| اليوم الوطني
* قراءة/ حسين محمد الصيخان:
عندما يأتي الحديث عن الاحتفال باليوم الوطني فإنه لابد أن يقف الجميع أمام تاريخ وسيرة البطل المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه الذي أرسى دعائم الدولة وأقامها على شرع وهدى من الله سبحانه وتعالى. ومع أن سيرة البطل عبدالعزيز تحتاج إلى صفحات وصفحات قبل أن نغطي مختلف جوانبها الناصعة إلا أننا وعبر هذه السطور نسلط الضوء على بعض من جوانب هذه السيرة الخالدة.
وفي هذا السياق نعرض أولاً لواحدة من أشهر كلماته رحمه الله التي وجه بها شعبه وأمته.. هذه الكلمة التي ما زالت نبراساً للأمة تستضيء به في شؤون وشجون حياتها حتى اليوم.
فقد كتب طيب الله ثراه من ضمن ما وجه به شعبه وأمته خطاباً شاملاً جامعاً عام 1361ه وهو من الخطابات التي حفظها التاريخ للمؤسس رحمه الله وقد جاء في الخطاب الذي سنعرضه فيما يأتي العديد من التوجيهات الإيمانية الخالدة حيث بدأه غفر الله له بقوله:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين.
من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إلى من يراه من إخواننا المسلمين سلك الله بي وبهم طريق عباده المؤمنين وجعلني وإياهم من حزبه آمين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فالموجب لهذا هو نصيحتكم وتذكيركم بنعم الله التي أسبغ عليكم وعلينا امتثالاً لقوله تعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) وقوله (فذكر إن نفعت الذكرى)، وقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :الدين النصيحة ثلاثاً قيل لمن يا رسول الله؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وروى الطبراني عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ومن لم يمس ويصبح ناصحاً لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم فليس منهم.
وفي الصحيحين عن جرير قال: بايعه النبي صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم، وأعظم ما أنصحكم به وأحثكم عليه تقوى الله في السر والعلن وذلك بفعل ما أوجب الله عليكم من الطاعة وترك ما حرم عليكم من المعاصي قال تعالى: (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله) وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم». وقال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب). وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون). وقال ابن مسعود: تقوى الله حق تقاته أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر. وقال عمر بن عبدالعزيز ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترضه فمن رزق بعد ذلك خيراً فهو خير إلى خير. وقال ابن حبيب: إن تقوى الله أن تعمل على طاعة الله على نور من الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله فإذا عرفتم هذا فالواجب علينا وعليكم تقوى الله تعالى بفعل ما أوجبه وترك ما حرم من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، وقد علمتم وتحققتم ما من الله به على المسلمين وخصهم به من نعمة التوحيد الذي هو أساس الملة والدين وهو مضمون شهادة (أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له) وهذه النعمة هي أعظم النعم على الإطلاق ما اقترن بها من تحكيم الشريعة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
وما في ضمن ذلك من الأمن الشامل العام وغير ذلك مما أنعم الله به على المسلمين فتمت بذلك النعمة وقامت الحجة، فالواجب على المسلمين جميعاً أن يقوموا بشكر نعم الله سبحانه ليزيدهم من فضله ويدفع عنهم النقمة. وقال تعالى (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) وحقيقة الشكر هو الاعتراف لله تعالى بنعمه باطناً والتحدث بها ظاهراً ومحبته سبحانه وتعالى على ذلك والخضوع لله وإقرار العبد على نفسه بالعجز والتقصير عن شكر النعمة وصرف ما أعطاه الله من النعم فيما يرضي الله ربه عز وجل من فعل طاعته أو اجتناب معصيته هذا هو الشكر الذي يحصل به دوام النعم الموجودة واستجلاب النعم المفقودة والسلامة من غضب الله وعظيم عقوبته وأما الشكر باللسان مع إصرار العبد على المعاصي فهذا لا ينفع، بل يخاف على صاحبه من مكر الله ومعالجته بالعقوبة قال تعالى: (ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). وقال تعالى: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون).
وفي المسند قال عقبة بن عامر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون).
قال الحسن البصري: مكر بالقوم ورب الكعبة أعطوا حاجتهم ثم أخذوا وقال قتادة بغت القوم أمر الله وما أخذ الله قوماً قط إلا عند سكرتهم وعزتهم نعمتهم فلا تغتروا بالله فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون.
فالواجب علينا وعليكم الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى والإنابة إليه والتوبة النصوح مما سلف من الذنوب والقيام بشكر نعمته ومن أعظم شكر الله على النعم المحافظة على الصلوات الخمس فإنها أعظم الواجبات وأفرضها بعد التوحيد وهي عمود الدين كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وهي آخر ما يفقد من الدين) كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة) وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) وقال صلى الله عليه وسلم (العهد الذي بيننا وبينكم ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر).
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، وهي ميزان الأعمال وأول ما يحاسب به العبد من عمله كما جاء في الحديث. (أول ما يحاسب عنه العبد من عمله صلاته فإن قبلت منه قبل سائر عمله وإن ردت رد سائر عمله).
وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من تشبه بقوم فهو منهم) ومن أعظم الشكر وأوجب الواجبات أداء الزكاة المفروضة على أهلها المستحقين لها بنشاط وطيب نفس وقال تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون). وقال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) فأداء الزكاة إلى أهلها تطهر المزكي من الإثم وتنمية لماله وحفظ له من أسباب التلف ومنع الزكاة وعدم صرفها إلى مستحقيها من أعظم الأسباب في زوال النعم وحلول النقم وتلف الأموال ونزع بركتها والتعذيب بها في نار جهنم. قال تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون).
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم ولا فضة ولا ذهب لا يؤدي حقها إلا عذب بها يوم القيامة). ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بمنع الزكاة. وروي عنه أيضا أنه قال: (ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة يقولون ربنا ظلمونا حقوقنا التي فرضت لنا عليهم فيقول الله وعزتي وجلالي لأقربنكم ولأبعدنهم).
فيجب على المسلمين أن يتناصحوا فيما بينهم وأن يتآمروا بالمعروف ويتناهوا عن المنكر على حسب الطاقة والجهد وألا يداهنوا في دين الله ويجب على المسلم أن يبدأ بنفسه فيلزمها بالخير ويزجرها عن الشر وأن يتعاهد ذريته وأهل بيته وينصحهم ويحرضهم على أداء ما أوجب الله عليهم ويحذرهم من معصيته كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة). روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: في معنى هذه الآية أدبوهم وعلموهم وقال قتادة في هذه الآية أيضا:ً أن تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم عن معصيته وأن تقوم عليه بأمر الله. وتأمرهم به وتساعدهم عليه فإذا رأيت معصيته منعتهم عنها وزجرتهم عليها والحذر كل الحذر أن يخالف فعله قوله قال تعالى: (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) وقال تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون).
ويجب على المسلم الحذر من الربا في المبايعات فإنه من أعظم الكبائر والمحرمات ومن المحاربة لفاطر الأرض والسماوات. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله). وقال سبحانه: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس وذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا). ومعنى أنهم لايقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس أنهم يقومون من قبورهم يوم القيامة كما يقوم الذي قد مسه الشيطان وصرعه ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا أي حلالاً فاستحلوا ما حرّم الله فإذا بعث الله الناس يوم القيامة مسرعين إلا أكلة الربا فإنهم يقومون فيقعون كما يقوم المصروع كلما قام صرع قال قتادة آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً وذلك ميزة لأهل الربا وآكليه يعرفهم بها أهل الموقف وفي الحديث: ما ظهر في قوم ربا إلا ظهر فيهم الجنون ولا ظهر فيهم الزنا إلا ظهر فيهم الموت ولا بخس قوم الكيل والوزن إلا منعهم الله القطر، وقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : (أربعة حق على الله ألا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها مدمن خمر وآكل من مال اليتيم بغير حق والعاق لوالديه) الحديث.
ويجب على المسلمين أن يحذروا من شرب المسكرات واجتناب المحرمات كلها كالزنا واللواط وشهادة الزور والسرقة والخوض في أعراض الناس والكذب والنميمة والغيبة والفحش وقطيعة الرحم والنظر إلى ما حرم الله والاجتماع على ما يلهي عن طاعة الله والبعد عن ذكر الله كالزمر والغناء وضرب الطبل وجر الرباب واللعب بالقمار واستماع أصوات سائر الملاهي ويجب على المسلمين كذلك الحذر من التشاحن والتهاجر والبغضاء والحسد فإن كل ذلك من أعظم السيئات الموجبة لزوال النعم وحرمان المغفرة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تعرض الأعمال على الله في كل يوم اثنين وخميس فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً إلا أمرأ بينه وبين أخيه شحناء فيقول عز وجل اتركوا هذين حتى يصطلحا).
وثبت عنه أيضاً أنه قال: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بعض وكونوا عباد الله إخواناً المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله والتقوى ها هنا وأشار إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) وقال صلى الله عليه وسلم: (إياك والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب). وقال صلى الله عليه وسلم: (دب فيكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء) هي الحالقة ولا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين (والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا وحتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم إفشاء السلام بينكم).
وعنه صلى الله عليه وسلم لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام فيلتقيا فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. والله المسؤول المرجو الإجابة أن يوفقنا وإياكم لأسباب عفوه وأن يمن علينا وعليكم بالهداية وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، إنه على كل شيء قدير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وصية وتوجيه
هكذا كانت وصية الملك عبدالعزيز لشعبه وبهذه النصيحة وجه أمته رحمه الله . وقد جاء هذا النص وفقا لما جاء في كتاب «ظاهرة الأمن في عهد الملك عبدالعزيز» لمؤلفه عبدالعزيز بن محمد الأحيدب.
وفي شأن آخر نتحدث أيضاً عن جانب آخر من جوانب تاريخ المؤسس طيب الله ثراه، فلقد نهج الملك عبدالعزيز (يرحمه الله) الطريق الصحيح في قيادته العسكرية الناجحة ألا وهو تمسكه أولا وقبل كل شيء بالعقيدة الإسلامية الصحيحة التي سار عليها جميع جنوده المقاتلين معه فكانت عدة مقومات للقيادة العسكرية الناجحة التي سلكها وسار عليها يرحمه الله وهي:
أولاً: التمسك بالمقومات الروحية للقتال
حيث أخذ الإمام عبدالعزيز بالعقيدة الدينية مقوما روحيا للقتال بعد إدراكه ما للدين من قوة معنوية هائلة في نفوس المحاربين، ومدى تأثير الروح الدينية على المحارب حيث يتغلب بها على الخوف من الموت. ويرشف منها الشعور بالعاطفة الموحدة المشتركة وروح الفريق الواحد. والثقة بأنه أقوى من خصمه الذي يقاتله بدون عقيدة، والإيمان بالقضاء والقدر وعدالة القضية التي يقاتل من أجلها.
لهذا كثيراً ما كان الإمام عبدالعزيز يبصر جنوده بفكر القضاء والقدر وكيفية التغلب على الخوف بالإيمان والثقة بالله. محاولاً إشاعة روح التسامح المشترك واعطاء الفرصة للجنود لعقد صلة روحية مع علماء الدين يستشيرونهم في مشاكلهم النفسية الخاصة ويريحون صدورهم من أي أعباء انفعالية وكان يذكرهم دائماً بالثقة بالله والتفاؤل في محن المعارك.
ثانياً: مواصلة الإقبال على مناهل الثقافة العامة
أدرك الإمام عبدالعزيز أن الثقافة العامة لازمة من لوازم القيادة العسكرية الناجحة حيث يسيطر القائد على مجموعات من الناس تختلف نزعاتهم وتتباين معارفهم، وحيث يتعامل مع حلفاء، وضد خصوم مما يستلزم سعة الفكر، ووفرة المعلومات وقوة الشخصية فقد اقبل الإمام عبدالعزيز يغترف من مناهل الثقافة العامة كمدرسة حقيقية لقيادته، فأحاط بظروف زمانه وجال بعقله فيما حوله من الشؤون العامة وتلقى فنون السياسة العلمية في الكويت ووقف على عادات القبائل وتقاليدها ونقاط القوة والضعف فيها فضلاً عن دراسته للمعارك وتخطيطها وتاريخ القادة والأئمة السابقين، وبفضل هذه الثقافة العامة استطاع أن يدعم شخصيته ويرفع شعبه ويرقى بجيشه ويخوض غمار حروب تاريخية فاصلة لتوحيد شبه الجزيرة العربية.
ثالثاً: الالتزام باللياقة البدنية؟
أدرك الإمام عبدالعزيز أن قيادة الحرب الناجحة هي دراسة عملية ولياقة بدنية على طول الحياة فمارس ركوب الخيل والفروسية وفنون الحرب والقتال بالسيف، وبهذا تمكن من الاحتفاظ باللياقة البدنية طوال تاريخه العسكري فاتسم بالنشاط والشجاعة والحزم والحماس والإبداع الذاتي والقوة الدافعة وقوة الإرادة وهي صفات كافية لإدراج اسمه بين القادة العظام في العالم.
رابعاً: التشرب بروح التفاؤل
كان الإمام عبدالعزيز يتابع قواته ليتأكد من أنها تشربت بروح التفاؤل وأنها تنطوي على حماس هجومي أو تحمل روح الشغف بالهجوم وكان يقنعهم بعدالة قضيتهم فاستقطب محبتهم، وحاربوا تحت لوائه لتحقيق النصر المؤكد في مواجهة كافة الصعاب.
خامساً: إدراك قيمة العامل البشري:
أدرك الإمام عبدالعزيز قيمة العامل البشري في تقرير النصر أو الهزيمة في المعارك الحربية، فأقبل على دراسة أفكار جنوده واتجاهاتهم الفكرية والنفسية وعمل على زيادة كفاءتهم القتالية بمختلف الأساليب ولم يحصل الإمام عبدالعزيز على مكانته العظمى كقائد عسكري لأنه درس قواعد الاستراتيجية الحديثة أو برع في الفنون التكتيكية، بل لأنه درس دراسة عميقة من تحت لوائه وكان خبيراً بالعواطف التي تؤثر في نفوس الرجال.
سادساً: استيعاب القواعد الأساسية للتكتيك الحربي
أقبل الامام عبدالعزيز على دراسة جواهر الأساليب التكتيكية في الحروب السابقة في العالم. واطلع على خطط كبار القادة العالميين وأمسك بالقواعد الأساسية للتكتيك الحربي. وهي المفاجأة وتركيز المجهود، وتعاون كافة الأسلحة، والتحكم في عمليات القتال وبساطة في التخطيط والتنفيذ، وسرعة الحركة خلال المعارك والمبادرة بالانقضاض على العدو في محاولة لتحطيم توازنه واعتمد الإمام عبدالعزيز في خططه الحربية أيضاً على السرعة في مباغتة عدوه وهو ما يعرف ب(الجهاد) أي المفاجأة حتى يمكنه شل تفكير العدو. وقد كانت المفاجأة (ليلة المصمك) عنصراً مساعداً على نجاح خطته، ولم يحل دون نجاحها مناعة الحصن أو تعود (عجلان) المبيت داخله.
سابعاً: بث الروح المعنوية العالية
أدرك الإمام عبدالعزيز قيمة تأثير الروح المعنوية العالية على الميزان العسكري أثناء المعارك وكان دوماً يدعو قواته المحاربة إلى التعاون والتماسك والمحبة كما كان يبصرهم بمهامهم وأهدافهم، ويبث فيهم روح الاعتزاز بدينهم والاستعداد بالتضحية من أجله.
ثامناً: التقدير للجنود والتعاطف معهم
أدرك الإمام عبدالعزيز قيمة المقاتل المدرب في نتائج المعارك الحربية فقدره حق قدره، ومنعه من المجازفة والتهور في معارك محكوم بفشلها مسبقاً، مما أدى إلى كثرة انتصاراته كما ارتبط الإمام عبدالعزيز يرحمه الله مع جنوده برابطة متينة من التعاطف والحب الصادق فكان وصوله إلى قلوبهم ميسورا وكان التفافهم حوله سريعاً وتجاوبهم معه هائلاً.
تاسعاً: التخطيط الحكيم
اتخذ الإمام عبدالعزيز من طريقه المنهج العلمي الحديث أسلوباً لتخطيط معاركه العسكرية فسبق عصره وزمانه، فكان يختار الزمن والمكان المناسبين للاصطدام بعدوه ويترسم قبل هذه المعارك الحكمة في تخطيطه لمراحلها وما زلنا نضرب الأمثلة بذلك من خلال انطلاقته الكبرى إلى الرياض وما اسفر عنها من نتائج.
عاشراً: التقييم الدقيق لجميع الأطراف العسكرية
تمكن الملك عبدالعزيز يرحمه الله بثاقب بصره وحدة ذكائه وصحة تقييمه لأصدقائه وأعدائه على السواء من أن يضع كلا منهم بقدر حجمه في المكان المناسب له.
للذكريات الحسنة مذاق لذيذ، عندما تمر، وطعم متميزة نكهته، ومستعذب تكرارها ، لأنها من النعم التي تذكر فتشكر، ومن الموجبات في ربط السبب بالمسبب.. ولا يزال كل مسلم عندما يأتي شهر رمضان، يتذكر موقعة بدر الكبرى، التي أعز الله فيها الإسلام، بالفئة القليلة، وقمع الشرك وأهله بالفئة الكثيرة.. فكانت نصراً مؤزراً.. بجنود من الله لم يرها المسلمون، قلبت الأمور لصالح الفئة المسملة لحكمة أرادها الله..
وهكذا في تاريخنا الإسلامي، يلمس المدقق والمتمعن في الأسباب، معجزات يهيئها الله للمخلصين من عباده، الصادقين في توجههم إليه جلَّ وعلا ألم يقل سبحانه :* إلنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد< (غافر 51).
والذي حققه الملك عبدالعزيز رحمه الله ما هو إلا نصر من الله، وتوفيق منه جل وعلا هيأ أسبابه بمواقف ذُكر بعضها ولم يُرصد أغلبها.
وخلال المسيرة التي بدأها من فتح الرياض، يوم 5 شوال عام 1319ه، حتى تم توحيد البلاد في مملكة شاسعة الأطراف متباعدة الحدود، وجعله الله سبباً في القضاء على النزعات القبلية، وتوطيد الأمن، وحماية الحرمين، حيث أدى المسلمون شعائرهم في راحة واطمئنان، لم يُعهدا خلال قرون متطاولة، وذلك في حج عام 1344ه رغم أن حصار جدة كان لا يزال قائماً.. ولم يشعر ضيوف الرحمن بشيء من ذلك.
ذلك أن الملك عبدالعزيز رحمه الله موفق كما قال الزركلي، ويفتح الله له أبواباً مغلقة، تكون معينة له على تجاوز الصعاب، وإن من ذكريات اليوم الوطني الذي خصّصه الملك عبدالعزيز، بناءً على برقيات وصلت إليه في يوم 12 جمادى الأولى عام 1351ه الموافق 10/8/1932م، برجاء أن يتكرم بإصدار الإرادة السنية، بالموافقة على تبديل اسم المملكة الحالي، الى اسم يكون أكثر انطباقاً على الحقيقة، وأوضح إشارة الى الأماني المقبلة، وأبين في الإشادة بذكر من كان السبب في هذا الاتحاد والأصل، في جمع الكلمة، وحصول الوحدة، وهو شخص جلالة الملك المفدى وذلك بتحويل اسم المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها الى اسم المملكة العربية السعودية، الذي يدل كما ذكر الزركلي على البلاد التي يقطنها العرب، ممن وفق الله جلالة الملك *عبدالعزيز آل سعود< الى توحيد شملهم وضم شعثهم.
وقد استجاب الملك لهذه الرغبة الشعبية، فأصدر نظام توحيد المملكة المكون من ثماني مواد، والذي جاء في المادة الثامنة منه: إننا نختار يوم الخميس 21 جمادى الأولى عام 1351ه، الموافق لليوم الأول من الميزان يوماً لإعلان توحيد هذه المملكة العربية..
صدر في قصرنا بالرياض في اليوم السابع عشر من جمادى الأولى سنة 1351ه، التوقيع عبدالعزيز
بأمر جلالة الملك.. نائب جلالته فيصل.
إن من شكر ما أنعم الله به على هذه البلاد، أموراً جاءت تترى على يد عبدالعزيز، فيها خير ومصلحة لهذه البلاد، وأهلها، أهمها تآلف القلوب، والقضاء على الشحناء القبلية، والاهتمام بتطبيق شرع الله، والحدود التي أمر الله بها.. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ثم تتابعت الأمور والتنظيمات، والمشاريع في بلاد كانت صحراء قاحلة يهجرها أهلها لضيق المعيشة، فإذا بها تتفجر فيها خيرات الأرض، وتوجه هذه الثروة التي أفاء الله بها من أول يوم: لإعمار الحرمين الشريفين، حتى يرتاح حجاج وعمار وزوار البلاد المقدسة في الإسلام، ويرفع من مستوى التعليم والصحة، وتبسط الطرق في المدن والقرى، وتربط البلاد المتباعدة الأطراف بكل ما يعين على التواصل: طرقاً برية ومواصلات جوية، واتصالات هاتفية، وشبكات كهربائية وغيرها مما يراه القريب والبعيد الى جانب صرح العلم والصناعة: من جامعات ومعاهد فنية وعسكرية، وكليات في شتى فنون المعرفة، ومصانع عديدة اتجهت بالبلاد بعد التشبع بالعلم، إلى مجاراة الأمم التي سبقت في هذا المضمار.
وما ذلك إلا بأعمال مدروسة، وتقنيات متطورة، وكان من الاعتزاز باهتمام القيادة الرشيدة أن كانت التسهيلات ميسرة بأسبابها العديدة، والتشجيعات مهيأة للأخذ بالأيدي، وتطوير الأفكار، ودراسة المشروعات.. وتوفير الأنظمة منذ بدأت الدولة تثبت الركائز، على أسس راسخة، فقد حص الملك عبدالعزيز رحمه الله بعد استسلام جدة عام 1344ه على إبراز هذه الدولة الجديدة للوجود بأنظمة درسها مجلس الشورى الذي تأسس عام 1345ه، حيث زات عن خمسين نظاماً.
يقول وكيل مصلحة العمل في مصر، الدكتور عزيز المراغي، ضمن مقال في جريدة المصري 1 سبتمبر عام 1950م: *والمملكة العربية السعودية قد صدر فيها الأمر الخاص بنظام العمل والعمال، بتاريخ 15/11/1366ه وقد جاء هذا النظام محققاً للعدالة الاجتماعية، ويعتبر بلا شك مفخرة كبيرة لعاهل الجزيرة الملك عبدالعزيز آل سعود، وقد أُثني على هذا النظام وكفالته لحق العامل، بما لم تكفله أنظمة كثير من دول العالم<.
ورغم أن أبناء البادية قدتعودوا النهب والسلب والتخويف على كل شيء، فقد تغيَّرت الحال منذ تقلّد الأمر الملك عبدالعزيز، حيث أصبحت الجزيرة العربية في فترة وجيزة، وبما جعله الله للملك عبدالعزيز من مهابة نموذجاً في الأمن إذْ نرى واحداً ممن زار المملكة في أيام الملك عبدالعزيز يقسم وهو يتحدث في أيام الملك عبدالعزيز : أن في بادية الجزيرة، من الأمن ما ليس في قصور الملوك.. وهو قَسَمٌ صادق لأن الواقع يشهد بذلك.
وقد رزق الله الملك عبدالعزيز في مسيرته لتوحيد المملكة ثم في تنظيمها وتسيير أمور الرعية، رجالاً يتصفون بالحزم والأمانة، وصدق النية في القول والعمل.
والله سبحانه وتعالى إذا أراد شيئاً هيأ أسبابه، وإن من مدافعة الله عن عباده المؤمنين تيسير أمورهم، وتسديد آرائهم، وأن يكونوا أمناء على أعمالهم، حريصين على شرائع دينهم بالقول والعمل..
وهذا سرٌ من أسرار التوفيق الذي منحه الله لعبد العزيز..، فقد كادت تمر بعبدالعزيز رحمه الله أيام حصار جدة أزمة شديدة في الذخيرة والتموين الغذائي، وملل بعض الجنود، لأن طبيعة البدويّ عدم التحمل والصبر، وإذا بالأزمة تنفرج بعد اشتدادها، فيأتي اليه إسماعيل بن مبيريك صاحب رابغ، ليضع يده في يده ويخبره أنه وقبيلته حماة لظهره،وجند يأمر عليهم، وأن ميناء رابغ جاهز للاستعمال في صالح الملك عبدالعزيز مع استعدادهم لحمايته والدفاع عنه، وعمن يصل عن طريقه: رجالاً أو بضائع.. مع ما تيسر لديه من مؤونة ونقد. أخذ من الملك عبدالعزيز مندوبين ورجالاً مع قوافلهم لحملها إليه وهو في الرغامة.
وفي الجانب الآخر عندما أرسل جيشاً الى الليث، بعد دخوله مكة، كما حدثني بذلك شيوخ من وجهاء تلك المدينة، فاستعدّ الأهالي للتصدي بقبائلهم واستعداداتهم لجيش الملك عبدالعزيز، وكان من تكتيكهم الحربي، أن استولوا على المياه وجعلوها وراء ظهرهم، ولا ماء مع جيش الملك عبدالعزيز ولا ابار حولهم كما فعل المشركون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر.
ولدى أهل الليث يقين بأن جيش الملك إما أن ينهزم أو يسلم لعدم قدرته على الصمود بدون ماء بعد نفاد ما معهم من ماء، لكن إرادة الله فوق تقديرات البشر فيفاجأ أهل الليث، بالوادي الذي وقف على حده جيش الملك يسيل جذباً من الجبال بدون مطر من قريب.. فكان نعمة ساقها الله في وقت لا يعتبر عند أهل المنطقة موسماً للأمطار.
فلما رأوا ذلك أدركوا أن وراء هذا الجيش فضلاً من الله ، وأنه ليس جيشاً باغياً متسلطاً فتصالحوا مع قائد هذا الجيش ودخل الليث برجاله بهدوء، وجاءت القبائل لتبايع للملك عبدالعزيز بواسطة قائد هذا الجيش، ووضعوا إمكانياتهم أمام الملك عبدالعزيز.
وهذان الموقفان اللذان تمّا بيسر وسهولة،وبدون حرب أو قتال، ولكن بقناعة زعماء البلدين: رابغ والليث ومحبة قذفها الله في قلوبهم للملك عبدالعزيز، كانا السبب المباشر، لمبادرة الملك عبدالعزيز الكتابة لمسلمي الهند وغيرها في شهر شعبان من عام 1343ه مبيناً أن طرق الحج ميسرة والقوافل والسنابك وغيرها مما يحتاجه الحجاج مهيأة ووافرة، إلى جانب ثبات الأمن وحفظه.. بما لم يكن معهوداً من قبل.
مما دفع بالمسلمين وخاصة من الهند التي بها ثقل منهم لا يستهان به، إلى المبادرة، رغم ما اكتنف الجو عندهم من عواصف وتيارات، منها الدعوة الى تعطيل الحج، ومنها الشك في قدرة عبدالعزيز على حفظ الأمن، ومنها التهم الكثيرة التي ألصقت بعبدالعزيز ورجاله، بامتهان الحرمين والإساءة إليهما.. وغير ذلك من أمور تكاثرت على ألسنة الأعداء ذلك الوقت.
لكن الواقع أثبت غير ذلك.. فقد تزايد عدد الحجاج، وأمنوا على أنفسهم وأموالهم في مسيرة الحج، سواء من وفد عن طريق ميناء رابغ أو ميناء الليث.. حيث ذهب الزبد جفاءً، وتبخّرت أقوال المغرضين، وبقي ما ينفع الناس، ووجد الوافدون الصدق والغيرة الإسلامية، والاهتمام بأمور المسلمين من الملك عبدالعزيز.
أما خصوم عبدالعزيز، الذين أعانه الله في القضاء عليهم، فإنه كان يعاملهم بمنتهى مراتب الاحسان والاحترام، ويجعلهم أصدقاء بتقديرهم ومجالستهم، ويبلغ الأمر الى المصاهرة والمؤانسة، والمبالغة في الإكرام، لأنّ قلبه لا يحمل الغِلَّ ولا يسمح للضغينة أن تفسد ذلك الودّ.. سواء كانوا من خصماء الرئاسة والقيادة، أو من المخالفين في الرأي والنقاش والنظرة للأمور.
فهذا *فيلبي< الذي أوفدته حكومته في العراق أولاً ثم في عمّان ثانياً لمهمات ضد عبدالعزيز، كان ضيفاً كريما عند عبدالعزيز، فأحسن وفادته، حتى بلغ من محبته لعبدالعزيز وإعجابه به أن أسلم، وبالغ في الحديث عنه، وفي سيرته يقول الزركلي: وأصبح *فلبي< منذ أسلم يرافق الركب الملكي في الحج، وأكثر الأسفار وتزوج بنجد من إيرانية عاد بها الى مكة وولدت له ولدين، وكان الملك عبدالعزيز على شيء من اليقين بأن *فلبي< إنما استقال من خدمة حكومته، حيث كان في عمّان لإعراضها عن الأخذ برأيه في السياسة العربية ومناصرة عبدالعزيز ويروي *فلبي< أنه لما زار الملك في الطائف، زيارته الأولى بعد دخوله في الإسلام، قال الملك عبدالعزيز لمن في مجلسه *لقد عمل فلبي< كثيراً من أجلي ومن أجل قضية نجد، وضحّى بالكثير في سبيلنا واختلف مع سياسة حكومته بسببنا، وتخلّى تبعاً لذلك عن مناصبه الرسمية من أجلنا<.
وهذا ما يعلل به الكثيرون استمرار عطف الملك عبدالعزيز عليه.
ثم أورد أشياء عن سيرة *فلبي< وآرائه واختلاف رأيه مع الملك في قضية فلسطين، وغير هذا من أمور حدت بالملك عبدالعزيز التنويه بواسطة المفوضية السعودية في لندن: وجاء في ذلك: أن فلبي صديق شخصي، وعلاقت بنا علاقة شخصية، ولمعاملات تجارية وما شاكلها، أما آراؤه السياسية فهي له. ولا تعبر عن فكرنا مطلقاً. فنشر *فلبي< بعد اسبوع في *التّيمس< تعليقاً يقر بذلك وقال: وقد سرني أن أتيحت لي هذه الفرصة لأؤكد أنني ليست لي الآن، ولم تكن لي من قبل، أية علاقة رسمية أو شبه رسمية، كائنة ما كانت بجلالة ملك العربية السعودية أو بمملككته أما صداقتي لجلالته، وإعجابي بشخصه فذلك أمر آخر.
وما تجدد في هذه الذكرى الوطنية، إلا دعوة لتقليب صفحات تاريخ الملك، وعظمته التي هيأ الله له بها نقل البلاد من حال إلى حال، وتكوين كيان من الوحدة الوطنية، والتلاحم بين أبناء الشعب لانصهار طباعهم وتآلفهم، مما هو موطن إعجاب، لم تزده الأيام التي تجاوزت المئة عام إلا تماسكاً ومحبة في الداخل وإعجاباً في الخارج جيث انتهج أبناؤه من بعده المسيرة في الوئام والألفة..
وتذكّر نعمة الله التي ألفت بين القلوب، وأبدلت الخوف أمناً.
والمناسبة ليست عيداً كما يتوهم بعض الناس، ليخرجوا بهذه المناسبة عن مقصدها الأساسي، فلنا أعيادنا الشرعية التي أمر الله ورسوله بها لا نبغي عنها بديلاً.
حيل اللصوص:
ذكر الشيخ محمد بن بليهد في كتابه صحيح الأخبار، نماذج عن اللصوص في الجزيرة قبل أن يوطد الأمن الملك عبدالعزيز رحمه الله فقال: ومن اللصوص المعروفين شنبر بن كاحل من الشيابين من قبيلة ذوي خليفة، وهو لصٌّ محنك، قال لي بعض أصحابه من الحاضرة، ممن يستعمل طريق مكة للاتجار ويأخذ شنبراً *رفقا< عن قبيلة عتيبة، إذا ورد الحضريّ صاحب شنبر ماء سجاً وجد شنبراً في انتظاره، فإذا دخل مكة غاب شنبر فلم يره، فإذا قرب الرحيل أتاه وواعده مَنْهَلَ البرود، الواقع في وادي المغمس، النافذ على طريق جدعان، فإذا أتاه كان معه خمسة جمال، أو أربعة أو ثلاثة، موقرة من الأرز وغيره، من المواد الغذائية.
ثم قال ابن بليهد: حججت في عام 1332ه، وحينما دخلنا أول ركبة ونحن نحرس، ولا يمضي علينا ليلة إلا وقد طردنا فيها اللصوص نحن ثلاث مرات أو أربعاً، إلى أن دخلنا الرّيع، ووصلنا الأرضين المحفوظة بضمانة أهلها، ويقال لها المدارك: مدرك بني فلان، ومدرك بني فلان، فلما انقضى الحج تأخّر حاج مدينة شقراء، وعزمنا نحن على الخروج من مكة، فتواعدنا منهل البرود، فلما اجتمعنا عليه جميع قرى الوشم وأهل الشعراء والدوادمي، مشى بعضنا الى بعض وبحثنا في مسألة الخوي الذي من عتيبة، نربط به العاني حتى نصل بلادنا، فقال بعضنا لبعض: كل خبرة معها عتيبي وتربط عانيها به، فلا تعلم الأعراب أن ليس معكم أحد، فنفّذنا هذه الرغبة، وكان الذي معي من عتيبة هزاع أبو ثنية من قبيلة الروسان، وليس له قبيلة حجازية، وعندي شك في أنه يستطيع أن يمنعنا فصرّحت له، فقال: لا تخف سَلْم قبيلتي سأمشى عليه، ولو أني رجل واحد، وكان شنبر اللّصّ المشهور مع صاحبه عبدالكريم الخراشي، وأنا أرغب أن أعلّق عانينا عليه، وعبدالكريم مع رفقائه عددهم ثمانون رجلا، وإبلهم تبلغ مائتين تقريبا، وكان رؤسائهم يركبون نحو عشر من الهجن، وشنبر ورفقاؤه مع الحملة، وقال لرفقائه: إذا رأيتم ابن بليهد فأخبروني فمررت بهم في وادي أم الخروع، بين الربع وماءة عشيرة، فدعاني فأتيته، فوجدت رجلاً طويل القامة، قد وخطه الشيب عارياً من اللحم كأنه سبع، فقال: تراني داخل على الله ثم عليك، اتركني وربعي قلت: على شرط أن نكون في وجهك أنا ورفقائي حتى نصل الشعراء، قال لا بل حتى تصلوا بلدكم ذات غسل، وكان معنا خبرة حاج من أهل حوطة بني تميم ليس معهم رفق، وعند شنبر خبر بذلك.
فقال لهم: علّقوا عليّ أن أمنعكم من اللصوص، فأبوا. فلما وردنا ماء عشيرة، وكانت عادة منزلة الحاج كالحلقة للتّحفظ، وكان منزل أهل الحوطة في الجهة الشرقية ووراءهم ثنيّة تطلع على الحرة. على طريق نجد يقال لتلك الثنية *سنيد< ومنزل أهل الحوطة بين منزل شنبر وبين ريع سنيد فلما صلينا المغرب ارتفع شنبر على أكمة صغيرة ورفع صوته قائلاً: يا من حولنا بالشعيب إن كنتم تبغون العشاء تراه بينا وبين سنيد فلم يكمل صوته إلا ولأهل الحوطة صياح من كثرة اللصوص فنادوا شنبراً نحن في وجهك فنادى ثانية ليس بيننا وبين سنيدلكم عشاء، فكفوا عنهم وناداهم للعشاء فجاء عشرون نفراً وأكلوا معنا وباتوا عندنا (3:153 155).
|
|
|
|
|