| مقـالات
في تقرير صحفي قرأته هذا الأسبوع تحت عنوان (مطلقات يعانين الأمرين) تقول إحداهن إنها من أجل أولادها الخمسة تصبَّرت وارتضت ضرب زوجها لها، لكنه تمادى بالمزيد من الضرب والإهانة أمام أولادها، ولم يرعو من فزع الأولاد المتكرر وبكائهم الدامي على بكاء والدتهم المقهورة. ولما تأزمت الأمور واستحالت العشرة وقع الطلاق، فَحَرَمَهَا من احتضان الصغار وتربيتهم، واحتفظ لنفسه بهم نكاية بها، رغم إجماع المحيطين على أنه غير مؤهل، وهكذا تعيش الأم بقلب ممزَّق لا على مصيرها فحسب، بل على فلذات الأكباد وهم يمضون إلى المجهول بيد الوالد القاسي المتعسف.
ويبدو أن هذه هي إحدى الحالات الَمَرضيَّة من بقايا العصبية (الجاهلية) لجنس الذكورة، التي تحمل بعض الرجال على حد قول صاحبة المشكلة إلى احتقار المرأة، ومعاملتها بدونية قد تنزلها أحيانا عن مرتبة الانسان، وإلا فما معنى أن يستسيغ الرجل العصا والعقال وسيلة (وحيدة) للتفاهم مع رفيقة دربه وأم أولاده؟! وبأي نفسية تربي هذه الأم أبناءها وتخدم هذا الزوج؟!
إن وجود الخلافات داخل كل بيت أمر وارد، ولكن معالجتها يجب أن تتم (بالحوار) بين الأب والأم، بعيداً عن آذان الصغار وعيونهم، أما أن يكون العلاج بتوظيف الرجل عضلاته لحسم (المعركة) لصالحه بالضربة القاضية المهينة، أمام خمسة أطفال أبرياء يمثِّلون كل النضارة، وقد وقفوا يرتعدون خوفاً وهلعاً مما يدور على الحلبة فأمر لا يكاد يصدقه عقل.
إن المجتمع السعودي يحتكم في كل أمور دينه ودنياه إلى الشريعة الإسلامية الغراء، التي أزالت كل الغبن عن جنس النساء، فوقفت في وجه وأدهن صغاراً، وحفظت حقوقهن كباراً، من ذلك على سبيل المثال: إقرار الملكية الخاصة للمرأة أسوة بالرجل، وإبداء رأيها فيمن خطبها، ومنع توريثها لأقارب الزوج حال وفاته كما كان الحال في الجاهلية، إلى غير ذلك من الحقوق التي سبق بها الإسلام في تنظيم شؤون المرأة بشكل عام.
ولقد فسَّر الإسلام الزواج في قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون) الروم: 21. وحدد شكل الحياة بين الزوجين في قوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) النساء 19، أي طيِّبوا أقوالكم لهن وحسِّنُوا أفعالكم وهيئاتكم، وكما يحب الرجل من زوجته فليفعل بها مثله، وفي تفسير قوله تعالى: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) البقرة 229.
أن رجلاً قال لزوجته: (لا أطلقك أبدا، فقالت وكيف ذلك؟ قال: أطلق حتى إذا دنا أجلك راجعتك) فنزلت الآية، وقريب من ذلك قوله جل وعلا (فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف) البقرة: 231، وهو أمر من الله لمن طلق المرأة وله عليها فيه رجعة، أن يحسن في أمرها إذا لم يبق من عدتها إلا مقدار ما يمكنه فيه رجعتها، فإما أن يُرجعها، وإما أن يتركها حتى تنقضي عدتها، ثم يخرجها من منزله بالتي هي أحسن بلا شقاق ولا مخاصمة ولا تقابح والامتثال لقوله تعالى (ولا تنسوا الفضل بينكم).
هذه قرارات الإسلام في الزواج والعشرة والطلاق، تحث كلها على احترام المرأة، وحسن معاملتها في كل الأحوال، وإن لنا القدوة العملية فيما كان عليه رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه مع أهله، فهو يقول (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، وقد ذخرت السيرة العطرة بالشهادة على أنه كان أبر الخلق بأهله وأرحمهم، حتى أنه صلى الله عليه وسلم كان يعاون زوجاته أحيانا في بعض العمل البيتي، لطفاً منه ومودة ورحمة وتقديراً لظروفهن، وكم كان حثه على رحمة المرأة والرفق بها بليغاً حين قال (رفقاً بالقوارير).
|
|
|
|
|