| مقـالات
تأخرت أمريكا في إعلان الحرب على «الارهاب» الذي ترى ويرى غيرها انه الخطر القادم وذلك يعود لأسباب داخلية، كان الرئيس بوش الأب في أوج قوته بعد انتصار أمريكا في حرب الخليج الثانية، فلقد أعاد الهيبة لأمريكا واستطاع ان يقود العالم أمام شاشات التلفاز ضد الرئيس صدام حسين وأخرج العراق من الكويت وصنع «تحالفاً» دوليا لم يسبق له مثيل وكان يمكن أن يكون أساساً في إنشاء نظام دولي قوي.
ولكن الشعب الأمريكي الذي أعجب بالرئيس جورج بوش الأب عاد عليه عندما طرح شاب مغامر نظرة أخرى تتلخص في: أن المهم هو أمريكا في الداخل.. متهما الرئيس بوش الأب بأنه أهمل الاصلاحات والقضايا والهموم الداخلية لصالح النظام العالمي الجديد، وانه مكّن الأجانب من التأثير على السياسة الداخلية الأمريكية.
طرح الشاب بيل كلينتون اطروحاته ولقيت هوى من «اليمين المتطرف» الذي يكره الأجانب ويعارض الحكومة الفدرالية ويرى انها اهملته من جانب وابتزته من خلال الضرائب من جانب آخر.. فذلك المعسكر المتطرف يشارك آخرين في النظرة بأن حكومة أمريكا الفدرالية أهملته وأنها أصبحت معنية بالعالم.
انتصر الديموقراطيون في انتخابات عام 1992م وجاءوا بنفسية خاصة تكره التعاون مع الحلفاء والأصدقاء خارج الأراضي الأمريكية وقد أصبح الحلفاء في وضع صعب. سيطر الفكر الصهيوني على السياسة الخارجية الأمريكية ونشط المنادون بالتركيز على الأوضاع الداخلية وبالحفاظ على البيئة وبالدعوة إلى حقوق الإنسان وبالتقليل من الانفاق على المنشآت العسكرية.
في تلك الحقبة نشط اليمين المتطرف وقام القس ديفيد كروش المتعصب بإعلان الحرب على أمريكا فأحرقته القوات الفدرالية في منتجعه بالقنابل بلا هوادة وقضت عليه وعلى جماعته.. مما تسبب في كارثة تفجير مبنى الحكومة الفدرالية في أكلاهوما عام 1995م الذي اتهم المسلمون بتفجيره في البداية ثم اتضح ان السيد مكفي الذي اعدم قبل ثلاثة أشهر كان هو المنفذ للتفجير وهو ينتمي إلى اليمين المتطرف المنتشر في أمريكا.
أرادت أمريكا ان تعود لنفسها في الداخل، إلا ان الأوضاع في الداخل تفاقمت فهناك اليمين المتطرف وكان الكونجرس في قبضة الجمهوريين بقيادة نوت جنجرتش وهو مفكر وصلب ومتشدد، وهناك الرئيس بيل كلينتون الذي أباح لنفسه منهجا ليبراليا اخلاقيا أغرق أمريكا في حمأة الصراع بين السلطة والأخلاق فكثرت الدعاوى الأخلاقية ضده وأصبح في أواخر مدة حكمه الأولى والمدة الثانية مشغولاً بالدفاع عن نفسه بكل الطرق والوسائل، ويكفي انه فتح حسابا خاصا للمتبرعين له لكي يستطيع دفع أجور المحامين الذين انتهت مدة رئاسته الثانية وهو مدان لم يستطع بعد تسديد أجور المحامين وبلغ عدد النساء اللواتي تحدثن في التلفاز عن مغامراته الجنسية أكثر من 19 وما مانيكا لوينسكي إلا واحدة منهن.
في تلك الحقبة كان هناك تهديدات بل وتفجيرات ضد المصالح الأمريكية، فكان هناك تفجيرات في أبراج الخبر، وكان هناك تفجيرات ضد السفارات الأمريكية في نيروبي واثيوبيا وقبل ذلك حصل تفجير في مركز التجارة العالمي عام 1992م، وبعده كان الطلاب في المدارس الأمريكية هدفا لضربات عنف موجعة كما حدث في ولاية كولارادو وكاليفورنيا.
كان بإمكان الولايات المتحدة ان تحاصر «المتهم» الرئيس في كل تلك التفجيرات، وان تعلن الحرب على الارهابيين داخلها وخارجها، وبهذه المناسبة فابن لادن ليس بريئاً وسبق ان كتبت مقالة في هذا الموقع تحت عنوان «ابطال المغارات والكهوف» بتاريخ 21 محرم 1418ه العدد 9007، وأوضحت فيها شيئاً من فكر أسامة بن لادن ولم يلق ذلك المقال القبول عند كثير من الناس، المهم انه كان بإمكان أمريكا ان تحاصر بن لادن وجماعته وغيرهم من الارهابيين قبل ان يستفحل الامر، والحكومات العربية والإسلامية مستعدة للمشاركة ضد بن لادن لأنها أو غالبها متضررة من حركته الجهادية العشوائية التي تحسن صناعة الهدم ولا تحسن البناء، إنها «مدافع آيات الله» يمكن ان تقصف المدائن، لكن ينتهي دورها عند الاثارة والترويع والهدم.
أمريكا تأخرت في إعلانها الحرب على الارهاب وعندما غزيت في عقر دارها اعلنت الحرب بشكل لم يأخذ في الحسبان ما قامت باتخاذه أمريكا ابان حرب تحرير الكويت التي استطاعت ان تبني «تحالفا» ضم الاتحاد السوفيتي ودولاً غير متجانسة، الكثير من الدول اسهمت لمشاركة دول ذات قيمة مثل مصر والسعودية والاردن في المنطقة مما هيأ الرأي العام لخوض حرب رابحة واستطاعت دبلوماسية جيم بيكر ان تحيد إيران وان تضم سوريا وتبعد إسرائيل أثناء الحرب.
قضية بن لادن اسهل بكثير من حرب تحرير الكويت لكن أمريكا انشغلت بنفسها عن مصالحها الحيوية ويكفي ان الصراع بين مرشحي الرئاسة الأخيرة بوش الابن وآل غور اخذ 26 يوماً كل يدعي انه الرئيس للولايات المتحدة الأمريكية ولم يحسم الأمر إلا في المحاكم.
أمريكا العظمى انشغلت بقضاياها الداخلية مع الاعتراف بأنها مازالت القوة العظمى وانها تملك قوى ذاتية لترميم نفسها فهي دولة منفتحة لديها استعداد للجديد ويحكمها القانون بالفعل وكاتب السطور درس فيها ومعجب بالكثير من نقاط القوة فيها، ولكن ما حل بها في العقد الأخير أخرها عن القيام بواجباتها تجاه نفسها وتجاه العالم.
المسلمون ليسوا برآء من الرعونة وليسوا محصنين عن التطرف ولكن أمريكا تتحمل مسؤولية ما حدث لها في 11 ديسمبر 2001م، لماذا؟ لأنها انشغلت بمتطرفيها اكثر من انشغالها بمصالحها الوطنية العليا.
إن بقاء أمريكا العظمى قوية ربما يكون في مصلحة العالم إذا سلكت سبيل العدل في سياستها الداخلية والخارجية، وأمريكا استطاعت أن تتبوأ مكانة كبيرة في تاريخ الدول والأمم والحضارات بلا جدال ولكن الحفاظ على تلك المكانة مسؤولية امريكية صرفة،
وإذا استغل بعض المغامرين والموتورين والمتطرفين والبائسين الفرصة السانحة التي انشغلت فيها أمريكا بنفسها عن حماية نفسها وحماية مصالحها فذلك شأنها ولا ينبغي ان تحمل المسؤولية الشعوب والدول والحضارات الأخرى.
عوداً على بدء تأخرت أمريكا كثيرا في محاربة الارهاب لأسباب داخلية فهل تستطيع أمريكا التخلص من أمراضها الداخلية لتستطيع التعرف على سبل الحفاظ على مصالحها؟.
|
|
|
|
|