| مقـالات
هذا البناء الشامخ لمؤسسات الوطن له قاعدة انطلق منها؛ تلك القاعدة هي توحيد أجزاء البلاد تحت مسمى المملكة العربية السعودية، فمنذ تم توحيد البلاد من جنوبها إلى شمالها ومن غربها إلى شرقها والمؤسسات في بناء متواصل، حتى رأيناها في يومنا هذا وكأنها ولدت مكتملة.
لقد بدأ المؤسس اللبنة الأولى في بناء الوطن بفتح الرياض، ثم واصل جهاده في حرب متتابعة، استمرت اثنتين وثلاثين سنة، وكان العزم والتصميم هما سلاح القائد ورجاله، فموارد البلاد محدودة، فالنفط لم يكن قد خرج من باطن الأرض، ومع ذلك سارت الجيوش عبر الصحارى المترامية الأطراف، فضمت النائي، وألَّفت القلوب، وأقنعت المناوىء، ورجعت رابحة منتصرة في كل غزوة، لأن هدفها إيصال هذه البلاد إلى ما يتمناه لها القائد من العزة والمنعة والرفعة، وقد كان له ما أراد. إن بناء القاعدة لم يتم في يوم وليلة، وإنما تم عبر سنين طويلة، لقد كان الأمن شبه مفقود في زمن الخطوات الأولى، وعندما اكتمل بناء القاعدة أصبح الأمن يسود هذه البلاد، حتى إن المسافر من مكة إلى الرياض لا يخشى إلا الله في رحلته، إن الأمن مطلب سكان المدن والقرى والبادية، فقد عانوا كثيرا بسبب فقدانه، فالماشية تفقد في المراعي، والسفر من قرية الى أخرى لا يتم إلا ضمن مجموعة كبيرة، والحجاج لا يأمنون مباغتة قطَّاع الطريق، فهم في خوف على أنفسهم وعلى أمتعتهم في حال تنقلهم بين المشاعر أو الانتقال من جدة إلى مكة، أو في حال سفرهم إلى بلادهم عبر الصحراء. وقد وفَّر لهم الملك عبدالعزيز الأمن فنعموا به في أسفارهم وفي إقامتهم.
لقد تم في اليوم الوطني ائتلاف القلوب، ونبذ الفرقة واطمئنان الناس على أنفسهم وأموالهم في جميع أرجاء المملكة العربية السعودية. وبعد بناء القاعدة التي شيّدت على الاجتماع والأمن التفتت القيادة إلى بناء مؤسسات الدولة، وكان أول ما التفت إليه المؤسس توطين البادية في القرى، فأنشئت الهجر، وفضَّل البدو حياة التحضُّر على حياة الصحراء، لأن الاستقرار يتيح لأبناء البادية التعلُّم وتنويع مصادر الرزق، ونحن اليوم نرى بادية الأمس تشارك أهل المدينة في حياة التحضُّر والاستقرار، وقد تم استخراج النفط وبيعه، فساعد ذلك على التوسع في بناء مؤسسات الدولة، وتوفير فرص العمل لفئات كثيرة من الشباب، وقد استخدم عائد النفط في بناء السكة الحديد، التي أتاحت للقطار أن ينقل الركاب والبضائع من المنطقة الشرقية إلى الرياض، فكان القطار فتحا جديدا في عالم النقل والمواصلات، لأن الطرق البرية في ذلك الزمن لم تكن معبدة، فالشاحنات هي وسيلة نقل البضائع، ولكن رمال الدهناء تترصد لها فتصطاد عجلاتها لتبقى في هذه الرمال اليوم واليومين، فتستغرق الرحلة من الظهران إلى الرياض عدة أيام، وبتوفر عائدات النفط تتابع بناء مؤسسات الدولة، فأنشئت مديرية للمعارف، ثم وزارة وفتحت المدارس في القرى لتعليم الطلاب، ثم فتحت مدارس البنات، وتبع ذلك فتح الجامعات وكليات البنات، وصحب التوسع في التعليم بناء المؤسسات الصحية من مستوصفات ومستشفيات، فحوصرت الأمراض مثل الجدري والحصبا والملاريا والبلهارسيا وغيرها من الأمراض، ثم اتجهت الدولة إلى تعبيد الطرق وتيسير المواصلات، ففتحت العقبات في جبال السراة، وأتاحت التنقل ما بين السراة وتهامة بوسائل النقل المختلفة، وقد شجعت الدولة الزراعة، ولكن شح المياه في المملكة العربية السعودية وقف أمام التوسع في الزراعة، ورعت الدولة المدينة والقرية، فأنشأت وزارة للبلديات، نظمت المدن والقرى، فبدت بلادنا في مظهر حضاري معجب، فالقرية تقترب من المدينة في مظهرها العام، وقد نمت التجارة، وسويت الخلافات مع الدول المجاورة، ووضع نظام ثابت للحكم، ونظام للمقاطعات، ونظم مجلس الشورى من جديد فتحمل مسؤوليات جسيمة، ووسع الحرمان الشريفان في مكة والمدينة مما سهَّل على المسلمين أداء مناسكهم في مكة وأداء زيارتهم في المدينة.
هذا البناء لمؤسسات الوطن، انطلق من يوم توحيد المملكة العربية السعودية.
|
|
|
|
|