| الاخيــرة
عند حدوث أمر جسيم يتباين المعنيون بأمره في قدرتهم على التعامل معه، وهذا التباين مرده إلى قدرة المعني على التأثير فيه، وحكمته في التعامل معه وفي الغالب فإن ردة الفعل الأولى قد لا تكون صائبة لأنها نابعة من عواطف جياشة متأثرة بذلك الحدث، لكن الحكمة لدى الحكيم بعد برهة من الزمن تطل بوجهها الصبوح لتقود المعني إلى قرار صائب مدروس يأخذ بعين الاعتبار الآثار الآنية والبعيدة المدى. أما إذا خلا الأمر من الحكمة فإن العواقب البعيدة المدى غالبا ما تكون وخيمة، حتى وإن حُققت بعض النتائج الإيجابية الآنية.
إن على رأس تلك الحكمة في كل حدث جلل هو البحث عن الأسباب الدافعة لحدوثه، ودراستها وتمحيصها، وبعد ذلك يتم البحث عن مدى تأثيرها على الفرد العادي ودراسة ذلك التأثير دراسة كمية باستخدام المعايير الإحصائية المتاحة، وذلك بتحديد العوامل المؤثرة وافتراض مقاييس للمتغيرات يمكن من خلالها الحصول على مدى تأثير السبب في سلوك الفرد.
ليس من العسير على أي متخذ قرار، فردا، أو جماعة، أن يقلل من النتائج السيئة الجالبة معها الكثير من المآسي طالما كان العدل والحكمة بنبراسه في قراره لكن ما يخشاه ذوو النهى أن تستمر سلسلة المآسي إذا لم يطرق العدل والحكمة لها بابا، وإذا كان الديدن هو الاستغلال الأمثل لكل حدث جلل في تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستفادة.
لا أفهم كيف يسعد فرد بإيذاء الآخرين، ولكني قد أفهم أن يطمع شخص فيما لدى غيره بطابع أنانيته وحبه لذاته، وإذا لم يجد العدل حاجزا دون تحقيق رغبته، وعندما يرى المأخوذ الغبن يطرقه بمطرقته، سيظل يكافح بوسائل غير عادلة لتحقيق ما يراه سبيلا لاسترجاع حقه.
إن الإنسان له حرمته وكرامته وعليه ان يحفظها باستخدام الحكمة والعدل والتعليم النير الذي ينأى بالفرد عن الحقد والضغينة ويرفع من قدره فإنسان فضله الله على سائر خلقه بما أعطاه من عقل يمكن له أن يميز الغث من السمين، وإلا فإنه سيظل يُفني نفسه بنفسه وبدرجة أسرع منها في الحيوان لأنه استخدم ما بيده من معاول علم للنيل من ذاته بذاته. فهل له أن يستخدم تلك المعاول لبناء ذاته بدلا من استخدامه لها لهدم ذاته؟
إننا في هذا الجيل ننظر الى ذلك الجيل الذي يضع الحكمة والعدل والبُعد عن الكراهية منار حياته ليعيش عيشة كريمة. وهذا يتطلب حربا ضروسا بين المرء وذاته بنزع الطمع وحب الذات، واستبدالها بالبحث عن الصواب وإعطاء كل ذي حق حقه، وعدم الاستهانة بالروح البشرية.
إن الإنسان هو الإنسان، ولن نتوقع أن يكون العالم الإنساني خاليا من ذوي الأطماع أو الحاقدين، إلا أن الحكماء الفاعلين من بني البشر قد يكونون ذوي تأثير اكبر للحد من أولئك الطامعين والحاقدين، ومن أولئك الراغبين في صب جام غضبهم على كل فرد من بني البشر بغض النظر عن علاقته بتنفيذ تلك الأطماع.
إن بني البشر يحتاجون إلى الكثير من الحكمة والعدل لتحقيق حياة كريمة آمنة، فهل هم فاعلون؟؟
|
|
|
|
|