| الاولــى
*
عشية هذا المساء تحل ذكرى اليوم الوطني التي تأتي في موعدها كل عام وعلى نحو مغاير عما سبقه إذ تزداد جمالاً وعلو شأن وتفاعلاً وطنياً معمقاً وتلك سنة التطور الرشيد الذي يكبر شأوه في المهج ويسمو بالقلوب المؤمنة.
وإن مرد تلك السمات أن ما أرساه الراحل العظيم جلالة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه من أسس راسخة متينة ومن منطلقات بناءة تحمل في طياتها عوامل بقائها، واستمرار نمائها، ومقومات تفاعلها لخير الوطن والمواطن بما شكل ويشكل أبعاداً حيوية متجددة .. مثل شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تراها دوماً مزهرة مثمرة وارفة الظلال.
ولذلك فإن من الطبيعي بحكم هذا التلازم الهام أن نقف لهذه الذكرى وقفة إكبار وتقدير لنستذكر ما كان عليه الآباء والأجداد من ضنك في العيش وفقدان للأمن، وما نحن فيه من خلال هذا الحاضر المشرق الذي نعيشه، وما يجب أن تكون عليه الأجيال الصاعدة وذلك لا يتأتى بالتمني والخلود إلى الاسترخاء المفرط وإنما يتحقق البناء والنماء بالفهم المتكامل وبالتخطيط السليم وبالعمل الجاد المخلص لنسير على منهج ابن سعود الراحل الكبير الذي قيض الله على يديه إقامة هذا الصرح الشامخ.
وفي هذا السياق يقول رحمه الله موجهاً خطابه للمواطنين (يجب أن تحرصوا على العمل، والعمل لا يكون بالتساند والتعاضد وإخلاص النية، والإنسان وحده لا يستطيع أن يعمل، وإذا عمل فيكون عمله ضعيفاً، والضعيف ضعيف على كل حال، ونحن نحتاج إلى القوة في كل شيء، وكلنا أمة واحدة عربية ديننا الإسلام ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والعرب قبلنا عملوا الشيء الكثير والتأريخ أكبر شاهد، والإسلام يحضنا على العمل (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم) ويجب أن يكون العمل خالصاً لله لا رياء فيه ولا نفاق ولا غش).
ذلك ما كان يوجه به رحمه الله وإن هذا المنهج القويم هو ما سار ويسير عليه خلفاؤه البررة الذين اقتفوا أثره فقاموا بالواجب خير قيام ولا نملك إلا أن نبتهل إلى الله ليكتب ذلك في ميزان حسناتهم.. كما نسأله جل وعلا أن يلهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز مزيد التوفيق والسداد ليستكمل ما عقد عليه العزم الذي ما انفك يعمل من أجله بكل قوة واقتدار وفي إطار منهج الإسلام وفق ما عبر عنه حفظه الله في إحدى كلماته حيث قال (إن الإسلام دين الكمال وعقيدة الرحمة ونهج الحياة الأمثل وقد عزت به الأمم والأقوام وتلاشت في نطاقه العصبيات والعروق والقوميات وانصهرت جميعها في بوتقة الإيمان المطلق بالله سبحانه وتعالى والوجهة الواحدة نحو وحدانيته والالتزام بقواعد شرعه وتمثلها في كل شأن من شئون حياتنا ومن حظ هذه الأمة أن اختارت لها الطريق الذي لا نضل بعده أبداً وهو طريق الهداية والنور والعرفان والمحبة والسلام والوئام والحرية والتكافل والتراحم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتوجيه والارشاد نحو طريق الحق والعدل والصلاح ومن هنا كان الإسلام دينا يعتمد العقل والمنطق ويؤسس قيمه ومثله على قواعد من الاحترام الكامل لآدمية الإنسان).
إن ما عبّر عنه الملك المفدى هو ما عهدناه في ولاة الأمر في هذه البلاد الذين لا يعرفون الكلل ولا الملل لأن رائدهم دوما هو الصلاح والإصلاح والمحافظة على المكتسبات وإحراز التقدم المنشود لمواكبة ركب الأمم المتقدمة وبدون افراط او تفريط لأن هناك ثوابت لم ولن نحيد عنها قيد أنملة لأنها ثوابت منبثقة عن العقيدة الإسلامية الخالدة التي نؤمن بها ونسترشد بهديها في كل شأن من شئون حياتنا ولا يأخذنا في ذلك لومة لائم لأن الحق أحق أن يتبع.
أما ما يتعلق بالمتغيرات في الاتجاه الايجابي البناء فبلادنا تأخذ بالاسباب وبخطوات علمية وعملية واثقة ويظهر ذلك بوضوح من خلال التنمية الشاملة التي تعم الوطن من اقصاه الى اقصاه وتفعيل البرنامج الاقتصادي هذا الملف الضخم الذي يشغل حيزاً عريضاً من اهتمامات صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الذي يضطلع به سموه وفقه الله ويتبين ذلك بوضوح من خلال الزيارات المتلاحقة التي قام ويقوم بها للعديد من دول العالم بهدف تمتين الروابط مع الدول الشقيقة والصديقة لمزيد من التعاون البناء ويندرج في ذلك زيادة فرص الاستثمار وجلب رؤوس الأموال وتسويق المنتجات السعودية وبما يسهم بالنتيجة إلى تعزيز الجهود الرامية للتوفر على نظام اقتصادي عالمي عادل تسعد في ظله الأسرة الدولية بعيداً عن المعوقات وبخاصة ما يندرج في مفهوم الإرهاب بكل أشكاله وصوره الذي ما برح سموه في كل مناسبة يحذر من مغبة استفحاله ولعل خير مؤشر على ذلك ما عبّر عنه في مؤتمر القمة الخليجية التاسع عشر الذي عقد في أبو ظبي بتأريخ 18 شعبان 1419ه، الموافق 8 ديسمبر 1998م حيث قال إنني أدعو جميع دول العالم إلى التعاون على مكافحة الإرهاب والعمل على وضع اتفاقية دولية في إطار الأمم المتحدة تكفل التعاون للقضاء على هذه الظاهرة) وبهذه الكلمات الموجزة فإن سموه في واقع الأمر إنما يعبر عن الخط السياسي لحكومة المملكة العربية السعودية الذي ينبثق من مرتكزات العقيدة الإسلامية السمحة التي تتسم بالحكمة والوسطية والاعتدال ومراعاة حقوق الآخرين وذلك هو الطريق الأمثل لتحقيق الأهداف الخيرة ولإحراز التقدم الإنساني المنشود الذي يهم كل المخلصين في كل مكان الذين يحثون الخطى نحو مستقبل أفضل.
|
|
|
|
|