أعتقد أن السبب الأول في تحليق الشاعر العراقي في سماء الشعر وبراعته في القصيد إنما يرجع الى ما يقاسيه من آلام تتعرض له أمته العربية أولاً.. ووطنه العراق ثانياً.. فالعراق معظم أيامه وشهوره وسنيّه غثاء في غثاء وتسلط من الحاكم وتدخل استعماري بغيض فاتك.. ومنذ انقلاب عبدالكريم قاسم لم يحظ العراق ولا أبناء العراق بالاستقرار السياسي والأمن والأمان. ولا المعيشة الهنيئة. بل إن الدماء تكاد تسيطر على منابع المياه. بسبب تسلط فئة من ذوي الميولات الحزبية البغيضة.. ذات المبادئ المائلة الشاذة. يقول الرصافي مخاطبا أمته العربية ومن ضمنها العراق بلده الذي عاش وتربى فيه:
ما بال قومي على الإرهاق قد صبروا
كأن أشهر قومي كلها حرمُ
قد زال روح التفادي منهم ونما
روح التعادي الى أن ماتت الهممُ
ألقى التخاذل ضعفاً في عزائمهم
فالأجنبي عليهم ظل يحتكمُ
داء التأخر منا في خلائقنا
لقد فشا الداء حتى استفحل السقمُ
كانت خلائقنا للعز ضامنة
حتى فسدن فزال العز والشممُ
ثم يصور الانتداب الذي بلي به العراق فيقول:
في الكرخ من بغداد مرت بنا
يوماً فتاة من ذوات الحجابْ
لبستها موقرة بالحلى
وكفها مشبعة بالخضابْ
ووجهها يطمس سحناءه
عنا ظلام من سواد النقابْ
قال جليس يوم مرت بنا
من هذه الغادة ذات الحجابْ
قلت له تلك لأوطاننا
حكومة جاد بها الانتدابْ
تحسبها حسناء من زيها
وما سوى «جنبول» تحت الثيابْ
ويقصد بجنبول الإنجليز فهذا رمز شائع لهم.
أما قصيدته التي عنونها ب« كيف نحن في العراق» فتبين الحالة المزرية التي وصل إليها العراقيون عندما تجاهلت حكومتهم كرامتهم وعزهم وركنوا إليه ما يمليه المستعمر يقول: