رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 25th September,2001 العدد:10589الطبعةالاولـي الثلاثاء 8 ,رجب 1422

مقـالات

أفعال الحمقى .. إلى متى؟!
د. عبد الله بن سالم الزهراني
كل مرض تقريبا له دواء الا الحماقة فانه لا دواء لها. لقد جرنا نظام العراق الأحمق الى حربين لم تتركا الا الخراب والدمار على العراق وشعب العراق بل تأثر العالمان الاسلامي والعربي بهذه الحماقة. ولا تزال تبعات هاتين الحربين حتى الآن وستستمر لعقود من الزمن. وهذا بسبب استمرار حماقة وصفاقة هذا النظام. ثم جرنا الحمقى من قادة أفغانستان قبل أكثر من عقدين من الزمن في جلب الروس الى أراضي أفغانستان واضطهاد الشعب الأفغاني. لبى العرب والمسلمون نداء الشعب وطردوا الروس الا ان اخوة الاسلام والسلاح في ذلك البلد حاول كل منهم أخذ الغنيمة كاملة والغنيمة هنا هي أفغانستان عن طريق حكم دكتاتوري لفئة دون أخرى. ورغم جهود المملكة العربية السعودية في الاصلاح بين الأطراف المتنازعة الا ان انعدام الوعي السياسي للمخاطر وعدم الاكتراث بعامة الشعب الافغاني جعل بعض الأطراف الأفغانية تستمر في حماقتها. ان المؤسف هو ان دور المسلمين كأمة لم يظهر في أفغانستان بعد خروج الروس وبروز الحرب الأهلية. لم يقاتلوا الفئة التي بغت من الأطراف الأفغانية حتى تفيء الى أمر الله. كما ان من سموا بالأفغان العرب أو لنقل بعضهم لم يرق له ترك السلاح حتى بعد ان عاد الى بلده الأصل بعد ان غسل دماغه وشوه الاسلام في ذهنه الى درجة الاعتقاد بأن لا مسلم حقيقياً الا هو ومن على شاكلته. عاد الى أهله وتنكر لهم وعندما لم يجد مكاناً نظراً لشذوذه عاد الى المشاركة في القتل في أفغانستان.
ان حكومة طالبان اليوم تجر العالمين العربي والاسلامي الى موقف خطير للغاية بسبب تشنجها وانغلاقها وفهم الاسلام بطريقة بعيدة عن التسامح والعدل والانفتاح على العالم الآخر في اطار لا يسمح بالمساس بالاسلام. تسمح بمن يقيم على أرضها من المنظمات المتطرفة بالتصريح والتهديد والوعيد ضد المسلمين وغير المسلمين وكل ذلك باسم الاسلام وكأن هذه الجماعات مخولة بالحديث باسم الاسلام. ان هذه الجماعات للأسف لا تفهم الا قشور الاسلام ولم تع مبادئه الصحيحة.
منذ ان بزغ فجر الاسلام وهو يدعو ويناضل اتباعه من أجل قيم ومبادىء سامية كما ان مبادئه الأساسية تدعو الى العدل والمساواة ورفع الظلم ونشر الأمن والسلام بين الشعوب. قيم ومبادىء رسخت ونعمت بها أعداد كبيرة من البشر لقناعتهم بها ولذلك حرصوا على استمرارها. شهدت الشعوب التي انضمت تحت لواء الاسلام عن قناعة ورغبة بعدل الاسلام وقيمه. بل ان من يعتبرون معادين للاسلام شهدوا بذلك كما ان المنصفين من المستشرقين لم يستطيعوا تجاوز الحضارة الاسلامية أو اغفال دورها في حياة الشعوب والأمم. ان التراث الفكري والعلمي والمعماري والزراعي من المرجعيات الأساسية في الحضارات المختلفة وبخاصة العربية منها. التقاء الحضارات والتحاور الحضاري أمر قديم ومتسلسل مع تواجد الحضارات المختلفة رغم التصادم الذي ظهر خلال تواريخ الحضارات المختلفة. الاسلام كان حضاريا منذ بداياته بل انه كان منفتحا على الحضارات المواكبة له ولبداياته كالحضارة الفارسية والحضارة الرومانية. لم يرفض التلاقي الفكري في جوانب فكرية مختلفة مع تلك الحضارات ولم يكن في أي يوم منغلقاً البتة حيث ترجم مئات الكتب ونقحها وزاد عليها في الطب والهندسة والنبات والكيمياء والأحياء والجبر والفلك وغيرها من العلوم. لم يكتف بفكر الحضارتين المعاصرتين له في بداياته بل انه نبش في الفكر الاغريقي وترجم منه الكثير وعدل كثيراً من الأفكار المغلوطة وصححها. لاشك ان مثل ذلك الاحتكاك والاستفادة من الحضارات المختلفة كان مدعاة للنبوغ والابتكار لدى العلماء العرب والمسلمين في شتى المجالات العلمية. المسلمون والعرب لم يكتفوا بالترجمة والتصويب والتعديل في موروث الحضارات بل انهم ألفوا واخترعوا وظلت كتب العديدين من علماء المسلمين والعرب مراجع رئيسة في الجامعات الأوروبية لفترة طويلة من الزمن. لاشك ان المسلمين تعرضوا لنكوص وتقهقر وتراجع لأسباب ذاتية وانقسامات اعتورت الخلافة الاسلامية لكنهم لم يخرجوا عن تعاليم الاسلام فيما يتعلق بالمحافظة على أمن الأبرياء لم يذكر لنا التاريخ الاسلامي أو غيره ظهور تطرف أو تعنصر ضد أي من الشعوب بل أظهر لنا التاريخ كم هو الاسلام متسامح حتى مع ألد أعدائه وخصومه وخاصة عند المقدرة. وما موقف الاسلام والمسلمين في الأندلس الا واحد من الشواهد الكثيرة على تسامح الاسلام. ان كثيرا من اليهود عاشوا في البلاد العربية ولا يزالون وحفظت لهم حقوقهم وحرياتهم.
ما الذي تغير حتى يصبح الاسلام في موقع الشك والتشكيك في تسامحه وشموليته للقيم والعدالة؟ ماهو دور المسلمين في جعل بعض غير المسلمين يأخذون موقفاً معادياً للمسلمين والإسلام؟ ماهو الدور الذي يلعبه المسلمون في داخل المجتمعات الأخرى؟ هل المسلمون الذين يعيشون في الخارج يشكلون نموذجا وأمثلة للقيم والتعامل والتسامح الذي حث عليها الاسلام؟ هل الدول الاسلامية والعربية بذلت جهودا داخلية وخارجية لابراز صورة الاسلام الحقيقية في جوانب العدل والتسامح؟ هل المطلوب فقط من الدول الأوروبية والولايات المتحدة تغيير سياستها الخارجية تجاه قضايا المسلمين؟ أليس مطلوبا أيضا من الدول الاسلامية والعربية ان تغير من سياساتها الداخلية والخارجية؟ هناك العديد والعديد من الأسئلة التي يمكن اثارتها حول هذا الموضوع ويحتاج كل منها لافراده لوحده للاجابة عليه.
لم يكن الهجوم الارهابي على مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع بالولايات المتحدة الأمريكية مفجراً لما دمره من مبان وأزهق من أرواح بريئة ولكنه كان مفجراً للكراهية ضد العرب والمسلمين. ولم تكن هذه الكراهية من قبل الشعوب فقط بل من الساسة والقادة وبالذات في بداية الأزمة وفي يوم التفجير مباشرة قد لا يلام المسؤولون والشعوب وذلك لهول الكارثة والخسارة الفادحة في الأنفس والأموال ولكنهم قد يلاموا لأنهم لم يستوعبوا الدرس من تفجير أوكلاهوما حيث أثاروا الكراهية ضد العرب والمسلمين وتبين ان التفجير نفذه واحد من أبناء الولايات المتحدة لا يبت للاسلام والمسلمين بصلة. ولاشك ان اليهود من خلال وسائل الاعلام التي يسيطرون عليها أذكوا نار الحقد والكراهية في نفوس السكان الأمريكيين. انه ومع مرور الوقت بدأنا نلاحظ تغيير النغمة تجاه المسلمين والعرب مسلمين وغيرهم وربما القناعة بعدم الربط بين الارهاب والاسلام والمسلمين وربما ذلك لاغراض في نفس امريكا.
ان غير المسلمين وبالذات الواعين والمثقفين والساسة الذين لابد ان يكون لهم المام بمبادىء الاسلام الرئيسية بغض النظر عن التفاصيل يدركون تمام الادراك بُعْدَ الدين الاسلامي كل البعد عن الارهاب وعن العنف ويدركون ان هناك جماعات متطرفة في كل الأديان والعبادات والمعتقدات لديهم ميول ارهابية. والاسلام واحد من هذه الديانات التي تخرج منها وتشذ بعض الجماعات. لكن مثل هذه الجماعات لا تمثل الاسلام ولا المسلمين. ان مثل هذه الجماعات لا تختلف عن عصابات المافيا او المخدرات في أي مجتمع فهل نقول ان هذه الدولة أو تلك التي يوجد بها مثل تلك العصابات بكل سكانها هي عصابة مافيا او مخدرات ان الحكم الشمولي أو التمثيلي هو حكم مرفوض على أي ظاهرة من الظواهر.
كان من المفترض ان تحرص الدول الاسلامية على نشر تعاليم الدين الصحيحة التي تحث على العدل وعلى التسامح وان تحرص الدول الاسلامية حسب امكاناتها على انشاء المؤسسات الاسلامية التي تدعم تلك المبادىء.
لقد حرصت المملكة العربية الاسلامية على تدعيم هذا التوجه واظهار سماحة الاسلام وعدالته من خلال انشاء المساجد والتوسع فيها في الداخل والخارج، المراكز الاسلامية المنتشرة في العالم والتي استطاعت المملكة من خلال تعاملها وعلاقاتها المتميزة مع الدول المختلفة في اقناعها بتخصيص أراض لبناء هذه المساجد والدعوة الى الاسلام بالحكمة والموعظة الحسنة والاقناع. الخدمات التي تقدمها المملكة العربية السعودية للحجيج والتوسعات العظيمة للحرمين الشريفين والبنى التحتية الهائلة في كل من مكة والمدينة والتعامل السامي من قبل الحكومة والشعب السعودي مع الحجيج ماهو الا مثال يقتدى به لخدمة الاسلام. نشر مدارس تحفيظ القرآن ومركز خادم الحرمين الشريفين لطباعة المصحف الشريف جانب هام من جوانب خدمة دستور الأمة الذي وعد الله بحفظه.
لقد حرصت المملكة على ان تكون المساجد والمراكز الاسلامية مكانا للتفقه والتدارس في الدين الاسلامي واداء الشعائر الدينية في امن وأمان. ان المملكة تدرك انه لا وجود للأمة الاسلامية بدون اسلام ولا هوية لها بين الأمم بدون اسلام، ولكن الاسلام البعيد عن التشنجات والتطرف. ولذلك حرصت المملكة على اختيار المشرفين والقائمين على المساجد والمراكز الاسلامية في ان يكونوا ممن يعوا المفهوم الشامل للاسلام في تسامحه وعدالته وبعده عن التطرف. حرصت بالنأي بالاسلام عن التشويه، ولم تسمح يوما بأن تكون المساجد أو المراكز الاسلامية أو مدارس تحفيظ القرآن مكانا لغسل الأدمغة بمفاهيم متشنجة ومتطرفة أو مكانا لتفريخ المتطرفين وكان نتاج ذلك كله السعي الى اغاثة الملهوفين والمنكوبين والمحتاجين داخل المملكة وخارجها. ولم تتردد يوما واحدا في ابعاد أي شخص ينحرف عن المفهوم الصحيح للاسلام في الاشراف على أي مؤسسة دينية ولم تسمح يوما بأن تكون المشاعر المقدسة مكانا لاثارة النعرات واظهار الشعارات السياسية أو الخطب المسيئة. لم تسمح في أي يوم بأن يثير أحد العداء باسم الاسلام ضد شعوب وأمم أخرى ولكنها في نفس الوقت حرصت كل الحرص على الوقف بكل امكاناتها السياسية والاقتصادية ضد من يعادي المسلمين والعرب من خلال القدح في الاسلام كمعتقد يدين به ثلث العالم.
ان الهجوم على الحرم المكي واثارة الفوضى والذعر في المشاعر المقدسة بين الحجيج والتفجيرات التي حصلت أثناء أحد مواسم الحج وتفجيرات الرياض والخبر ماهي الا نوع من الارهاب من جماعات متطرفة ارهابية لقد كان موقف المملكة دائما حازما مع كل هذه المواقف الارهابية ولم تكتف بالشجب والاستنكار ولكن بقطع دابر مرتكبيها.
وهكذا موقف المملكة تجاه الارهاب أي كان مكانه ظل ثابتا لم يتغير. لكن المملكة وكافة المسلمين لا يخلطون ولا يجب ان يخلطوا بين الارهاب وبين دفاع الشعوب عن حقوقها ضد المحتلين كما هو حاصل في فلسطين المحتلة.
ان كثيرا من دول العالمين العربي والاسلامي مدعوة الى اعادة النظر في سياساتها الداخلية قبل الخارجية. ان الانفتاح السياسي والاجتماعي مطلوب لدى كثير من الدول الاسلامية والعربية. إن محاولة توسيع القواعد الديمقراطية من خلال البرلمانات ومجالس الشورى هي ضمن سلسلة من الإجراءات التي قد تقطع وتنهي حجج بعض الجماعات المتطرقة.
كما أن بعض الدول الإسلامية بحاجة الى معالجة مؤسساتها الأمنية وتوحيد الجهود في جهة أمنية داخلية موحدة وعدم تداخل التخصصات التي تتيح للبعض منها توجيه الاتهام والمداهمة بل وتلفيق التهم دون وجه حق لبعض الأبرياء.
كما ان على العالم الغربي والولايات المتحدة ان تعيد النظر في سياستها الخارجية تجاه قضايا العرب والمسلمين وان تجد حلا لهذا الصراع العربي الاسلامي مع اليهود لأن للمسلمين بيتاً عتيقاً في تلك الارض لا يمكن ان يتخلوا عنه وشعباً مرتبطاً بالعرب والمسلمين يحتاج الى عونهم لينال حريته وازالة الظلم عنه حتى لا يجد المتطرفون ذريعة للارهاب.
ان العرب والمسلمين احوج ما يكونون اليوم للحكمة لمعالجة هذا الموقف وتوحيد الكلمة ضد الارهاب والتعاون مع الولايات المتحدة فيما هو معقول وممكن وفيه ضمان لاستقلال تلك الدول وحريات شعوبها وحرية معتقدها شأنها في ذلك شأن شعوب العالم الغربي.
لقد حددت أوروبا موقفها من مفهوم الارهاب كما حددت موقفها من الحد الذي يمكن ان تتعاون فيه مع الولايات المتحدة وتركت ذلك مرهونا بتحديد أهداف الولايات المتحدة ان من حق العرب والمسلمين كجزء من العالم يشكلون ثلث سكانه ان يحددوا أيضا مع الولايات المتحدة نوعية التعاون وان يعرفوا الاهداف قبل المغامرة خاصة وان الولايات المتحدة لديها خطة كما تقول طويلة الامد ليس هناك ما يمنع من التعاون على القضاء على الارهاب ولكن لابد ان يؤطر ذلك التعاون تحت مظلة الامم المتحدة وبقرارات واضحة ومحددة الاهداف تضمن العدالة المقبولة ولكن ليست العدالة المطلقة.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved