| محليــات
كان انتظام الحكم للملك عبدالعزيز، ودخول الحجاز واتخاذ مكة المكرمة عاصمة أولى وتوحيد مناطق المملكة العربية السعودية بداية جادة للتدابير والتنظيمات الصحية الجادة. فلقد ادرك يرحمه الله مسؤوليته تجاه الاهتمام بالصحة، ولكن كيف السبيل الى ذلك في ظل الظروف الصعبة التي كانت تعيشها البلاد آنذاك بسبب قلة الموارد، وقلة الخبرات الفنية المدربة، واتساع رقعة البلاد، وتنوع مشارب أهلها وثقافاتهم. لقد كانت مهمة صعبة، ولكن المنصف والمطلع على الانجازات الصحية في عهد الملك عبدالعزيز في ظل تلك الظروف لا يمكنه الا ان يعجب بحجم هذه الانجازات قياسا بالفترة السابقة لعهده.
ويهمنا هنا الاشارة الى الخطوات والتدابير العامة التي اتخذها الملك عبدالعزيز للاهتمام بالشؤون الصحية قبل الدخول في تفاصيلها. فمن هذه التدابير:
1 جعل قضية الصحة من أوليات اهتماماته.
2 الاستفادة من الخبرات الاجنبية وخاصة العربية، واستقدام الاطباء.
3 دعم المشاريع الصحية، وتوزيع انتشارها.
4 الابقاء على الخدمات الموجودة قبل عهده وخاصة تلك الموجودة بمكة المكرمة وتحسينها وتطوير أدائها.
5 اتخاذ الاجراءات البيئية الصحية.
6 الارتباط بالمنظمات الصحية العالمية والمشاركة فيها والاستفادة من خبراتها.
ولعل الحديث التفصيلي عن هذه الاجراءات يزيد الموضوع جلاء.
حيث أمر « رحمه الله » بإنشاء مصلحة الصحة العامة في عام 1343ه (1925م) ويكون مقرها مكة المكرمة، ولها فروع في مناطق المملكة، بعدها أ صدر أمر سام آخر في 27/8/1344ه (1925م) بإنشاء (مديرية الصحة والاسعاف)، وأسندت مهمة الاشراف عليها الى الدكتور محمود حمدي حمودة وهو طبيب سوري الأصل كان من أشد المتحمسين للرعاية الصحية ويشهد له بالاخلاص والتفاني.تتألف هذه المديرية من مدير عام، وهو مرجع الشؤون الصحية، ومديريها في جميع أنحاء البلاد، ومعاون للمدير العام، ومفتش عام، ورئيس الصيادلة يساعده صيدليان قانونيان ومساعدو صيادلة، وعدد من الموظفين اضافة الى (ديوان) يشتمل على رئيس وسكرتير ومترجم وكتاب.. الخ، وترتبط بالادارة العامة شعب المحاسبة والسجل والإحصاء والمستودعات.
وتم توسيع مجال عمل المديرية بحيث يشمل الاهتمام بشؤون الصحة والبيئة، وإنشاء المستشفيات والمراكز الصحية، استقدام الأطباء والصيادلة، وإصدار اللوائح والانظمة الخاصة بممارسة مهنة الطب والصيدلة، والاهتمام بتدريب الكوارد الطبية المهنية، وإعداد البرامج التوعوية والوقائية، والاشراف على صحة الحجاج. وتجاوز نطاق عمل المديرية حدود مكة المكرمة ليشمل جميع مناطق المملكة. ولدعم هذه المديرية الوليدة، تم تكوين المجلس الصحي العام وهو أعلى هيئة صحية إشرافية في البلاد، وكان المجلس يتكون من:
1 سمو نائب جلالة الملك رئيسا.
2 مدير الصحة العامة.
3 مدير صحة العاصمة.
4 مدير شرطة العاصمة.
5 مدير الكرنتينات.
6 مدير الاوقاف.
7 رئيس لجنة عين زبيدة.
8 أحد مستشاري نائب جلالة الملك عبدالعزيز.
وعقد المجلس اولى جلساته في 25/8/1345ه بمكة المكرمة (1926م).. ومن جانب آخر صدر في الوقت نفسه ايضا نظام (إدارة الصحة العامة والاسعاف في 1/8/1345ه (1926م)، وبلغت مواده 111 مادة توضح ارتباط المديرية العامة للصحة، وهيكلها، ومهامها، ونظام موظفيها، وتوصيف مهام رؤساء الاطباء والأطباء والصيادلة، وتحديد الرسوم الخاصة بالعلاج، وتحديد وظائف رئيس الكتاب ومأموري المخازن، وتحديد الوظائف الضابطة للصحة، وتشكيل المستشفيات واللجان الادارية واللجان الصحية القضائية، وما يتعلق بالاحتياطات الصحية للحجاج، وشروط العمل بالمديرية العامة للصحة.
وكان واضحا من البداية مدى الدعم الذي تحظى به المديرية العامة للصحة، وكانت انطلاقتها قوية برغم قلة الموارد آنذاك.حيث كانت اعمال المديرية في البداية تتركز على منطقة الحجاز وبالاخص مكة المكرمة في موسم الحج، ثم اتسعت دائرة اهتمامها لتشمل جميع مناطق المملكة، وتنوعت لتنوع أعمالها، وسنشير إليها حسب تصنيفها النوعي.
وتجدر الاشارة الى أن الصحة مرت بمرحلتين رئيسيتين هما:
المرحلة الاولى: ضعف وندرة الخدمات الصحية بالمملكة في بداية حكم الملك عبدالعزيز يرحمه الله حيث كان هناك عدد محدود للغاية من المستشفيات والمستوصفات مثل: مستشفى اجياد بمكة المكرمة، ومستشفى باب شريف بجدة، ومستوصف المدينة المنورة، وذلك لتوفير الاحتياجات الضرورية الملحة للحجاج، نظرا لتفشي الأوبئة والأمراض في مواسم الحج، الى ان بدأت الانطلاقة الاولى للخدمات الصحية بالمملكة في عهد جلالة الملك عبدالعزيز في عام 1343ه (1924م)، كما تجدر الاشارة الى ان الخدمات الصحية في ذلك الحين كانت تعتمد على وسائل بدائية في اطار التقاليد الموروثة، والتي تتلخص في الوصفات المحلية، الكي بالنار، تجبير الكسور، الحمية الغذائية، فصد العيون (لعلاج الرمد)، الختان، اضافة الى بعض انواع الشعوذة والدجل (لعلاج الحالات النفسية) وذلك عن طريق الحلاقين والدايات والعطارين. حيث صدرت عدة أوامر ملكية لتنظيم ما يتعلق بالصحة.
أما في المرحلة الثانية: وهي مرحلة الانشاء والتعمير وتشمل الفترة من بداية عام 1360ه (1941م) الى عام 1370ه (1950م)، حيث بدأت الاوضاع تتجه نحو التحسن المطرد، سواء من حيث الموارد المالية للمملكة او مشروعات البنية الاساسية ومستويات التعليم، مع زيادة مطردة في عدد الحجاج، مما ساهم في تهيئة المناخ الملائم لتوسعة الخدمات الصحية وتحسينها انطلاقا من وضع انظمة تشريعية وإقامة مشاريع ميدانية صحية،
|
|
|
|
|