| محليــات
لم يحظ أي مطرب عربي بالمناهضة والدعاية المعادية مثل ما حصل للمطرب المصري (المكوجي سابقا) شعبان عبدالرحيم. مسكين هذا الرجل وجد معارضة من كل الأوساط الثقافية والفنية وحتى السياسية وربما بسبب هذه المعارضة حقق هذا الرجل ما لم يحققه من سبقه من المطربين شعبيين وغير شعبيين.
على فكرة نحن نعرف أن عدوية فنان شعبي وسلامة العبد الله فنان شعبي والمكوجي عبدالرحيم فنان شعبي تُرى ما هي الصفة التي نطلقها على الآخرين الذين ليسوا شعبيين؟ محمد عبده وطلال مداح وفيروز وأم كلثوم إذا لم يكونوا فنانين شعبيين، هل هم فنانون رسميون؟ في الحديث اليومي عادة نقابل بين الرسمي والشعبي فنقول على سبيل المثال (لقي الضيف استقبالا شعبيا ورسميا). وعلى ضوء ذلك إذا لم يكن الفنان شعبيا فهو رسمي. ورسمي تعني لنا أنه يعمل برعاية الحكومة.
أتذكر في الأيام القديمة خرج فنان يدعو محمد رشدي وبدأ ينافس عبدالحليم حافظ. وبعد فترة وجيزة بدأ يخبو ويتلاشى. وقرأت مقابلة معه بعد أن فقد الأمل في منافسة عبدالحليم. قال فيها ان لوبي (أنصار) عبدالحليم ألصقوا فيه لقب (فنان شعبي). وبالتالي هبطت أسهمه الى الحضيض. من الواضح من كلام الرجال أن لقب شعبي أقرب الى العيارة منه الى صفة أو علاقة خاصة بطبيعة الفن نفسه أو نوع من أنواع الفن بكل أمانة لا أعرف حتى الآن ما هو الفرق بين شعبي وغير شعبي من الناحية الفنية. معظم كلمات الأغاني بالعامية أي باللغة الشعبية ( من فيروز وأم كلثوم إلى سالم الحويل وشعبان عبدالرحيم) وكلا الطرفين يستخدمان نفس الآلات والطبول والمزامير والدربكة. وإذا تأملنا فيمن يعرف بالشعبي مثل الأخ شعبان سنلاحظ شيئا يمكن أن يكون معيارا لتعريف الفنانين الشعبيين. أولا حجم الانتشار في أوساط الناس العاديين في أوساط الطبقات البسيطة. فتلاحظ أن شعبان عبدالرحيم أكثر انتشارا من عمرو دياب في هذا الوسط. والشيء الثاني دخول الفنان الشعبي مباشرة من الباب الواسع أي من صوته الى الناس دون واسطة الصحافة ومراكز القوى الثقافية والإعلامية التي تملك حق التصنيف والتنظيم والتنصيب. فيما عدا ذلك لا أستطيع أن أميز بين فيروز وشعبان عبدالرحيم وفرانك سيناترا. لا أستطيع أن اتتبع شيئا آخر أميز به الفنان الشعبي من غير الفنان الشعبي إلا من حيث التصنيف الموحي بالدونية. أظن والله أعلم أن هذه التصنيفات ناشئة في الأساس من ثقافة عربية عريقة تقوم على التمييز الثقافي الحاد بين النخبة وبين العوام في كل شيء.
كانت العرب في الثقافة القديمة تضع حدا فاصلا بين النخبة (سياسية وثقافية) وبين بقية الناس. وهذا التصنيف الذي يفرق بين فيروز وبين شعبان عبدالرحيم ليس تصنيفا فنيا وإنما هو تصنيف طبقي موروث عبر أجيال. فما يعجب الناس العاديين المكوجي والخباز والكناس عليك أن تزدريه حتى تنأى بنفس عن هذه الطبقة وتنسبها لطبقة الصفوة. وما يسمى بالفنان الشعبي اسمه الصحيح في الثقافة العربية الارستقراطية (فنان العوام) . وهذه النظرة الارستقراطية ما زالت نشطة وقوية في أذهان كثير من المثقفين العرب.
يقول شعبان عبدالرحيم في إحدى أغانيه:
خربت بيتي أنا بايديه حتى العيال هانوا عليه
لأني عصبي ومتسرع ما بقيت شايف بعنيه
أنا وأمهم ضيعناهم في كل مشكلة ننساهم
ولا هي كانت بتسامح ولا كنت يوم هادي معاهم
غير الدموع ما بقاش باقي وما عدش فيه رجعة نهائي
زرعت بايديه ورشيت والحزن غيره مانيش لاقي
البيت خلاص أصبح فاضي ومعدش فيه صوت لأولادي
ومشيت عنك مسافات ولا عدت ألاعب ولا أداري
شيوخ كثير وما تتعدش قالوا لي زوجتي ما تتدرش
عشان حلفت ثلاث طلقات يديك عليه ما تتمدش
صبحت غريبة علي يا ناس ما تحلليش من تاني يا ناس
بايدي ذوبت الاحساس والمر كله شربته في كاس
آدي العيال صبحوا ضحية بين الغضب والعصبية
وبكرة يطلع علينا كمان لو شافوا في الدنيا أسية
خلاص أدينا أتفرقنا والشر أخذنا وغرقنا.
لو أن هذه الأغنية ترجمت إلينا بعد أن غناها فرانك سيناترا الأمريكي لتبارى النقاد العرب والمثقفون وتناولوها بالدرس والتحليل في المجلات المحترمة والدوريات وأخذوا يعيروننا قائلين: انظروا الى الغرب كيف تطورت فيه الاغنية وبعدت عن أحبك وما أحبك: الأغنية في الغرب تعبير حضاري تعالج قضايا. تتحسس نبض الشارع وتغوص في قلب المجتمع وتعري هموم الإنسان. انظروا الى الفن في الغرب كيف يطرح القضايا اليومية عبر الفن عبر الأغنية عبر الصوت. الى آخر الكلام الذي تعرفونه.
لكن لأن الذي غناها المكوجي شعبان عبدالرحيم لعنوا سنسفيله.
لمراسلة الكاتب:yara4me@yahoo.com
|
|
|
|
|