| العالم اليوم
إذا كانت الأحداث الجسام والأزمات الدولية المعقدة تظهر حكمة وبُعد نظر القيادات، فإنها في الوقت نفسه تكشف القصور عن آليات التعامل العربي وعدم القدرة على توظيف ما نمتلكه من أوراق وقوة إذا ما وظفت التوظيف الصحيح الذي يساعد تلك القيادات على تحقيق آمال وأهداف الأمتين العربية والإسلامية.
والمناسبة الداعية لما سبق قوله، هي ما كشفت عنه أحداث الأيام الأخيرة التي ستشكل منعطفاً تاريخياً في تاريخ وجغرافية ومستقبل المنطقة، وما كشفته الأحداث أظهر قدرة استقراء المستقبل لدى القيادة السعودية.
ومناسبة القول هنا أيضاً، لا تأتي تزلفاً أو مجاملة لقيادة بلدي، بقدر ما أن الواجب والدور الذي يجب أن يقوم به الكاتب والمراقب السياسي هو التنبيه لما بادر به الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في إجرائه الاتصال الهاتفي الأول بالرئيس الأمريكي جورج بوش حينما تعرض المواطنون العرب الأمريكيون والمقيمون من العرب والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية لهجمات عنصرية على خلفية الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن ومبادرة قيادة المملكة بسرعة توجه الأمير سعود الفيصل إلى واشنطن للالتقاء بالرئيس بوش وأركان إدارته لتأكيد موقف المملكة مما حصل في أمريكا وحثها على القيام بواجبها تجاه مواطنيها من العرب الأمريكيين وحمايتهم من العنصريين والاستغلال الصهيوني للهجمات الأخيرة سواء في داخل الولايات المتحدة أو في فلسطين المحتلة التي استغل قادة الكيان الصهيوني فيها الأحداث لتنفيذ عدة مجازر راح ضحيتها عدد من الشهداء الفلسطينيين.. ثم تأتي المحادثة الهاتفية الثانية للأمير عبدالله بن عبدالعزيز مع الرئيس الأمريكي جورج بوش والتي أسهب سموه فيها بالحديث عن مسؤولية راعية السلام الأولى في فلسطين وعدم ترك الأوضاع المتدهورة أصلاً في فلسطين المحتلة تتدهور بصورة أكثر واستغلالها من قبل مناهضي السلام لتحقيق أهدافهم الشريرة بتوسيع دائرة الكراهية والحرب. وكما في المبادرة الهاتفية الأولى جاء التجاوب الأمريكي واضحاً وعاجلاً بالتأكيد على الالتزام بتحقيق السلام في المنطقة وان النزاع الفلسطيني/ الإسرائيلي يشغل حيزاً كبيراً من اهتمام الإدارة الأمريكية، وان واشنطن قد بدأت تحركاً جاداً نحو عملية السلام من خلال السعي لدفع العملية بشكل يحقق لجميع الأطراف العدل، مع تأكيد الرئيس بوش مرة أخرى على أن الإدارة الأمريكية تنظر إلى الأمتين العربية والإسلامية من خلال عقيدتها التي تدعو إلى السلام وتنبذ العنف.
هذا التحرك السعودي الذي ينبع من الرؤية الحكيمة والاستقراء الصحيح للمستقبل كان الأجدر أن يُعطى المساحة الإعلامية التي يستحقها، إلا أن إعلامنا العربي بل وحتى الإعلام السعودي مشغول بالبحث عن الإثارة في تغطية ما بعد الهجمات التي تعرضت لها نيويورك وواشنطن، وبدلاً من إعطاء التحرك السعودي ما يستحقه لما سيحققه للعرب والمسلمين والفلسطينيين بصورة خاصة، نرى الصفحات تفرد لقاءات لأسر المشبوهين وتنشر معلومات تؤكد التهم الظالمة على أشخاص لم يثبت بعد في ظل تراجع جهات التحقيق الأمريكية عن اتهاماتها السابقة والاقرار بتسرعها في نشر أسماء مشتبهين وظلت بعض صحفنا تلهث في الجري خلف أسرهم بلا أي اعتبار لأوضاعهم النفسية والعائلية.
jaser@al-jazirah.com
|
|
|
|
|