| أفاق اسلامية
من نعمة الله على أهل الإيمان نعمة التوكل تلك النعمة العظيمة التي هي السند في الشدائد والعون في البأساء والأنس في الضراء والراحة للبال والاستقرار للحال والسعادة المنشودة!!، بها تتحرك جوارح المؤمن وبها تسكن، لا ينالها إلا من عرفها معرفة حق وصدق فهي اعتماد القلب بصدق على الله جل وعلا في جلب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة والأمور كلها إلى الله وانه لا ينفع ولا يضر ولا يمنع ولا يعطي إلا هو جل وعلا، والأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل فها هو الأعرابي الذي جاء إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وناقته من خلفه يقودها قد سأل النبي صلى الله عليه وسلم أأعقل ناقتي أم أدعها وأتوكل؟
فقال عليه الصلاة والسلام «اعقلها وتوكل» والتوكل على الله لا ينافيه فعل الأسباب.
قال ابن القيم الجوزية رحمه الله «التوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب ويندفع بها المكروه فمن أنكر الأسباب لم يستقم معه التوكل ولكن من تمام التوكل عدم الركون إلى الأسباب وقطع علاقة القلب بها فيكون حال قلبه قيامه بالله لا بها وحال بدنه قيامه بها فالأسباب محل حكمة الله وأمره ونهيه والتوكل متعلق بربوبيته وقضائه وقدره، فلا تقوم عبودية الأسباب إلا على ساق التوكل ولا يقوم ساق التوكل إلا على العبودية»أ. ه.
وحيث اننا في زمن القلق وجد من بيننا من يقلق على مستقبل ابنه ذي الأربعة أشهر حيث يقول: ياترى ابني هذا هل سينجح في دراسته؟ هل ياترى سيحصل على وظيفة مرموقة؟ هل ياترى وهل ياترى؟! سلسلة تكاد لا تنتهي من جنون القلق الذي أصيب به هذا الرجل وليس وحيد دهره وفريد زمانه فثمة رجل آخر على طرف نقيض أيضاً يقول عبارة وددت أني لم أسمعها وهي قوله« بودك ألا نرزق بذرية!!، رغم أن ذريته ما زالوا صغاراً قيل له: ولِمَ والعياذ بالله قال : إني قلق والله من عدم صلاحهم فالتربية هذه الأيام صعبة والمغريات كثيرة وكبيرة جداً ولو لم يأتوا لكان خيراً لي!!، كلاهما بعد الحديث معه وبذل المساعي لعلاج خلله اتضح أن هذا الخلل الكبير لم يكن ينتج إلا من جراء غياب التوكل على الله جل وعلا!!!، أين التوكل الذي عرفه لا أقول الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم حتى لا يأتي من يقول: أين نحن من أولئك بل عرفه الآباء والأجداد الذين كان أحدهم على سبيل المثال يخرج من بيته وأبناؤه يتضورون من الجوع وهو متوكل على الحي الذي لايموت بأنه سيعود لهم بطعام يأكلونه وكان أحدهم أيضاً يرى من أحد أبنائه ما يرى من الانحراف قياساً بزمنهم فيبذل جهده ويفعل كل سبب لهداية ابنه هذا هداية الدلالة ويتوكل على الله جل وعلا ويسأله جل وعلا لهذا الابن هداية التوفيق!!، رحمهم الله لم يقلقوا كما قلق في أيامنا هذه هؤلاء رغم شهاداتهم الجامعية ومراتبهم العلمية ومستوياتهم الوظيفية؟!، أتدرون لِمَ؟! لأنهم فعلوا الأسباب بأن خرجوا طلباً للرزق ودعوا إلى التوبة والإنابة كسبب للهداية توكلاً على الله لا تعلقاً بالأسباب إيماناً منهم بقوله تعالى «نحن نرزقكم وإياهم» وان كل نفس لن تموت إلا وقد استكملت رزقها وأجلها وأن الله قال«إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء» ذلكم هو التوكل على الله ذلك البلسم الشافي لمرض القلق الذي لن تعرفه حق المعرفة إن لم تمارسه عملياً فتربي نفسك على بذل الأسباب توكلاً على الله وحده لا تعلقاً بها وذلك في كل صغيرة وكبيرة من شؤونك فتثق بما عند الله أوثق مما في أيدي الناس بل أوثق مما في يدك أنت!!.
|
|
|
|
|