| محليــات
لو أنَّ هذا القرن من التأريخ ينطق...
تُرى كيف سيتحدَّث عن نفسه؟...
ولو خُيِّل إليك، أنَّه إنسان يرتدي ما يرتديه الإنسان من الأزياء، ويتحدَّث بما ينطق به من الكلام،... وله حاسَّة السمع، والشَّم، واللَّمس..، والنَّظر..، وهو مثله له غريزة الجوع،... والعطش..، والرّغبة،..، والألم، وله.. ما له من العقل..، والوجدان..،:
فهل سوف يخبِّىء خزْيه بحجاب... دون أن يترك أحداً ما أن يرى وجهه الآخر الذي سبق في القرن الذي عَبَرَ؟..
وكيف وقد سبقه خيبةً...، وبَدْءَ نكباتٍ، تلمَّظت في بوتقاتها؟!...
أوَ ليس هناك حقْباتٍ منه، انعطف فيها ووقف، ووُسِم بما لا يُصدَّق، من بنود الفضيحة، والفجيعة، والعار، والعيب...، وهدر الإنسان للإنسان؟..،
وهل كان له أن يُعبّر عن خزْيه بالألفاظ ذاتها، بما يسمع، وبما يلتقط شمُّه من روائح الدَّمار، والنَّار؟ أم تُرى سوف يمدُّ يده ليلمس واقعية حدوث القتل، والإحراق، والنهب، والإيذاء فيشعر بإيغال نصل الضَّياع الضَّياع..، وهل تُرى سوف يتضوَّر جوعاً بكلِّ قيمة فقدها وهو لما يزل في أولى درجاته قبل أن يستوي له دور يوسم به، أو يعتدُّ به من عمل يكون فيه؟!...
هذا القرن... لو أنَّه كان له، ما للإنسان فيه، هل سيسمح لأذنيه أن تلتقطا همهمات كلِّ نجوى، وصوت كلِّ ناطق، وصراخ كلِّ مُسْتاء، أو خيبة كلِّ مفجوع..، أو وخز كلِّ مكلوم..، أو ألم كلِّ محروق..، أو حسرة كلِّ فاقد ومفقود..، أو أنين كلِّ مظلوم..، أو جبروت كلِّ ظالم؟! فيُعْمل عقله، إن كان له ما للإنسان من عقل، في كلِّ ذلك... يقلِّبه...، ويتفكَّر فيه..، ويفنِّده..، فيرفض منه ما تجاوز...، ويعْقل منه ما تمادى..، ويُسقط منه ما له من أثر في كلِّ هذا الوجه، ومافي الباطن من الفساد... والظُّلمْةِ...، والخراب فيه...،
أوَ ليس لهذا القرن أن يعطش للحب، والخير...، والسلام لو كان له من غريزة العطش البشري..؟ أوَ ليس له أن يألم لو أنَّه رُزق غريزة الألم، مّما جاء به من ويلاتٍ..، وخيباتٍ..، ومُفْزعاتٍ...، ومُقْلقاتٍ..، وكوارث..، وإلماحاتٍ للضَّياع...، وغربة الحياة...، في أكثر الحياة وهجةً للفرح؟!..
كيف لهذا القرن أن يكون لو أنَّه مُنح ما للإنسان من قدرة الحركة بقدمين، والإشارة بيدين، والتَّذوق بلسان؟
هل يتحرك إلى الأقبية، وداخل البيوت، وخلف الأسوار، وتحت الطاولات...، يضع يده، وينتقل بقدمه كي يوظِّف بقيَّة حواسِّه، في الوقوف على تفاصيلَ تفاصيلِ ما يُفرح، ويُقلق، ويُبكي، ويُفزع، ويؤلم. ويجرح، ... و.... و..... حتى غدا الإنسان تبهتُ على شفتيه الابتسامة، وتعلو جبهته الأحزان، ويمتلىء قلبه حسرةً، ويدخل في دوائر الاكتئاب، ويفقد الثِّقة، في كلِّ ما ستأتي إليه به أيام هذا القرن، وساعاته، ولحظاته؟...
تُرى...
لو أنَّ لهذا القرن أن يفعل كلُّ ذلك....
هل سوف يُنصف الإنسانَ ذاتَه، أم سوف يُحمِّله جريمة السَّطو عليه، وتشويه قدومه...، ووسمه بقرن الضَّياع، والفقد، لقيم الخير، والسلام، والسعادة، والبناء؟...
فافتح فمك وانطق أيها الزَّمن...، قبل أن يهرب الإنسان...، وتبقى الشَّاهد الوحيد عليه، وعليك.
|
|
|
|
|