| مقـالات
يأخذ بعض النقاد العرب على الروائي المغربي الذي يكتب بالفرنسية «الطاهر بن جلون»، حرصه على صياغة روايته بقالب غرائبي مليء بالسحر والأعاجيب والأجواء الشرقية الغامضة بغرض إبهار القارئ الغربي ونيل إعجابه، ولا سيما أنه يغرف من إرث ثقافي وشعبي يزدان بهذه الأجواء السحرية إضافة إلى أن القارئ الغربي المهيأ من قبل ذهنية صاغتها الدراسات الاستشراقية عن الشرق يتوق إلى مثل هذه الأجواء، فهو لا يملك عدسة أخرى يستقبل الشرق من خلالها، ولكن هذا المأخذ لم يمنع ابن جلون من الحصول على جائزة «جنكور» الفرنسية ويلاقي ترحيبا وافراً من قبل الأوساط الثقافية الغربية.
ولم يستطع الروائي السعودي «أحمد أبو دهمان» أن ينجو بروايته عن هذا المصير إلا في بعض المواضع التي ظهرت فيها حميمية الأشخاص وخصوصية المكان.
فالرواية كتبت في صياغتها الأولى باللغة الفرنسية، لذا فهي موجهة إلى قارئ لا ينتمي إلى هذا المكان، وأفضل البوابات التي تستفز فضوله للحضور هي بوابة الشرق الساحر المليء بالجن والأرواح والخرافات، ولم يخل الطابع العام للرواية من ذلك الحس الذي ينقل المكان كما يتحدث عن حيوان نادر وجميل اكتشف في أحد المجاهل ويستحق المشاهدة «Exotic» .
ولكن الذي أنقذ الرواية من هذا المصير وجعلها قريبة وإنسانية في الكثير من فصولها هي تلك العين النضرة والطازجة للطفل والتي ترى العالم عبر تجلياته الأولى، فتنقل لنا صورا في غاية الجمال والغواية، فنشعر فيها بنبض المكان والشخصيات ووقع اصطدام العالم الجديد على قرية ظلت متوارية بين تلافيف الجبال قرونا طويلة.
حيث ذلك الانقطاع الذي بتر المزارع عن أرضه ونبضها، وألبسه حذاء ونقله إلى المدرسة وابتعد عن رحم الأرض الذي يشبه الجنة، حيث تنمو المزروعات ولاءً لأغاني المزارعين، وحيث الماء الذي ينال خصوبته وخصائصه فقط إذا مر عبر أيدي النساء.
الرواية هتكت تلك الحجب التي تختفي خلفها قرى الجنوب، ومنحتنا قرية كونية تشبه المكان، وتنتمي إلى جميع قرى العالم، من خلال نص نادر ومدهش ويتكشف لنا عبر قراءات متعددة، فقد يغريك حجم الرواية أن تنهيها في جلسة واحدة، ولكنك لا تلبث إلا وأن تتريث وتبدأ في رشفها رويدا رويدا وتؤجلها ساعة إثر الأخرى لتحظى بأكبر وقت من هذه الرفقة الجميلة والعجيبة التي تمنحنا إياها رواية «الحزام».
email:omaimakhamis@yahoo.com
|
|
|
|
|