| سلع واسواق
* فيينا مسفر غرم الله الغامدي:
أكد معالي وزير البترول والثروة المعدنية علي بن ابراهيم النعيمي أن مبادرة الغاز التي قامت بها المملكة مؤخرا وإبرامها ثلاثة مشاريع متكاملة للغاز والكهرباء والماء والبتروكيماويات مع شركات زيت عالمية سيشكل انجازا تاريخيا في مجال علاقات الشراكة التي تقيمها المملكة، جاء ذلك في كلمة لمعاليه ألقاها صباح اليوم في ندوة أوبك المنعقدة في العاصمة النمساوية فيينا والتي تعقد تحت عنوان «منظمة اوين ومسرح الطاقة العالمي المتغير» ، وفيما يلي نص الكلمة: منظمة أوبك ومسرح الطاقة العالمي المتغيركلمة معالي المهندس علي بن إبراهيم النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية المملكة العربية السعودية، ندوة أوبك فيينا 12 رجب 1422ه 29 سبتمبر 2001م،
في بداية حديثي أود أن أزجي الشكر لمنظمي هذه الندوة التي جاءت في وقتها المناسب، حيث تأتي بعد مرور الذكرى الأربعين لميلاد أوبك في العام الماضي وتأكيد قادة دول المنظمة في اجتماعهم في كراكاس على أهداف المنظمة ودورها في سوق الزيت والاقتصاد العالمي،
وقد طلب مني اليوم ترؤس هذه الجلسة عن الطاقة والبيئة والتنمية المستدامة، ومن أهم التحديات التي تواجهنا كدول نامية وكمنتجين لأهم مصادر الطاقة في العالم، أن نربط بين الاهتمام العالمي بالبيئة من ناحية وبين حاجاتنا للتنمية واحتياجات العالم من الطاقة من ناحية أخرى،
وعلى الرغم من أن التنمية المستدامة التي تعرف بشكل عام بأنها الوفاء باحتياجات الجيل الحالي دون التأثير على مقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها، قد أصبحت القاعدة التي تسترشد بها التنمية العالمية والجهود البيئية، فإن هناك إدراكا لضرورة النظر إلى مفهوم الاستدامة لأسباب عملية، من منظور تقريبي ونسبي،
ومع أن حالة البيئة العالمية تهمنا جميعا، إلا أن هناك اختلافا في الأولويات ووجهات النظر بشأن الأسباب الكامنة وراء مشاكل البيئة العالمية وطرق التعامل معها، ومن المهم في هذا الصدد أن نلاحظ أن العلاقة بين الطاقة والبيئة هي علاقة تكاملية وتبادلية في آن واحد، فمن المعلوم للجميع أن إنتاج الطاقة واستهلاكها كغيرهما من الأنشطة البشرية يؤثران على البيئة المحلية والإقليمية والعالمية، وعلى مر السنين، ساهمت العبقرية البشرية، التي تجلت فيما تحقق من تطورات تقنية، في قطع شوط كبير في مجال تحسين كفاءة استغلال الطاقة، وهذا بدوره ساعد إلى حد كبير في التقليل من اللوم الذي يقع على عاتق استهلاك الطاقة من جراء الأضرار البيئية، ولا سيما فيما يتعلق بتلويث الهواء، فعلى سبيل المثال، خلال الخمس والعشرين سنة الماضية، وحتى في ظل تضاعف المسافات التي تقطعها السيارات في الولايات ا لمتحدة، فإن الانبعاثات الناتجة عن عوادم السيارات انخفضت إلى النصف،
وقد قبلت صناعة الزيت العالمية التحدي واستثمرت مليارات الدولارات لجعل عمليات إنتاج الزيت ومنتجات غير ضارة بالبيئة، حيث ان طرح المنتجات البترولية النظيفة والمحولات الحفزية وتبني معايير تحكم ناقلات الزيت وخطوط الأنابيب كل ذلك قد ساعد في الحد من التلوث الذي يصيب الماء والهواء، ويجب أن تستمر هذه الاستثمارات في التقنيات النظيفة لإنتاج الزيت، ويتعين علينا نحن في الدول المنتجة أن ننضم إلى هذه الجهود،
وعلى الرغم من هذه التطورات في مجال جودة المنتجات البترولية، فقد وضعت سياسات وبرامج في الدول الصناعية للتقليل من استعمال الزيت ولا سيما في قطاع الكهرباء، للاستعاضة عنه بمصادر أخرى كالفحم والطاقة النووية، ومما يدعو إلى الأسف، فقد سادت هواجس عدم ضمان استمرار الإمدادات وضرورة عدم الاعتماد على استيراد الزيت، على الرغم من الآثار البيئية السالبة المثبتة للفحم والطاقة النووية، وانطلاقا من قناعتنا بمبدأ التنمية المستدامة فقد شاركت الدول الأعضاء في المنظمة في المفاوضات الخاصة بظاهرة التغير المناخي من البداية حرصاً منها على المساهمة في المحافظة على البيئة العالمية، وتتمثل وجهة نظرنا في أن الإجراءات المطلوبة لتخفيف أثر التغير المناخي يجب ألا تؤثر سلبا على الطلب العالمي على الزيت أو التجارة فيه، لما لذلك من آثار على نمو اقتصاديات دولنا والدول النامية الأخرى،
لذلك تسترشد سياساتنا البترولية باهتماماتنا بالتنمية الاقتصادية في دولنا فضلا عن اهتمامنا بازدهار الاقتصاد العالمي، وهذه السياسات تعد الأساس لمنهجنا في تحقيق التنمية المستدامة،
سيداتي سادتي: أود أن أتطرق الآن إلى التحديات الأخرى التي تواجه منظمتنا، وهي المنظمة التي استطاعت أن تصمد أمام التغيرات العالمية وأن تستجيب لها، فقد استطاعت منظمتنا أن تجتاز العديد من التحديات والمفاهيم الخاطئة، وأن تواصل القيام بدورها كأحد العناصر المهمة في سوق الطاقة العالمية وفي الاقتصاد العالمي، هذا فضلا عن دورها الحيوي في اقتصاديات الدول الأعضاء، ويمكن تفسير قدرة أوبك على الصمود بعاملين أساسيين، أولهما حصتها الكبيرة جدا في احتياطات الزيت العالمية والحصة المهمة جدا للزيت في متطلبات الطاقة الدولية، فعند تأسيس أوبك في عام 1960م كان احتياطيها من الزيت يبلغ 197 بليون برميل، وهو ما كان يشكل نسبة 62% تقريبا من احتياطيات الزيت الثابتة في العالم في ذلك الحين، وبحلول عام 1975م ارتفعت تلك الحصة إلى 485 بليون برميل، أي ما نسبته 68% من الاحتياطيات المعروفة في العالم،
أما اليوم، وحتى في ظل بلوغ احتياطي الزيت في العالم أكثر من تريليون برميل، أو خمسة أضعاف ما كان عليه في عام 1960، فقد زادت حصة أوبك إلى 76% تقريباً، ورغم أن حصة الزيت في مزيج الطاقة قد انخفضت من 55% منذ ثلاثة عقود إلى 40% في الوقت الحاضر، إلا أن الزيت لا يزال هو المصدر الرئيسي للطاقة، وهذا يضمن استمرار الدور الذي تلعبه أوبك طالما كانت هناك حاجة إلى الطاقة في النمو الاقتصادي، كما تعزى قدرة أوبك على الصمود كذلك إلى كونها منظمة حكومية مؤلفة من دول ذات سيادة، لا تقتصر أهدافها على تنسيق السياسات البترولية فحسب، وإنما تتجاوز ذلك إلى ضمان استقرار السوق واستمرار وصول الامدادات إلى المستهلكين، وهذا ما كان يوجهها في خضم التغيرات المتلاحقة التي شهدتها البيئة السياسية والاقتصادية والتجارية،
لقد أصبح الاقتصاد العالمي اليوم أكبر وأكثر تحررا عما كان عليه عند تأسيس أوبك قبل أربعة عقود، وقد شهدت السنوات الخمس والعشرين الماضية تغيرات ملحوظة أدت إلى تحول العلاقات المضطربة بين حكومات الدول الأعضاء في أوبك وشركات الزيت العالمية إلى علاقات الشراكة القوية التي نشاهدها اليوم، إلى درجة قيام المنتجين في أوبك بالمشاركة في مشاريع في الأسواق الداخلية لشركات الزيت العالمية،
وقد اختفت الآليات الجامدة لتثبيت الأسعار لتحل محلها الأسعار التي تحددها السوق، وتحولت العلاقات العدائية القديمة بين المنتجين والمستهلكين ، والانقسامات بين المنتجين داخل أوبك وخارجها، إلى علاقات تعاون تسعى لتحقيق الأهداف المشتركة،
وقد كان النهج الذي تبنيناه دائما مبنياً على الاعتقاد بأن الأسواق دائمة التغير وتعدد وتنوع اللاعبين في السوق هما اللذان يحددان الدور الذي يجب على أوبك أن تلعبه في إرشاد السوق وليس التحكم فيها، وقد سعينا على الدوام إلى فصل السياسة عن سوق الزيت وتسهيل الحوار بين المنتجين والمستهلكين،
وعلى الرغم من جميع التحولات التي شاهدناها على مدى السنوات الماضية والدروس القيمة التي تعلمها المنتجون والمستهلكون على حد سواء من تطورات السوق، فإن بعض المفاهيم الخاطئة عن أوبك ودورها في السوق تستوجب التصحيح، وأول تلك المفاهيم أن أوبك التي تسيطر على 35% من إنتاج الزيت في العالم تستطيع أن تملي أسعار الزيت العالمية في جميع الأوقات،
والواقع أنه ضمن الإطار الحالي المعقد للسوق، ومع التنوع الكبير للاعبين فيها، لا يستطيع أحد أن يدعي أنه يملك القدرة الخارقة على ذلك، إن هدف أوبك هو تحديد سعر مرجعي، وترك الأسواق من خلال ديناميكيتها الخاصة، تحديد سرعة ونطاق تغيرات الأسعار،
أما المفهوم الخاطئ الثاني فهو اتهام أوبك بأنها تتحكم في السوق وهذا يتجاهل حقيقة انها مجرد منتج مرجح، حيث انها تؤمن الفرق بين الطلب العالمي على الزيت والكميات المنتجة من خارج أوبك، وكلاهما يتأثر بعوامل عديدة معظمها يخرج عن نطاق سيطرة المنظمة، حيث ان التغيرات التي يشهدها الطلب العالمي على الزيت، سواء الناتجة عن الأوضاع الاقتصادية في العالم أو التغيرات الموسمية،
|
|
|
|
|