| الثقافية
هو شاعر جزائري من الجيل المعاصر، أو مايمكن أن نسميه الجيل الثالث، وهو لم يعش سنوات الاحتلال، لكنه عندما فتح عينيه على الحياة لأول مرة في الحادي عشر من يناير عام 1954 كانت الجزائر كلها تتأهب للثورة التي اندلعت في مايو من العام نفسه.
وحين تحررت الجزائر من الاستعمار الفرنسي: كان الطاهر جاعوت في الثامنة من العمر، ويعيش في مدينة أصفهان، التي ولد بها وفي هذه المدينة تلقى تعليمه الاساسي حتى المرحلة الثانوية، ثم سافر الى العاصمة، وهناك حصل على بكالوريوس العلوم، قسم الرياضيات، ولأنه شاعر فقد قرر أن يدرس الصحافة، حيث أحس أنه لن يمكنه الاستمرار في تدريس الرياضيات.
بدت موهبة الشعر على الطاهر جاعوت وهو في سن صغيرة، حيث راح يلقي القصائد وهو في الحادية عشرة على أقرانه، ورغم أنه كان يكتب باللغة الفرنسية، فأنه كان يكتب عن الواقع المعاش في الجزائر، خاصة بعد الاستقلال، وفي مرحلة الثمانينات، وهي المرحلة التي تصاعدت فيها المواجهة بين التنويريين والمتطرفين تحت لواء جبهة الانقاذ.
في عام 1975 نشر الطاهر جاعوت ديوانه الأول تحت عنوان «المدار الشائك»، ثم صدر الديوان الثاني عام 1978 بعنوان «القوس حامل الماء» وبعد عامين نشر ديوانه الثالث «قاطن الجزيرة وشركاه» وفي عام 1991 صدر ديوانه «العصفور المعدني».
وقد مرت حالة الابداع عند الطاهر جاعوت بمرحلتين متباينتين تماما، المرحلة الأولى كان يكتب فيها شعرا تجريبيا مملوءاً باللغة المعقدة غير المفهومة، وقد انتهت هذه المرحلة تقريبا في بداية الثمانينات، وقرر أن يكف عن كتابة الشعر، حيث أحس أن الشعر لم يعد مناسبا للعصر، وفعل مثل الكثير من ابناء جيله بأن اتجه الى كتابة الرواية، ففي عام 1981 نشر روايته الأولى «امرأة منزوعة الملكية» وفي عام 1984 صدرت الرواية الثانية باسم «الباحثون عن العظام» ثم نشر في السنة نفسها أول مجموعة قصصية باسم «فخاخ الطيور» وفي عام 1987 كانت روايته الثالثة «اختراع الصحراء» ثم جاءت روايته «العسس» التي فازت في فرنسا بجائزة تسمى البحر المتوسط في عام صدورها عام 1991 وهذا يعني اننا امام روائي متميز رغم ان الكاتب يرى غير ذلك.
وقد نشر الطاهر جاعوت اعماله بين العاصمتين الفرنسية والجزائرية، وفي عام 1984 كلفته احدى دور النشر الجزائرية باعداد مجموعة من مختارات الشعر المعاصر المكتوب باللغة الفرنسية، وقام بالعمل على خير وجه، وصدر الديوان الأول من مختارات الشعر العربي المكتوب باللغة الفرنسية تحت اسم «الكلمات المهاجرة».
وطوال الفترة التي تنحصر بين هجران علوم الرياضيات ووفاته برصاص المتطرفين عمل الكاتب «الطاهر جاعوت» مشرفا على الصفحات الثقافية في مجلة «الجزائر الحدث» التي تصدر باللغة الفرنسية في الجزائر، كما كان يراسل المجلة الادبية «حدث الهجرة» التي يصدرها المهاجرون المغاربة في فرنسا وفي عام 1993 اصدر مجلة «القطيعة» التي كان هدفها مقاطعة كل فكر اظلامي، وقد شارك معه في تحرير المجلة كل من الاديبين رشيد بوجدرة، ورشيد ميموني، وكانت المجلة ومقالاتها سببا مؤكدا لاغتياله.
ومن شعر الطاهر جاعوت المكتوب بالفرنسية نأخذ نموذجا لشعر اتسم بالغموض، وعدم الوضوح، وهذه القصيدة منشورة في ديوانه «القوس حامل الماء»:
الشعراء
وهيكل الانوار
المشيد من فقار ظهوركم
هل تجد فيه اخيرا.
هذا الخبز الذي نبحث عنه
اسمعها تصعد من فوقكم
ضجة الانهار
ومن احضان هياكلكم المتصلبة
ينبجس رفضكم ان تتسلقوا..
جدار الصمت
ويتحدث الكاتب الجزائري الطاهر جاعوت الذي يكتب باللغة الفرنسية الى مجلة «شؤون عربية» عام 1992 الصادرة باللغة الفرنسية قائلاً: «الأنواع الأدبية التي مارستها قريبة جدا من بعضها البعض وخاصة في هذه الايام حيث لدينا كتابات متفجرة، فرغم انني بدأت نشاطي الروائي عام 1981 فما زلت اكن للشعر وقارا كبيرا، والشعر بالنسبة لي هو الشكل الاكثر قبولا، والاكثر سعة حتى من الرواية نفسها التي لايمكنها ان تكون لها نفس مرونة ابيات القصائد.
ولهذا لم اعتبر نفسي روائيا واعتقد انني كاتب اكثر مني روائياً، واهم شيء في اي كتاب هو اننا نمارس فيه آلية الكتابة، والعمل على مستوى اللغة هو اساس التحول، فالحكايات لاتهمني كثيرا وانا لا اجيد قص الحكايات سوى تلك القصص الخرافية التي رويتها في «الباحثين عن العظام» كما يقول الطاهر جاعوت:
«أنا كاتب يدافع عن القيم الأخرى.. حيث ان لها معاني مختلفة في بلادنا وانا احاول ان اعبر عن مواقفي من الصحافة وليس هناك موقف نضالي في كتاباتي، او بالضبط ليس لدينا موقف نضالي قوي، وقد رفضت دوما ان اضع نفسي في اطر ايدولوجية، ومرجعي في ذلك هو عاطفتي الخاصة».
|
|
|
|
|