| الثقافية
* كتب يوسف بن محمد العتيق:
يلقي الأستاذ الدكتور/ نايف بن هاشم الدعيس مساء اليوم الاثنين محاضرة بعنوان «منهج النقد عند المحدثين» في محاضرة ينظمها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
ومن أجل تسليط الضوء على أبرز موضوعات هذه المحاضرة المهمة يسعدنا أن نلتقي به ليكون القارىء الكريم على علم بأبرز موضوعات هذه المحاضرة منوهين بأن الأستاذ الدكتور نايف الدعيس من أبرز المعتنين بعلم الحديث النبوي والمؤلفين فيه إضافة إلى تحقيقاته التراثية في هذا المجال.
* يمثل منهج النقد الذي سار عليه علماء الحديث منهجاً متكاملاً في التعامل مع المرويات عموماً هل لك أن توضح أبرز معالم هذا المنهج؟
منهج النقد المتبع عند علماء الحديث مصدر تميزه مدى تمكن نقاد الحديث من المادة العلمية فيما يخص الرواة والسند ومتنه وقدرتهم على عرض الروايات بعضها على بعض بأسلوب لم يسبقه نظائر من الحرص والتتبع مما يدعو للعناية به وابرازه في صحائف ومؤلفات حتى يتمكن طالب العلم والباحثون من تحقيق أهدافهم باختصار للوقت وتوفير للجهد وفق قواعد نقدية منهجية مرسومة تحتاج إلى من يقدمها مخدومة معنونة مبوبة في مؤلفات تختص بالمناهج النقدية المتعارف عليها أو على بعضها من خلال علم مصطلح الحديث.
والواقع أنه لم أجد حتى الآن من قدم خدمة علمية مرضية تتناول هذا الجانب من منظور الباحث المتعمق في بابه مما أوجد فراغاً مخلاً بين أدوات النقاد المعاصرين فتفرقت بهم سبل النقد إلى مواقف تقرب كثيراً من التنافر والتضاد إذ يركب كل منهم جادته ولا يلوي غيرها فيتولد لدى الناقد مواقف تخصه وقد تبعد أحيانا بعداً سحيقا من منهجية النقد الموضوعي ذي القبول المشترك بين عامة النقاد سابقا وحاضرا ولاحقا.
وعند هذا البيان يمكن القول بضرورة اهتمام جهات البحث والجامعات وطلاب العلم بهذا الجانب لتستكمل نواقص في غاية الضرورة وحتى يتم ما توصل إليه من سبق من المعاصرين في الإضافة إلى بدايات ما وضعوه في لبنات هذا البناء، وتجميع ما تفرق منه حتى تتماسك جميع جوانبه في مسيرة نقدية حديثة ذات عراقة وأصول.
* تعد قضية التعامل مع الأخبار السقيمة والشائعات من أهم قضايا هذا العصر هل في منهج النقد الحديثي حل لهذه المشكلة العصرية لو عمل به؟.
قد تكون هذه المشكلة من أهم المشكلات المستعصي حلها في عصرنا وقد تكون الأسباب في وعورتها وتأبيها على الحلول إغراقها في أعماق التاريخ الراحل وتأثر المعاصرين بموروثها القديم وتغلغل قناعاتهم بها اعتقاداً وعملاً مما مكنّ للنطيحة والمتردية وما أكل السبع أن تصبح ذات شأن فأتيح لها أن تعيس في الأرض بكل ذيولها المتهالكة وأفكارها المرذولة البالية وتحل محل النور البيّن والصراط المستقيم في التوجيه والإرشاد والسيطرة على كثير من توجهات الشباب والمنتمين لطلب العلم، وليس ما يردع أو يمنع من استعداد فطري أو تأهيل تربوي وعلمي، وقد خلت الساحة ممن يرجو الإصلاح بمعالجة الفساد، وممن يرى في إصلاح الآخرين صلاحاً للنفس والأقربين والمجتمع، وليس من حيلة إلا اتباع الجد وأخذ الحزم في مساندة طلاب العلم ذي التبصر والأناة في ترسيخ مبادىء السلف وقواعدهم لدحض الزيف وإحقاق الحق وعندها يمكن أن نضمن وبحول الله القضاء على السقيم الهالك ونحول بينه وبين النشء وليكونوا في مأمن وأمن من خوائله وترهاته ويتحقق بإذن الله المجتمع المثالي القائم على حقائق العلم ورواسخ العقيدة.
وللعلم فإن التعامل مع الأخبار السقيمة حديثيا أو تاريخياً كانت آفة كل زمان تتطيح بكل قيمه وتنحرف بمسار تقدمه نحو السكة غير المطمئنة ويتخبط الداعون إليها والسالكون مناهجها في تقرير المصير وبث الفوضى والحل الأمثل في مناهج البحث واتباع سبيل المحدثين.
* يفرق البعض بين نقد المرويات الشرعية وبين المرويات التاريخية على اعتبار أن المرويات التاريخية لا يشدد في جانبها من ناحية النقد هل لهذا التفريق من مستند علمي؟.
هناك أوجه للشبه تقارب بين مناحي النقد التخصصية كلٌ في مجاله ابتداء من الذاتية النقدية المفرطة وانتهاء بالموضوعية العلمة في جانبها العلمي.. فللناقد المحدث ما يربطه بالمؤرخ الناقد والناقد الأديب وتجمع بينهم روابط وشيجة في التأثر والتأثير والوصول إلى الحقيقة، وكل واحد منهم رهن ثقافته الخاصة والعامة والنتائج التي يتوصل إليها تبنى على نصيب وافر من محصوله منها.. وكذلك الاستعداد النفسي وتوفر البيئة الصالحة والإحاطة بالمثيل والغائر كل أولئك مما يشترك فيه نقاد العلوم المختلفة وليس هذا بقاصر على ما ذكر بل غيره من أوجه الشبه والمقارنة كثيرة وفيما ذكرناه سبيل للإشارة بتوافق القوم فيما يجمع ولا يفرق، وبعده يمكن تمييز ما بينهم من فوارق ومقابلة كل منهج من مناهجهم بغيره من جانب تخصصي آخر.. فالناقد المحدث له أدواته الخاصة ومعاييره العلمية في مادته التخصصية.. وكذلك الناقد المؤرخ ولا سيما عندما لايلزم نفسه بمسلك المحدثين النقاد في الاسترسال باسناد الأخبار والغوص في لجة رجاله، وكما الناقد الأديب في توجهه نحو التحليل والوصف على أي هيئة كان ذلك مراعيا الموضوعية والانفعالات العاطفية والتوجه النفسي في التأثير على الأدب.
هذا ولو أخذنا في الاعتبار قدسية النص وقدسية قائله لأوجب ذلك نوعاً من الجزم بضرورة التشدد في النقد إذ يمكن القول بعدم تساوي ما فيه وصف لله جل جلاله أو وصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ما فيه تحليل وتحريم بآخر يمكن أن يعده البعض من ترف النقد والأدب.
* من أبرز ما نشاهده في بعض التحقيقات الحديثة الجرأة لدى بعض المحققين في نقد النصوص الشرعية الحديثية من ناحية الصحة والضعف هل هذا العمل يمر دون وقفة من علماء الحديث؟
لابد أن نقف عند هذا الحد من القول وقفة طويلة ولو لا الخوف من الملل لفعلت ذلك بكل أمانة وتجرد على صفحات هذه الجريدة غير أني أبقي ما في جعبتي للساحة الثقافية والفكرية المتميزة واعني بذلك قاعة المحاضرات في مركز الملك فيصل رحمه الله مع ما ينبغي ذكره حول تخبط المعاصرين منتمين ومتسلقين وطلاب علم وباحثين وأساتذة وطلاب جامعات فيما يسعهم أن يتوقفوا عنده ولا يتوسعوا فيه إلا بقدر يسمح لهم به مواكبة العصر بشيء من علم ومنهج السلف في نقد الحديث .. وبشرط الالتزام وعدم الخروج عما وضعوه إلا إلى مثله.
فالقرآن والسنة ،ونقد الحديث ليست من العلوم الحديثة التي يطرأ عليها التغيير والتحول ، وليست من العلوم التي لم تخدم بعد ، وليس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم رضي الله عن الجميع ممن قصر في واجبهم نحوهما ولسنا نحن بأعلم منهم ولايمكن أن نأتي بشيء لم يعرفوه فيما يخص الكتاب والسنة بل كل الباحثين والعلماء وطلاب العلم والجامعات وغير ذلك من جهات العلم وصروحه لازال الجميع ينهلون من معينهم الصافي، وكل محاولة علمية إذا أريد لها الديمومة والنجاح تنشد إلى علمهم وتسعى في رقابهم فهم أنوار الدجى أزال الله بهم ظلمة الجهل.. ومن أراد لنفسه السلامة في الدين والنجاة من مزالق المتكلمين والمنتحلين فما عليه إلا أن يسعى لمعرفة ما كانوا عليه من الدين والخلق والعلم، وليس في هذا ما ينافي الرغبة في التحدث والتجديد، وسنة الله في التغيير .. ولكن ليس فيما عرفه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه واتباعهم رضي الله عنهم.
|
|
|
|
|