| مقـالات
تغيّرت مسارات العالم المدنية والعسكرية، السياسية والاقتصادية، المادية والنفسية، بعد يوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2001م. تغيّرت المفاهيم وتغيّرت موازين القوى واصبحت «الحرب على الإرهاب» قاب قوسين أو أدنى وهي حرب على «مجهول» يراد التنقيب عنه والتعرف عليه.
هذه الحرب مختلفة تماماً عما سبقها من حروب، فهي ليست موجهة ضد مؤسسة عسكرية أو مدنية محددة، وليست موجهة ضد أشخاص بأعينهم، كانت الحرب العالمية الأولى ضد ألمانيا وتركيا، وكانت الحرب العالمية الثانية ضد دول المحور الثلاث: ألمانيا وإيطاليا واليابان، وكانت حرب أمريكا وبنما ضد شخص نورييقا، وكانت حرب الخليج الثانية ضد جيش صدام حسين المحتل للكويت.. وهكذا فالحروب تثور وتُشنّ على مؤسسات أو دول أو أشخاص معروفين.. لأسباب معروفة وأخطار ملموسة، أما حرب الرئيس بوش الابن المسماة «العدالة المطلقة» وكذلك «النسر النبيل» فهي حرب على «ثقافة»، تستهدف مجهولين.. أسماء وأمكنة.
الحرب المعلنة ومرة أخرى أكتب «المعلنة» تستهدف «الإرهاب». وهذا لا غبار عليه لأن الإرهاب ليس من صالح الدول والشعوب .. فهو نتيجة لثقافة أحادية، وعقلية متعصبة، وأجواء منغلقة، والإسلام بريء منه باعتباره ديناً إلهياً منزلاً من رب العالمين، والمسلمون بريئون منه باعتبارهم الأمة الوسط الشاهدة على الناس.
الإرهاب لا يصب في «مصلحة» الأمة المسلمة التي تمتد رقعة دينها عبر القرون عن طريق العقيدة الناصعة والشريعة السمحة، والقدوة الحسنة وانتشر في الكثير من مناطق العالم بدون جيوش ومن ذلك العالم الغربي في العصر الراهن. إن من واجب المسلمين أن يقولوا بصوت عال «لا للتطرف»، و«لا للإرهاب»، فالشر لا يأتي بخير، وأسامة بن لادن وأمثاله ليسوا «ممثلين» للأمة الإسلامية، وليسوا «ناطقين» باسمها، وليسوا «مؤهلين» للتصدي لمشروع الأمة الحضاري المنشود.
إن أسامة بن لادن ومن ينحو نحوه فئة يائسة قادرة على الهدم؟؟ فهي كمدافع عملاقة تستطيع القصف ولا تستطيع البناء، وكان من سوء حظ الصحوة الإسلامية أن في قياداتها أفراداً يحبون أنفسهم كثيراً، فاستغلوا عواطف الشباب المخلصة من أجل إقامة ممالكهم الوهمية وإرضاء نزواتهم الانتقامية باسم الدين والصحوة والدعوة والجهاد. وهذا لا يعني بحال «إدانة» جميع أعمال الصحوة ولا الدعوة، ولا «تعميم» الحكم على التجمعات والقيادات الإسلامية المنتشرة في العالم، فبالعكس إن تلك القيادات المشار إليها «قلة» ومعروفة، لكن الإعلام المناوىء يركِّز عليها، وأظهرها حالياً لمآرب في نفسه.
كان المفترض على المخُتصين والمخلصين أن يُقوّموا الأعمال الجهادية التي ترفع شعار الإسلام «ففرزوا» الصالح من الطالح بكلِّ جرأة، وكان على الجهات التربوية والمؤسسات الدينية أن توضّح للعالم الأحكام الشرعية فيما يمت للإسلام بصلة.. لتصون بذلك عرض الإسلام ولتحفظ ماء وجوه المسلمين.
الإسلام ليس دين إرهاب، والمسلمون عبرالتاريخ كانوا أمة الرحمة وأمة العطاء، بل إن أحكام الإسلام تنص على عدم التعرض للمنشآت المدنية والدينية وعدم التعرض للأطفال والنساء والعجزة والمزارع والمتاجر أثناء الجهاد والحرب، فكيف والمسلمون لم يعلنوا الجهاد ولم يدخلوا حرباً مع الأمريكان أو غيرهم.
المسلمون عبر العصور بعيدون عن الإرهاب، والحروب التي خاضوها مع أعدائهم كانت من أجل نشر دين الله وخسائرها قليلة عندما تقاس بخسائر الحروب الأخرى مثل فيتنام والحرب العالمية الأولى والثانية.
وهذا يعني أن الإسلام ألزم أتباعه بواجبات تجاه من يحاربهم، وألزمهم بأخلاق يجب أن يتحلوا بها عند الدخول في حرب وهم لا يقتلون من أجل القتل.
كل ذلك يدل على أن المسلمين ليسوا «إرهابيين» والواقع الذي عليه المسلمون يدل على العكس تماماً ، فالإرهاب يُمارس ضدهم في العصر الحديث.
الإرهاب «ثقافة» والمسلمون لم يتبنوا ثقافة الإرهاب ولا يملكوا وسائله، هذا لا يعني أن المسلمين «ملائكة» وأنهم بريئون من بعض المشاكل. لقد كان اختطاف الرهائن الأمريكان في إيران عند احتلال السفارة الأمريكية عام 1981م إرهاباً، وكان احتلال الحرم المكي عام 1980م من قبل مسلمين متطرفين إرهاباً، وكان تفجير مركز التجارة العالمي بنيويورك عام 1992م من قبل رمزي يوسف وإخوانه إرهاباً، وكان تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك ووزارة الدفاع الأمريكي في 11 سبتمبر الحالي إرهاباً إن ثبت أنه من قبل المسلمين نعم تلك وأمثالها أعمال إرهابية قبيحة ومدانة ولن تخدم الإسلام والعرب والمسلمين، بل ستعيقهم وتكبلهم وتؤخرهم عقوداً قادمة.
المقصود: المسلمون ليسوا ملائكة ولكن المؤسسات الثقافية الصهيونية كانت تستهدف العرب والمسلمين والمساجد عامة.
مرة أخرى «إننا لسنا ملائكة» ويمكن أن يوجد منا وفينا متطرفون وإرهابيون، والذين خطرهم سيكون علينا قبل غيرنا، ولكن لسنا «متطرفين» ولا «إرهابيين»، والذي يطلع على تاريخ الشعوب يجد أن مصدر العنف ليس الإسلام ولا المسلمين.
ومنذ بداية النهضة ونحن نتطلع إلى أجواء نقيّة لنستطيع أن نفكر في حالنا، ولكن لم نستطع أن نحصل على ما نريد. في عام 1918م انشغلنا بوعد بلفور، وفي عام 1948م انشغلنا بإنشاء دولة إسرائيل، وفي عام 1956م كان هناك العدوان الثلاثي على مصر، وفي عام 1967م كان هناك حرب الأيام الستة والعدوان الإسرائيلي على الأردن وسوريا ومصر، وفي عام 1969م هجم الاتحاد السوفيتي على أفغانستان، ثم في عام 1980 اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، ثم في عام 1990 دارت رحى حرب الخليج الثانية، وها نحن في بداية القرن الواحد والعشرين نواجه خطر الحرب «الثقافية» التي تشن على «الإرهاب».
يا تُرى ماذا على العرب والمسلمين أن يفعلوا؟ إنّ عليهم أن يواجهوا الحقائق.. ولو كانت مرّة، وأن يبذلوا الجهد علّهم يحوّلوا المصائب إلى فرص للنهضة، ويصنعوا من الحرب عهداً جديداً.. تصفو فيه أرواحهم، وتصحو فيه عقولهم، وتنهض فيه شعوبهم، واليابان فعلت ذلك من قبل، فربما صحت الأجسام بالعلل.
|
|
|
|
|