| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة
بعد التحية
لفت انتباهي ما نشر في الصفحة الأخيرة تحت عنوان «شاب يحاول الانتحار من أعلى جسر الدائري الجنوبي».
العدد الصادر يوم الاحد 21 جمادى الآخرة 1422ه
مفاد الخبر أن شاباً يعاني من أمراض نفسية رمى بنفسه من أعلى الجسر «الكوبري» إلى أسفل النفق رامياً بجسده ممدداً على الطريق السريع بقصد الانتحار..!!
ومع ما أولاه المواطنون والجهات الأمنية إلا أنه توفي حال وصوله للمستشفى نتيجة اصابته باصابات بليغة في رأسه واطرافه.. ان هذا الخبر لا يجب أن نعتبره مجرد حادث عابر تتداوله الالسن وينسى دون أن نستشف منه عظة وعبرة..
وقد يتساءل البعض قائلاً: ما العظة والعبرة من شاب اقترف اثماً شنيعاً بحق نفسه وأهله؟! اتخذ سلوكاً شاذاً من غير وعي ولا إدراك منه!! لربما أنه مصاب بمرض نفسي مزمن دفعه لفعل ذلك؟!
والسؤال الذي يطرح نفسه..
ما هو السبب الحقيقي خلف هذا الانتحار؟! هل هو بسبب مرضه النفسي؟ أم أن هناك عوامل أخرى تشكلت في داخله وجعلته يتخذ مثل هذا القرار الفكري المنحرف؟!!
إن هؤلاء الشباب يولدون وفي داخلهم فطرة سليمة وبذرة طيبة نقية، هذه البذرة قد تبقى وقد تتغير.. تبقى إذا تداركها الوالدان بزرع المفاهيم الإسلامية منذ الطفولة ومع تعاون الجميع بتنمية الوعي الديني وتصحيح الأفكار الخاطئة، وتتغير إذا كان العكس.. كثير من الآباء والأمهات إلا من رحم الله لا يجلسون مع أبنائهم لا يعرفون ما يريدون؟ وكيف يفكرون؟ وما أحلامهم؟!
إن سألت عن الابن تجده مهملا لدراسته ملازماً لشلة فاسدة وفي المنزل لايكلم احداً يفضل العزلة والانطواء..
وهذا هو الغلط بعينه لما في ذلك من تأثير على شخصيته كما وان علماء النفس اثبتوا بأن الانطواء من مسببات الاصابة بالأمراض النفسية..
إنه ما لم يعرف رغبات وآمال واسلوب تفكير الشاب فلن يتمكن من الوصول إلى قلبه وعقله..
فقط الوالدان باستطاعتهما الوصول إلى قلوب وعقول أبنائهم وفي حال نجاحهم في ذلك فإنهم يتمكنون من توجيههم وتثقيفهم الثقافة الإسلامية الصحيحة التي تساعد على تحصينهم ضد شتى التيارات المنحرفة التي تحاول اختراق عقولهم..
إن مثل هذه الانحرافات نجد بعض الشباب فيها معذورين لانه وللاسف فان هذا الشاب المسلم يعاني من محنة في عصره وفي مجتمعه هذا وهي محنة الفرد المسلم الذي يعيش وسط مجتمع غير ملتزم بكامل تعاليم الإسلام.. فهناك صراع في داخله بين ما يؤمن به في داخله وبين ما يعايشه من العقيدة وبين الواقع الذي يحياه.. هو يؤمن بأشياء آمن بها منذ أن رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً ولكنه يعايش مجتمعاً لا يجد فيه هذه الاشياء مطبقة.. يقرأ عن العفة والفضيلة وغض النظر إلى الحرام ولكنه يجد من حوله ينظرون للكاسيات العاريات يقرأ عن اغتنام المسلم لوقته واغتنامه بالطاعات بينما من حوله يهدر وقته بالملهيات يقرأ عن الزكاة ولكنه لا يجد هذه الزكاة مطبقة يقرأ عن الزنى «إنه كان فاحشة وساء سبيلا» ولكنه يجد من يجاهر به والعياذ بالله..
هنا تكمن محنة الشاب المسلم فماذا يفعل ازاء كل ذلك. من المهم جداً أن نعايش حياة هؤلاء الشباب ومساعدته لأن يحيا حياة سعيدة تسودها الأخلاق الكريمة وتضبطها المفاهيم والقيم الإسلامية.
من المهم أن يتبع الوالد خاصة أسلوب الحوار الهادئ والنقد العلمي البعيد عن التجريح والتهجم والاستفزاز عند النقاش وأن يدرك الأب أن ابنه بات قادراً على تحمل المسؤولية فلا يحاول التقليل من قيمته أمام الآخرين والا يضيق عليه الخناق والا يفرض عليه ما يراه هو صواباً فأحياناً يكون لاختلاف الزمن تأثير قوي كما جاء عند الإمام علي «لا تكرهوا أولادكم على عاداتكم فانهم خلقوا لزمن غير زمنكم فلا بد أن نراعي تطور الأزمان واختلاف العصور».
قد يفتقد الشاب لروح الأبوة والأخوة معاً وهذان هما الأهم بالنسبة للشباب.
الا يحرم من روح الأب الذي يحنو عليه ويشاركه همومه والأخ الذي يتعاون معه بكل نبل ووفاء ويكتم اسراره .. اننا لسنا بمستطيعين حماية الشباب من المفاهيم المنحرفة والافكار الضالة إلا عند تكاتف الجميع أباً واماً واختاً وصديقاً واستاذاً بتقديم المبادئ الصحيحة المستمرة من الكتاب والسنة..
وعندما يتحقق كل ذلك فإننا لن نجد أفكاراً منحرفة ولا مفاهيم مضطربة ولو فعلنا ذلك جميعاً فأعتقد أننا ننصف انفسنا وننصف ديننا وننصف شبابنا أنفسهم ليقبلوا على الحياة ويتمسكوا بالأمل.
للقائمين في جريدة الجزيرة أقدم فائق الشكر والتقدير.
وتقبلوا تحياتي
بدرية القاسم - عنيزة
|
|
|
|
|