبستها الحجاب، فإن سؤال الفاعل لن يبقى أحلك أسرار الضربة.
قد يكون الفاعل الجيش الياباني الأحمر كما تردد في الأنباء نسبته ذلك الحدث إلى نفسه كانتقام لمحو مدينتي هيروشيما ونجزاكي بالسلاح الامريكي.
* من الفاعل:
قد يكون الفاعل دولة العدو الاسرائيلي كما يشير لذلك حجم استثمارها العدواني للحدث، إذ إن الاستخفاف بمثل هذا الاحتمال على أنه مجرد ضرب من ضروب نظرية المؤامرة لا يتستر وحسب على مشروعية الأسئلة بل أيضا يتناسى السوابق الإرهابية للعدو الاسرائيلي حتى في غير سجلها الإرهابي الدامي مع الفلسطينيين. إذ ليس سراً من أسرار ذلك الإرهاب الصهيوني قيام اسرائيل في 8/7/1967م بضرب السفينة الحربية الامريكية «ليبرتي» بالقنابل من الجو مما نجم عنه مقتل ثمانية وثلاثين بحارا أمريكيا، وبما وصفهم وكيل وزارة الخارجية الامريكية وقتها بأنها مذبحة سافرة اقترفتها اسرائيل ضد مواطنين أمريكيين. ومع ذلك رفض الكونغرس الامريكي التحقيق في المذبحة باعتبارها إرهاب اسرائيلي لا يدخل في التعريف الامريكي للإرهاب.
وقد يكون الفاعل أفراداً أو جماعة رأوا في ضرب المدنيين الامريكيين رغم قسوة الفعل وسيلتهم الوحيدة للضغط على الإدارة الأمريكية لإيقاف سياستها وأسلحتها التي تسمح بضرب مدنيين أبرياء في أنحاء العالم المختلفة. وبالتالي فإنهم لم يملكوا إلا استخدام حياتهم وحياة غيرهم من مدنيين أمريكيين وإن كانوا أبرياء في محاولة لإبطال مفعول السلاح الامريكي الذي حصد أرواح آلاف الأبرياء مثلهم مثل الأمريكيين الأبرياء في الحادث الأخير في كل من هانوي وكمبوديا وبلغراد وبغداد وبيروت وفلسطين على مدى ما يزيد على ربع قرن من الزمان.
غير أنه أياً كان الفاعل، فإن الدور العدواني الذي قام به يبدو ذا ارتباط شديد بسياسة أمريكا الخارجية. ولهذا فإنه لا يمكن فصل ضرب البنتاجون ومركز التجارة العالمي ببعديهما الرمزيين عن دور أمريكا في مناطق العالم خارجها سواء كان بمؤازرتها لإرهاب الدول الحليفة لها كدولة العدو الاسرائيلي، أو بمحاربتها لحركات التحرر على الهوية العقيدية كمحاربتها مثلا لحركة حماس الاسلامية في الشارع الفلسطيني بيد ومحاباتها لكاهن اليهودية ول IRA الكاثوليكية باليد الأخرى.
* * مسارات الحدث:
غير أن أمريكا بدلا من أن تسعى لاستيعاب الصدمة ومواجهة اسئلتها الملحة مهما كانت أسلئة صعبة في صميم الخلل المريع في علاقتها بالعالم الذي تفرض قيادتها له وعليه ذهبت إلى خلق أربعة مسارات مسدودة للتعامل مع الحدث بما قد يكرس الكارثة ويوسع نطاقها داخليا ويعمل على تعميمها خارجيا . هذه المسارات هي:
1 تنصل الإدارة الامريكية من أي مسؤولية أمنية وسياسية لحوادث الانفجار.
2 الثأر والانتقام.
3 انقسام العالم إلى مع أو ضد أمريكا.
4 تعميم الرعب وإعادة توزيعه.
ويمكن هنا بشكل إجرائي أن نقسم هذه المسارات الأربعة إلى اتجاهين. اتجاه يجري حفره وتعميقه داخل المجتمع الامريكي نفسه. واتجاه آخر يجري توجيهه من قبل الإدارة الامريكية لإدارة الحدث على المستوى الخارجي، مع ملاحظة أن كلا الاتجاهين من المسارات الأربعة يجري تثبيتها في وجهة مسدودة كقضبان قطار للموت الجماعي.
* المسارات الأمريكية للتعامل مع الحدث على المستوى الداخلي:
المسار الأول والثاني على المستوى الداخلي من محاولة الإدارة الامريكية لمواجهة الحدث هما:
1 التنصل من مسؤولية الإدارة الامريكية سياسيا وأمنيا عن الحدث وعن دورها في مقتل ذلك العدد الكبير من المدنيين وذلك أولا بشغل الرأي العام الامريكي عن القصور المريع في أجهزتها الأمنية على المستوى المحلي وثانيا شغل الرأي العام الامريكي عن مساءلة الإدارة الامريكية وصناع القرار فيها عن سياسة أمريكا الخارجية التي أدت إلى خلق حالة من العداء والكراهية لأمريكا بما نقل صورة من صور الحروب المتعددة التي يجري القتل فيها بالسلاح الامريكي إن لم يكن بالمباركة الامريكية إلى تراب أمريكا الشمالية نفسها، وما نظنه طريقاً مسدوداً لهذا المسار رغم نجاحه الحالي في شغل الشارع الامريكي عن طرح مثل هذه الأسئلة الأمنية والسياسية الجارحة على إدارته هو عدم امكانية المراهنة على استمرار الشارع الامريكي في الصمت عن طرح الأسئلة بعد أن يفوق من هول الصدمة الا في حالة واحدة فقط وهي ظهور مكارثية جديدة موجهة ضد المواطنين الامريكيين المسلمين وذوي الأصول العربية، وبهذا قد يتحول هذا المسار المسدود الذي اختارته الإدارة الامريكية لمواجهة الحدث إلى هاوية قد تقود إلى حرب أهلية داخل المجتمع الامريكي نفسه، اما فيما عدا ذلك، وفيما لو استطاعت المؤسسات الديمقراطية بأمريكا وخاصة مؤسسات المجتمع المدني الأهلية أن تعقلن الحدث وتبحث عن أسبابه فإنه لا بد أن المواطن الامريكي العادي سيتمكن من طرح الأسئلة على إدارة بلاده بما يكشف محدودية مثل هذا المسار.
2 مسار الانتقام وهو المسار المسدود الثاني الذي تسير الإدارة الامريكية مواجهة الحدث في اتجاهه على المستوى الداخلي وعلى هذا المسار تشتق الإدارة الامريكية مفهوم الثأر من خطاب القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية الذي طالما استخدمته لفرض سلطاتها على العالم.
إن كلمة الانتقام «Retaliation» التي تتردد أكثر من مائة مرة على مدار أربع وعشرين ساعة على محطة ال CNN منذ أن أطلقها بوش الرئيس الأمريكي في أول خطاب وجهه إلى الشعب الامريكي والعالم مساء الكارثة ليس سوى مفردة واحدة من مفردات خطاب السيطرة الامريكية المعتاد على العالم حيث بدا الحدث تحديا لاستمرار هذه السيطرة، ولأن كلمة الثأر في هذا السياق تريد أن تكون تعبيرا ليس فقط عن كرامة أمريكا الجريحة لدرجة أن سفيرا في فرنسا قد طلب من الرعايا الأمريكيين هناك عدم التحدث بالانجليزية في الأماكن العامة ولأنها أيضا تريد أن تكون تعبيرا عن استكبار أمريكا لما حدث لها كدولة عظمى جرى الاعتداء على مواطنها في أرضهم بغض النظر عن أن مثل ذلك يحدث يوميا وان تغير شكل الصورة وليس موضوعها على عشرات الساحات الدولية بالسلاح الامريكي فإن كلمة الانتقام يجري تضخيمها وتكرارها لتحمل رسالة إلى العالم أجمع عن عدم قابلية أمريكا للانكسار أو لمراجعة حساباتها في علاقتها الفوقية به، لذا فإن كلمة انتقام لا تريد التوقف عن حدود المسؤول المباشر عما قام بالاعتداء بل تريد أن تتعداه ليشمل الانتقام دولا ومجتمعات ومدنيين قد ترى أمريكا أن هوية مرتكبي الحدث تنتمي إليهم.
والواقع أن أهم خطورة في خطاب الثأر والانتقام على مخاطره الكثيرة الأخرى على المستوى الامريكي الداخلي هي خطورة قدرته على إحداث تصدعات عميقة داخل البنية الداخلية للمجتمع خاصة في مجتمع مثل المجتمع الامريكي الذي رغم تعدديته العرقية والعقيدية فإنه لم يتخلص بعد تماماً من العداءات العنصرية. ومما يفاقم هذه الخطورة ذلك العداء الرسمي الامريكي المسبق والمتكرر الذي عادة ما يربط بين أي عمل معاد لأمريكا وبين الاسلام من خلال الحكم على المتهمين حتى قبل أن تثبت إدانتهم بهويتهم العقيدية لا بهويتهم كأفراد كما في حادثة أوكلاهوما عام 94م، حيث سكت الحدث عن ذكر أي هوية دينية للفاعل عندما اتضح أن مخطط ومنفذ الاعتداء كان مواطنا امريكيا غير مسلم. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن ما يزيد من هذه الخطورة أيضا هو التوجه الذي اتخذه التحقيق في هوية مرتكبي حادث يوم الثلاثاء الماضي حيث بدأ هناك اتجاه أمريكي واضح لحصر التحقيق في وجهة محددة تقصره على البحث في الملف المدني والأمني لأولئك الذين يحملون أسماء وهويات عربية واسلامية ممن كانوا على متن الطائرات الأربع التي جرى تفجيرها مع استبعاد الاحتمال بأن تلك الأسماء كانت أسماء لمجرد ركاب عاديين من ضحايا تلك الطائرات، بل اننا والعالم اجمع لم نسمع عن أي تحقيقات أخرى تجرى في البحث عن مشتبهين آخرين غير أولئك العرب والمسلمين الذين كانوا على متن تلك الطائرات.. وبرغم اتضاح الخطأ في عدد من تلك الأسماء العربية التي نشرت على أنها لائحة اسماء المشتبه بهم فإننا ايضا لم نسمع من أي جهة أمريكية أو حتى عربية واسلامية رسمية لماذا حصر التحقيق من لحظاته الأولى وربما قبل أن يبدأ في تلك الفئة وحسب من المسافرين.
إذاً فمسار الانتقام والثأر ليس مسارا محايدا وهو بالتالي ليس مساراً آمنا وبريئا بل إن المجتمع الامريكي قد يكون اول ضحاياه اذا استمرت السياسة الأمريكية في نفس هذا المسار المسدود. ولربما أن توجس الإدارة الامريكية من ردة الفعل الداخلية لمسار الانتقام خاصة بعد أن أتت في أعقابه بوادر فردية من اعتداء أو تهديد بالاعتداء على المسلمين والعرب من الأمريكيين والمقيمين ما قد يشكل بذرة لاندلاع عنف أهلي بالمجتمع الامريكي هو ما حدا بالرئيس بوش لأن يتوجه إلى شعبة بذلك الكلام الطيب عن الدين الاسلامي بما لم تعهد لهجته المحترمة عند أي من رؤساء أمريكا السابقين، ولربما أن ذلك ايضا ما حدا به للتأكيد على ضرورة التلاحم بين فئات المجتمع الامريكي غير مسلمين ومسلمين وكذلك بالتحذير من مغبة العداء تجاه مسلمي أمريكا وهذه البادرة غير المسبوقة لم يجر اللجوء إليها الا بعد أن بدأ مسار الانتقام والثأر الذي اختارته الإدارة الامريكية للتعامل مع الحدث يأتي أول أكله العنيفة في الداخل الامريكي.
* المسارات الامريكية للتعامل مع الحدث على المستوى الخارجي:
هنا أيضا طرحت أمريكا مسارين للتعامل مع الحدث وهذين المسارين هما:
1 مسار الانقسام وهو مسار يقوم على معسكرة المجتمع الدولي إلى «نحن» و«هم» أو «نحن» و«العدو» وهذا المسار وإن كان هو أيضا أحد مركبات خطاب الهيمنة الامريكية في عالم اليوم، فإنه قد صار إلى دفعه إلى أقصاه في خضم الحدث الأخير ليبدو أن ال«النحن» وال «هم» هو ترميز لمعسكر الأخيار ال«نحن» ومعسكر الأشرار ال«هم» ، ولكن من هم ال«هم»؟ هنا يأتي هذا المسار لتقسيم المجتمع الدولي إلى معسكرين متضادين، إما معسكر أمريكا وإلا معسكر ضد أمريكا. ومسألة معسكر أمريكا «المتطابقين مع أمريكا في كل ما تراه أو ما تطلبه منهم»، ومعسكر ضد أمريكا «المختلفين عنها أو مخالفيها الرأي في كل أو حتى بعض ما تطلبه منهم»، يجري تفصيلها بمقاييس امريكية خالصة، فمن عليه أن يتجنب تهمة الانتماء إلى «معسكر الأعداء» عليه أن يتبنى تعريفها للإرهاب وللحرية وللسلم والحرب، وعليه أن لا يكتفي بالتطابق معها في تعريف الإرهاب والحرية بل عليه ايضا أن يتحالف معها في محاربة ما تراه إرهابا وفي قتال من تراهم أعداء لها أو لسياستها فالأمر سيان. ولذا لم نر أمريكا بعد الحدث تتورع عن وضع قائمة شروط على بعض الدول وذلك لإعطائها فرصة أخيرة للخروج من معسكر الأعداء أو للبقاء فيه هدفا للضربة الانتقامية القادمة.
كذلك لم نر أن أمريكا تتورع عن ممارسة الضغط على دول أخرى بكل ما أوتيت من قوة الضغط والتخويف لتتخذ هذه الدول موقفا معلنا ومتعاونا في التحالف مع أمريكا ولتسهيل الضربة الامريكية المبيتة لأفغانستان، وامريكا هنا لا تجد أي حرج أن تضرب عرض الحائط بإرادة الشعوب في مثل هذا الأمر، فالدولة التي ما فتئت تتحف العالم باستطلاعات الرأي الامريكي العام عن تأييده لإدارته بشن حرب ثأر شاملة حتى ولو اقتضى ذلك محو بلدان بكاملها لتعطي قرارها السياسي والعسكري بضرب شعوب آمنة شرعية ديمقراطية لا يبدو انها تأبه على الإطلاق بالرأي العام غير الامريكي ولا تقيم أي وزن له، وهذا ليس الا مثال واحد على الكيفية التي تجبر فيها أمريكا الآخرين على الدخول معها في حلف حرب غامضة شاملة وانتقامية دون أن تبدي أدنى احترام لإرادة هذه الدول. وهذا ايضا مما قد يؤذن بانقسامات داخلية في مجتمعات تلك الدول ويفتح بابا للفتن بينها وبين هذه الدول .
2 مسار تعميم الرعب وعلى هذا المسار تحاول أمريكا أن تخلق حالة من الرعب العالمي العام وذلك ليسهل تصوير الرعب وحصره في منطقة واحدة من العالم، والمنطقة التي تم ترشيحها كبؤرة معتمة لصب الرعب الذي نشرته أمريكا في العالم من لحظة وقوع الحدث الأول هي منطقة الشرق الأوسط، الاستثناء الوحيد بالطبع الذي لم ولن تشمله تهمة الإرهاب أو إيوائه هو دولة الإرهاب التي لم تكف يوما عن ممارسة إرهاب الدولة المنظم جهارا نهارا أمام الكاميرات والشاشات بحق مواطنين مدنيين عزل لأكثر من خمسين عاما أي منذ قيام دولة العدو الصهيوني كاستعمار استيطاني على أرض فلسطين.
وعلى مسار تعميم الرعب الذي اختارته الإدارة الامريكية للتعامل مع الحدث على المستوى الخارجي يجري وصم وتصنيف حركات التحرر الوطني المشروع الذي تخوضه هذه المنطقة بأنها «حركات إرهابية» فالإرهاب حسب التعريف الأمريكي هو إرهاب ذو ملامح عربية وسحنة سمراء وهوية إسلامية ليس إلا.
وبعد .. فإننا نرى أن هذه المسارات الأربعة التي تدير بها الإدارة الامريكية الحادث لا تخرج عن خطابها في السيطرة الأحادية على العالم.. وهذه المسارات في رأينا تبدو مسارات مسدودة تكرس الكارثة أكثر مما تحلها لأنها لا تريد أن تبصر ما في حادثة يوم الثلاثاء 11 سبتمبر من تعبير صارخ عن الأزمة البنيوية في تركيبة العلاقات الدولية القائمة تحت قيادتها.
* رؤية مختلفة لمواجهة الحدث:
إن المتابع للإعلام الامريكي المقروء سيجد من كتابات الرأي المكتوبة بيد كتاب وأكاديميين ومحللين سياسة أمريكان ما يكذب أو على الأقل يشكك في مصداقية وواقعية خطاب القوة والسيطرة الامريكية الأحادي الذي تعمم رعبه الفضائيات المرئية كمحطة «CNN» سي إن إن.
ففي بعض ما يكتبه الامريكيون أنفسهم في الواشنطن بوست «الكريستين ساينس مونوتر» و«النيوزويك» وسواها من المطبوعات الامريكية، نقد ذاتي لاذع لمسارات قصف الأسئلة ولي أعناق المساءلة والتساؤلات المتعلقة بالقصور الامريكي الأمني الداخلي والأسئلة السياسية المسكوت عنها أو الجاري التستر عليها مثل لماذا الانفجارات في واشنطن ونيويورك وليس في كوبنهاجن أو فيينا أو لكسمبرج أو بيرن، لماذا العداء العالمي لأمريكا، ما الذي فعلته السياسة الامريكية الخارجية، مخابراتها، قواعدها، أسلحتها خارج أمريكا لتأتيها ضربة ليس لجهازها العسكري العالي التقنية قبل بمواجهتها.وفي رأي بعض هؤلاء الكتاب انه لن يمر وقت طويل قبل أن يستوعب العالم الذي يرفل بالرعب اليوم أن الطائرين اللذين تفرفطت أجنحتهما من جراء الاصطدام بإسمنت التوأمين العملاقين قد قاما بنفس القدر من التحدي بتعرية الشجرة من آخر أغصانها الفولاذية ونسغها النووي. ولعل صدمة حروب ما بعد الحداثة التي فجرها الحدث تجعل الضحية والهدف يواجهان حتفاً مشتركاً لا بد للفرار منه نحو قدر أكثر عدالة ورحمة بالأبرياء من تغيير معادلة القوة السائد.هذا كما أن في بعض ما يكتبه كتاب امريكيون ما يحذر ايضا من استخدام الأساليب القديمة لعصر الحداثة على الوضع الجديد الذي خلقته حروب ما بعد الحداثة في الانفجارات الأخيرة. وهم بهذا الصدد يقولون إن مخاطر ومحاقات الحرب الغامضة التي تعلنها أمريكا ضد الإرهاب بتحالف دولي، ستبدو معها الحرب الامريكية في فيتنام نزهة، كما ستبدو معها الحروب الأخرى قطعة كيك، هناك من هؤلاء الكتاب الامريكيين من بدأ يعلن تحفظاته على استطلاعات الرأي العام الامريكي في تأييده للحرب المبيتة ويقول إن الهدف من إجراء هذه الاستطلاعات للرأي التي تفيد بتأييد المواطن الامريكي لشن حرب لا يعرف منتهاها انما هو مجرد تغطية إعلامية لعمل حرب غير واضحة المعالم وغير مأمونة العواقب على المديين المتوسط والبعيد، بالإضافة إلى هذه الآراء ذات الرؤية المختلفة للحدث وكيفية معالجته هناك معارضة جزء من الشارع الامريكي لقرار الإدارة الامريكية بإعلان الحرب وهم يطالبون في مظاهرات سلمية يعتم عليها الإعلام الفضائي المصور بوقف اعلان الحرب على عدو مجهول لمجرد معالجة كرامة الإدارة الأمريكية والساسة الأمريكان من جرح لا شفاء منه إلا بتغيير السياسة الامريكية الخارجية ومراجعة خطاب القوة والسيطرة الأحادي لدولة أمريكا.
إنها كلمة واحدة نطرحها هنا باختصار مخل يقتضيه حال من يحاول أن يدخل جبلا في سم إبرة وهي أن الموقف الأخلاقي والإنساني من أحداث يوم الثلاثاء 11/9/ شيء والموقف السياسي شيء آخر، وللّه الأمر من قبل ومن بعد.
|
|
|
|
|