| الثقافية
هذه القراءة لا تُعنى بالبناء السردي للنص وإنما أحاول من خلالها فك شفرات النص عن طريق تتبع الدلالات المبثوثة بداخله.
يقول فوليتر:«إن أحسن الكتب هي التي يكتب قارئها نصفها».
ويقول الدكتور محسن الموسوي:
«في النصوص العربية الحديثة كان السارد يعلن دون مواربة ان لديه هدفا من وراء هذه الكتابة وانه يريد ان يقول إن الوضع القائم غير طبيعي وهذه المسلمة تنطبق على نص الصقعبي المعنون بعبث».
يتصدر النص مونولوج يخاطب فيه البطل ذاته المنشطرة بين واقعين: الواقع الذي يعيشه البطل وهو واقع الاستلاب الذي يحرمه من ان يكون ما يريد. والواقع المتخيل الذي يتيح له ان يكون مملوءا بالصخب والعنفوان أي ذاتاً غير مستلبة وهذا يجعلنا نقول إن البطل أسير واقع مأزوم يمكن تسميته بواقع الأزمة التي يستفز فيه عمل المخيلة لممارسة الهروب من الواقع الى المتخيل للتعبير عن مكنون نفسه.
فالبطل في النص يعمل ناسخا ونسخ الشيء هو اعادة كتابة كلام آخر أي ان البطل لا ينتج خطابا ذاتيا خاصا به هو وإنما ينتج خطابا مستلبا أملي عليه من قبل السلطة (المدير تحديداً) والمدير كما وصفه البطل (من فصيلة الكبار، من فصيلة نادرة، لا يبتسم، لا يصافح) أي أنه صاحب ذات متضخمة تصادر الآخر وتشعره دائما بالتقزم، ورد في النص (أنتم معي.. أغلب المديرين يحبون أن تتضخم الأشياء حولهم فالمكتب ضخم والمقاعد كذلك ليبدو المراجع أمامهم قزما هل لاحظتم ذلك وأنا مرؤوس لاحظتم مدى تقزمي) هذا المسؤول دكتاتور هل لاحظتم ؟!.
إزاء واقع الأزمة هذا كان البطل يشعر بالرفض وفي النص (ثقلت يداي وهما تضغطان على لوحة المفاتيح) لكنه الرفض السلبي الذي لا يغير شيئا فكان الهروب من الواقع الى المتخيل ( الحلم) الذي يعطي مساحة للحرية تجعل البطل يمارس التغيير ويعيد تشكيل الأشياء كما يريد هو لا كما يريد الآخر يقول البطل «لقد تحول رئيسي الى كتلة من الخشب وكما نعرف فالخشب انما يمثل حالة اليباس والسكونية والجمود التي وصل اليها المدير المتسلط دائما وهو أحد رموز واقع الأزمة.
ويضيف البطل «أمسكت بكتلة المدير الخشبية فوجئت بتلك الليونة لذلك الخشب» وهذا يمنح البطل فرصة لاعادة تشكيل الأشياء وصياغتها من جديد أي تغيير الواقع المثبط للابداع الى واقع يمنح البطل حرية التعبير عن نفسه وذلك بانتاج خطابه الذاتي وليس خطاب الآخر (الخطاب المستلب) لكن الحلم لا يلبث ان يتلاشى فيعود البطل الى واقعه المأزوم مرة أخرى ويمارس نفس العمل السابق وهو انتاج الخطاب المستلب نفسه أيضا (فوجئت بأن الجهاز عاد الى سابق عهده.. عدت الى مشروع الخطاب».
لكن البطل لديه قناعة راسخة بأن الواقع سيتغير حتما لأن التغيير حتمية تاريخية لذلك يقول موجها الخطاب الى مجموعة «ربما تكون المجتمع» ان تلك الغفوة كانت حلما سيجيء يوما ما.
وفي النص قال:«إنه ربما قرب فترة التقاعد» والتقاعد يدل على النهاية نهاية هذا الواقع المؤلم الذي حوصر فيه أصحاب الوظائف الرسمية (المستلبون) ان جاز التعبير.
ثم يقول البطل (وعموما عندما يتحقق ذلك سأكون حرا) أي عند زوال واقع الأزمة.
ثم ينتهي النص بالعودة الى حالة الاستلاب التي يعيشها البطل، يفاجأ ان الساعة تشير الى الواحدة إلا دقيقة أي أن الزمن لم يتقدم ليحدث التغيير المطلوب.
ملاحظة: هناك جملة تكررت سبع مرات «وهي الساعة الواحدة» وفي ذلك دليل على قرب نهاية المدير المتسلط أي الانعتاق من الواقع المأزوم.
|
|
|
|
|