| مقـالات
ما أضعفنا نحن البشر حينما نكون محتاجين بشدة لشيء ما ولا نستطيع تحقيقه أو حتى نأخذ ولو جزءا بسيطا منه.
ما أضعفنا نحن البشر حينما يدخل الحب الى قلوبنا ويتمكن منا ونشعر أننا غير قادرين على التحكم في مشاعرنا الصادقة المتأججة بداخلنا من مشاعر متناقضة يصعب تفسيرها، ومشاعر قد تغضب من حولنا وتنفرهم منا دون أن يكون لنا يد فيها.
ما أضعفنا حينما نشعر أننا قد أصبحنا في عداد المنسيين في قلوب من نحب وأننا لم نعد بالنسبة لهم سوى ذكرى جميلة نتذكرها من حين لآخر في الوقت الذي هم فيه كل شيء بالنسبة لنا!
بل ما أضعفنا حينما نَعِدُ مَنْ نحب بشيء ما ولا نستطيع الوفاء به أو الاستمرار في المحافظة عليه طويلا، لأننا اكتشفنا في منتصف الطريق وربما في بدايته أننا ظلمنا أنفسنا وظلمناهم معنا وحرمنا أنفسنا من الاستمتاع بأبسط حقوقنا المشروعة التي تشعرنا بأننا شخص واحد وروح واحدة مهما تغيرت الأزمنة وتبدلت الأمكنة ومهما تباعدت بيننا المسافات وقست علينا الظروف.
بل ما أضعفنا أكثر أمام إلحاح الشعور بالعودة الى حيث تعودنا وألفنا، الى حيث ننتمي ونكون، الى حيث الاحساس الذي يشعرنا أننا من دون العودة لا شيء لأن العودة فيها نصفنا الآخر الذي يكمل سعادتنا ويحقق طموحنا ويريح نفوسنا بل فيها ما يرمز الى الوطن وترابه وعزته وشموخه.
ولا شك أن للسفر والغياب والتوقف أسبابه إلا أن تلك الأسباب في مرحلة من مراحل الغياب والبعد تتداعى تدريجيا أمام الشعور الشديد بالاشتياق لمن نحب وأمام العتاب المتواصل منهم لنا.
وبغض النظر عن الأسباب التي تدفعنا للعتاب أحيانا ووجاهتها والبعد عن أقرب الناس إلينا، إلا أننا نشعر بداخلنا من حين لآخر أننا ربما أذنبنا في حق أنفسنا قبل أن نذنب في حق غيرنا ممن تعودوا وجودنا معهم وقربنا منهم وارتبط مصيرهم بنا روحيا قبل كل شيء. وأصبح كل منا جزءا متمما للآخر لا ينفصل عنه خاصة حينما يجد الصدق نظيره وحينما تلتقي المشاعر بتوأمها والنفس بنفسها.
وهنا ماذا عساك أن تفعل؟ هل تقف مكتوف الأيدي لا حول لك ولا قوة بينما بيدك أن تفعل كل شيء؟ هل تقف موقف المتفرج من الأحداث وبيدك بإذن الله أن تريح القلوب المتعبة من حولك؟ هل تقول «لا تعليق» بينما كلمة حلوة منك ترسم الابتسامة على الشفاه العطشى؟
إنها في حقيقة الأمر احساس صادق بالآخرين وتعلق حقيقي بهم يجبرك على العودة إليهم. ثم لماذا لا تعود الى محبيك وهم أصحاب الفضل عليك بعد الله سبحانه وتعالى؟ هم من أحبوك لذاتك لا لغرض آخر؟ وهم من أفردوا لك مساحة كبيرة في قلوبهم فأصبح لك حظوة مميزة لديهم؟
ومثل هذا الإنسان الذي أحبك بصدق ألا يستحق منك أن تعود إليه بسرعة؟ أن تترك ما في يدك من مشاغل وأن تضعها جانبا من أجل أن تفاجئه بعودة حلوة تشعره بأهميته بالنسبة لك ومكانته لديك؟
ولو فكرنا أيضا لوجدنا أننا أين نذهب من حبنا؟ والى متي نستطيع ان نغيب عنه ونوجد الأعذار؟ الا يكفي أننا حينما نعود إليه فإننا نعود لأنفسنا؟ الى ورود غلانا وزهوره كي نجدد حبنا لها؟
إن هذه العودة الجميلة لمن نحب، هي أشبه برحلة طويلة تمر خلالها بمدن كثير وحقول وسهول خضراء وجبال مترامية كل منها ترحب بك بأسلوبها الخاص وترافقك من أجل الوصول للمحطة الأخيرة حيث ينتظرك فيها من هو مشتاق إليك ومتلهف عليك ومن يستحق حبك ويعرف قدرك ومن هو أهل لثقتك؟
ورغم أنك بمفردك طوال هذه الرحلة الطويلة إلا أنك لا تشعر بالمسافة ولا بالوقت ولا بالملل لأنك لست لوحدك بل إن هناك من هو معك طوال الرحلة
يؤنس وحدتك أو بالأحرى دليلك طوال الطريق كي تصل الى ما تريد أقصد إليه الى الود الذي تنشده والأمل الذي تبتغيه والسعادة التي تنشدها معه دون سواه. فماذا أكثر؟
ورغم أن الغياب المؤقت قد يكون مطلبا ضروريا لنا أحيانا لالتقاط الأنفاس ومحاسبة النفس والتأكد من معرفة حقيقة ما حولنا ورغم أن هذا التوقف أو الغياب الإرادي مهما في حياتنا الشخصية والعملية بهدف التجديد، إلا أنك تشعر أحيانا بالاحباط كونك لم تحقق فيه ذلك الشيء المهم الذي تطمح إليه أو تلك الأشياء الجميلة التي كنت تتمناها وتسعى إليها.
وقد يكون هذا الغياب فيه شيء من الراحة الجسدية نظرا لبعدك عن الأعمال والمشاغل المرهقة مثلا، إلا أنك تكتشف أن فيه نوعا من التعب النفسي الذي تفرضه حقيقة شخصيتك التي لا تريد التوقف عما تعودت عليه وألفته وأصبح جزءا منها.
ورغم أنك تحاول في قرارة نفسك أن تقول لنفسك :«نعم أنا ارتحت أنا حققت ما أريد.. الخ» إلا أنك تخدع نفسك! لأن ما في نفسك أكبر من ذلك بكثير والسبب ببساطة انك تريد أن تنسى أشياء معينة أكثر من كونك تريد تحقيق أشياء خاصة.
وهنا يظل التساؤل قائما وملحا وهو: ترى هل نحن نغيب لنعرف مقدار حبنا ومعزتنا ومكاننا ممن هم حولنا وممن تعودنا ان نصطبح بوجوههم وأسماعهم أم أننا نكابر أنفسنا؟ أم أن ليس لدينا القدرة الكافية على التواصل والعطاء؟
إن مثل هذه التساؤلات قد تنطبق على جميع أوجه الحياة المختلفة وبالذات في مجال العمل، ولكن المشكلة أنك أحيانا حتى هذا القرار بالتوقف عن العمل مثلا لا تستطيع ان تتخذه خاصة إذا كنت متأكدا أنه سوف يأخذك من أحب شيء الى نفسك.
ولكن في حالة حدوث الغياب والسفر والتأخر فالحل هو العودة ولا شيء غير العودة لأنها ليست النهاية بل البداية الحقيقية لرؤية الجمال على حقيقته وتجديد الحب. فقط قل «سأعود.. حتما سأعود، لابد أن أعود، وحينها سوف تشعر بجمال العودة لأن من ينتظرك كفيل بأن ينسيك هموم الغياب وأوجاع البعد وألم الفراق ومشاق السفر ويكفي أنه إنسان يستحق أن تعود من أجله.
انهم أعز الناس إلينا وأحبهم الى قلوبنا فهل نبخل عليهم بالعودة وهم اولى الناس بها، يكفي أنهم ضحوا من أجلنا بالكثير والكثير، أفلا يستحقون منا رد الجميل وهم الجميل نفسه؟
***همسة
مهما قلت لك..
ومهما فعلت معك..
أتراني أغيب عنك طويلا..
وقد تعودت عليك؟
وقد أدمنت وجودك في حياتي؟!
أتراني أنساك بسهولة..
كما لو كنت شخصاً عادياً؟!
شخصاً عابراً في حياتي؟! |
***
أبدا.. لا هذا ولا ذاك!
فحتماً.. لابد أن أعود إليك..
مُحمَّلاً بهدايا الشوق..
وعطور اللهفة..
وعبير الوّله..
وسهام الحب.. |
***
لابد أن أعود إليك..
إلى ورود الغلا..
لأقول لها:
كم أنتِ مؤثرة في غيابكِ..
كما أنتِ في حضوركِ..
وكم هو رائع التفكير فيك..
أثناء بُعدي وغيابي عنك..
لأنه يشعرني بالسعادة..
يحثني على الإسراع في العودة..
لإكمال سعادتي.. |
***
وحقيقة..
ودون مبالغة أو مجاملة..
لابد أن أعود إليك..
لأنه ليس لي غيرك بعد الله
أثق به وألجأ إليه..
أعتمد عليه وأرتاح إليه..
أتحدث معه وأبوح إليه.. |
***
ولِمَ لا أعود..
ومكاني الحقيقي هناك..
حيث تكون أنت..
حيث المكان الذي تسكنه..
وحيث القلب الذي أنشده..
وحيث السعادة التي أبحث عنها
والراحة التي أتوق إليها.. |
***
أرأيت مقدار تأثيرك علي؟
وحجم مكانتك لدي؟
فها أنت بنفسك..
تراني أمامك..
أعود إليك..
بأسرع مما توقعت..
بأقل مما وعدتك.. |
***
وها أنذا أفشل..
بالوفاء بوعدي مع نفسي
في أن أغيب عنك طويلا
في أن أظل عنك بعيداً
لأنني أيقنت تماماً..
أنني لا أستطيع البعد عنك..
أو العيش من دونك..
أو حتى مجرّد التفكير..
في عدم التواصل معك.. |
***
أعود إليك بشغف..
وبشوق أكثر من ذي قبل..
لأنك الماء العذب..
الذي أرتوي منه..
ولأنك الأمل الخالد..
الذي أعيش من أجله..
ولأنك الحياة الجميلة..
التي أبحث عنها
وحصتي الرائعة منها..
لأتذوق طعمها معك..
وبحلاوتها برفقتك.. |
***
قد يكون غيابي عنك طويلاً
كما شعرت..
وقد يكون انتظارك لي مملاً..
لما لمست..
ولكن..
ألا يكفي هذا الغياب جمالا..
أنه زادني شوقاً إليك؟
ولهفة صادقة عليك..
ألا يكفي
أنه زادني حبالك..
وتمسكا قويا بك؟ |
***
بل ألا يكفي
أنه عرفني الفرق..
بينك وبين غيرك؟
ولِمَ أنت دون غيرك..
يستحق أن أسافر إليه؟
وأن أعود من أجله..؟
فقط لأكون معه..
لأظل بالقرب منه
ولأشعره عملاً لا قولاً..
ان هذا أقل ما يقدم من أجله |
***
أرأيت كم جميلة هي العودة..
حينما تكون من أجل من نحب؟
وكم هي أجمل وأجمل..
حينما نصر من خلالها
على أن نستمر في الحب؟
وأن نضحي من أجل الحب
وليس أي حب؟
بل حب من يستحق الحب.
من يعرف قيمة الحب..
من يشاطرنا الحب.. |
|
|
|
|
|