| مقـالات
كم من الأشياء نعملها بقناعة تامة؟ وكم هي الأشياء التي نعملها بدون قناعة بها؟ ولو أردنا استعراض الأنشطة الأسبوعية أو الشهرية التي نمارسها لوجدنا أن هناك أشياء وأشياء نؤديها ونجهد أنفسنا في تنفيذها دون قناعة تامة بها أو بجدواها. إذاً لماذا نمارس هذا النشاط وتلك المهمات متجاوزين حدود قناعتنا بها؟ إن الجواب على هذا السؤال لن يعيينا ففي حياتنا ثوابت ومتغيرات وتتجاذبها عوامل داخلية وخارجية تشكل تركيبة وديناميكية تلك المتغيرات وربما الثوابت كذلك. ولتوضيح بعض جوانب أنشطتنا الحياتية ومدى قناعتنا بها نتساءل فنقول من منا أقام منزلاً له يعكس شخصيته وذاته ويحقق احتياجاته الضرورية دون الرضوخ لآراء الآخرين ومقترحات من لا يمت الأمر لهم بصلة؟ ومن منا اختار تخصصه العلمي ومن ثم توجهه المهني بناءً على رغبته هو ووفق إمكاناته هو لا تحت توصيات الآخرين أو ضغط عوائق اجتماعية تحقر مهنة وتمجد أخرى؟ بل من منا خطّط لإجازته الصيفية وفق رغبته وإمكاناته المادية؟. ولو أردنا الاستطراد بسرد مثل هذا النوع من الأسئلة لطال بنا المقام، ولكن يمكن أن نقيس على ذلك العديد من الأنشطة التي نمارسها دون قناعة مطلقة أحياناً. والسؤال الشامل هنا لماذا نمارس مثل هذه الأنشطة ونحن أصلاً غير مقتنعين بها؟.
ذكر لي زميل أنه أقام منزلاً له وفق الآراء والمقترحات التي انهالت عليه عند وضع أول لبنة للمنزل وهو يقيم فيه الآن دون قناعة ببعض المرافق التي يحويها المنزل. والأطرف من ذلك ما رواه لي أحد الزملاء ممن قضوا إجازتهم الصيفية في الخارج حيث قال وأنا استعرض معه مفهوم وأهمية القناعة بما نفعل أنه قضى إجازته الصيفية هو وأبناؤه في بلد سمعوا عنه أنه بلد جميل ومكان يمكن أن تقضي فيه وقتاً ممتعاً، ورغم أن هذا هو الأسلوب لدينا في الغالب لمعرفة المناطق السياحية ومعايير اختيارنا لها ارتياح البعض الذين قد لا نتفق معهم في مقاييس الارتياح لمنطقة دون أخرى. يقول الزميل لقد انتابني إحساس بأن قضاء الإجازة في هذا البلد لن يكون بالصورة التي رسمتها في ذهني والتي لا تتجاوز متطلبات قضاء صيف في جو ممتع كما أبها أو الطائف أو الباحة ناهيك عن بعد المسافة وعدم تحدث أهل البلد العربية أو الإنجليزية. وهنا نقول بأن القناعة بالشيء أمر نسبي فالذي اقتنع به أنا ليس بالضرورة أن يكون مقنعاً للآخرين والعكس صحيح.
إن موضوع القناعة يخضع لمعياري الثوابت والمتغيرات. أما بالنسبة للثوابت فهي لا تحتمل وجهات النظر وتمثل خطاً مشتركاً لأفراد المجتمع بحيث يؤمن بها الجميع وملزمة للكل وتصبح هنا القناعة مفروضة ومقبولة ومبرراتها بحد ذاتها مقومات جيدة للقناعة بها، وبالتالي نسبة الرضاء عنها عالية، لأن الثوابت لم تكن ثوابت لولا أنها مقنعة إن لم تكن للجميع فهي مقنعة للسواد الأعظم من أفراد المجتمع، وبذلك قبولها والتقيد بها لا يمثل إشكالية اجتماعية إطلاقاً. أما المتغيرات فتشكل عقبة لأنها مظنة القناعة أو عدمها ولأنها تؤثر على الفرد والمجتمع. فالفرد يخرج إلى الدنيا وأمامه العديد من المتغيرات التي لا يملك الخيار في انتقاء أفضلها، بل يكيف ويهيّأ لها من قبل والديه فإذا نشأ وترعرع وجد نفسه أمام متغيرات أخرى نتيجة التطور والنمو وموجة التغيير والتغير والإحلال والإبدال.
هناك قناعة بأنك عضو في المجتمع تتأثر وتؤثر فيه ولكن قد لا يكون هناك قناعة بأسلوب التأثير والتأثر، وهناك قناعة في دورك الاجتماعي لتكوين أسرة ولكن أين القناعة في أسلوب اختيار شريكة الحياة، وهناك قناعة بأهمية التعليم ودوره في تعزيز دورك الاجتماعي ولكن قد لا يكون هناك قناعة بكيفية اختيار التخصص وبالتالي تحديد توجهك المهني، ومرد ذلك كله المتغيرات الاجتماعية التي قد لا تتيح للفرد تحقيق ذاته كما ينبغي.
إن نظامنا التعليمي وما هيىء له من إمكانات مادية ومعنوية أحدث نقلة نوعية في أسلوب تعاملنا مع بعض المتغيرات وأصبح تعاملنا معها مبنياً على أسس علمية موضوعية وبالتالي اتسعت مساحة حرية الخيار لدى الفرد وارتبطت قناعته بما يمتلكه من مخزون علمي وفكري وأصبح أكثر قدرة على التعامل مع المتغيرات عن ذي قبل ولكن الملاحظ ركون البعض إلى الأسلوب التقليدي المتمثل بمحاكاة الآخرين والله المستعان.
Shaer@Anet.Net.SA
|
|
|
|
|