| المجتمـع
تحقيق : هيفاء الشلهوب
يصيبنا المرض فنهرع للمستشفيات لعمل الكشف الطبي وتلقي العلاج اللازم، ووسط الشعور بالألم والأمل بالشفاء قد يتساءل البعض منا«إلى أين أذهب مستشفى حكومي أو خاص؟».
ومبعث هذا التساؤل هو البحث عن الراحة في عدم الانتظار طويلا وضمان تلقي العلاج المناسب.
ففي المستشفيات الخاصة نجد الكل يسارع لأداء عمله تجاه المريض وإدخاله سريعا على الطبيب فيشعر المريض أنه الوحيد في ذلك المتستشفى فيكون في راحة نفسية تامة، تنقلب تلك الراحة شقاء وتعاسة بعد ظهور نتائج الفحص في بعض الأحيان، فيجد نفسه مريضا بأمراض تتوجب العلاج الدقيق والعناية القصوى والرعاية التامة والحصول على أدوية قيمتها «تهز الميزانية شهوراً»، وفي بعض الأحيان يصرف للمريض دواء لا يمت للمرض بصلة مما يزيد من أعراض المرض أو يخلق أعراضا جديدة يقع فريستها المريض«وهذا ما حصلنا عليه من خلال استطلاعنا للموضوع» عدة أيام وربما أسابيع وشهور قبل أن يتم اكتشاف ذلك.
وفي المستشفيات الحكومية ترهقنا طوابير الانتظار«المميتة» التي تضاعف من أعراض المرض وتشعرنا بالتوتر النفسي، وقد نتلقى العلاج «في الحالات الاسعافية» في وقتها وقد نحصل على موعد بعد عدة أسابيع وربما شهور مع أن المستشفيات الحكومية يتم فيها اكتشاف بعض أخطار تشخيص المستشفيات الخاصة ولكن بعد معاناة مريرة مع الألم والانتظار.
من خلال الاستطلاع الذي قمنا به حصلنا على قصص واقعية لعدد من المرضى الذين كانت لهم رحلات طويلة بين المستشفيات الخاصة والحكومية:
رحلة الخوف
«نادية» سيدة في الثلاثينات من عمرها داهمها ألم مفاجئ في أحد جنبيها«وداخت السبع دوخات» في المستشفيات الخاصة بين وجود«حصوة في الكلى، وورم عليها، ونقط غريبة لا يعلمون ماهي، احتمال التليف، وأكياس دهنية» وعاشت حالة نفسية سيئة جدا وعند ذهابها لأحد المستشفيات الحكومية وبعد حالة من الخوف عاشتها أسابيع في انتظار النتيجة تبين أن ما تعاني منه التهاب في القولون تثيره بعض الأطعمة وصرفوا لها مهدئاً للألم وأمروها بإكثار شرب الماء وتجنب بعض الأطعمة!
العلاج الخاطئ
«أم عبدالله» أصابتها حالةغريبة من الرعشة والألم في كافة سائر جسدها ونوبات من الدوخة، كانت رحلتها مضنية مع المستشفى الخاص الذي جعلها تعيش حالة رعب وخوف على أبنائها من العدوى فقد شخص مرضها على أساس أنه«بكتيريا» معدية داخل الكبد و«أنيميا حادة» واحتمال وجود جرثومة في المخ يجب أن يجرى لها فحص خاص، وبعد تلقيها العلاج أصبحت الأعراض تزداد ولا تنقص إضافة لحدوث حالة من عدم التوازن عند حركتها، قصدت أحد المستشفيات الحكومية والتي كانت نتيجة الفحص فيها معاناة السيدة من أعراض«مرض نفسي» نتيجة للضغوط النفسية التي تتعرض لها في حياتها وتمت معالجتها بحبوب مهدئة للمعدة تساعد على تقليل الإفرازات الحمضية فيها والتي تسبب لها حالة من الحرقة تجعلها تشعر بالألم وتمت متابعتها في العيادة النفسية وهي الآن لا تشكو من شيء!!
موعد بعد أربعة أشهر
سيدة لازمتها نوبات ألم حادةجدا في كتفيها وظهرها جعلتها تعجز عن الحركة داخل منزلها أو القيام بأي نشاط جسدي، لها ملف خاص في أحد المستشفيات الحكومية قصدته وبعد الكشف الطبي اتضح أنها تحتاج لجلسات«علاج طبيعي» لأنها تعاني من شد في العضلات أخذت التحويل وذهبت لقسم العلاج الطبيعي الذي أعطاها موعدا بعد أربعة أشهر، نظرت للموظف مليا وقالت: هل يسكن الألم كل هذه المدة حتى يحين موعدي. نظر إليها ولزم الصمت بشكل تلقائي. وبحثا عن الشفاء قصدت أحد مراكز العلاج الطبيعي الخاصة، وكانت النتيجة احتياجها إلى«12» جلسة كل جلسة تكلف«150» ريالا للساعة«هي لا تستطيع تحمل كل تلك القيمة أخذت جلستين وتوقفت.
أليس من باب أولى أن تعطى هذه الفئة التي تحتاج للعلاج السريع باستثناءات تساعدها على تخطي الألم والتغلب على المرض، فالطبيب أعلم بحال كل مريض وهو أعلم بكيفية مساعدته.
حالات كثيرة مرت بمعاناة حقيقة بين أخطاء الفحوص الطبية وبين طول الوقت وانتظار الدور، إن كل فرد يصاب بمرض ويقصد المستشفيات يكون بحاجة للشعور بأنه موضع اهتمام فهذا الشعور يمنح المريض نوعا من الهدوء النفسي الذي يساعد في تخفيف حدة المرض.
كاد أن يموت بسبب عدم التشخيص السريع
تقول والدة الطفل«أحمد» طفل الثلاث سنوات ونصف خرجت به مسرعة الساعة الخامسة صباحا لشدة الألم الذي كان يعانيه«في البطن» في أول مستشفى حكومي قيل لي«التهاب في اللوزتين» أدى إلى احتقانهما ونزول الصديد إلى المعدة، بعد ثلاث ساعات في المنزل وسط صراخ وبكاء شديدين اصطحبته إلى المستشفى الآخر الذي قال بأنه مجرد مغص وصرف له مهدئاً، وبعد صلاة العصر عدت به أيضا للمستشفى الذي نفى وجود شيء خطير به، رجعت وأنا لا أعرف كيف أتصرف فهو يزيد من صراخه وبكائه. قصدت مستشفى خاص بالاطفال وكان رقم الدخول يتعدى المائة وعندما دخلت لإحدى العيادات الخالية أمرني طبيبها بالخروج فشرحت له حالة ابني ولكنه طلب مني انتظار الدور وأصبت عندها بحالة من الانهيار جعلني في حالة بكاء وأنا جالسة على الأرض فخرج طبيب آخر من عيادة مقابلة للعيادة الأولى وهب لنجدتي أنا وابني وحال نظر إليه أمر بعمل فحص للدم بشكل سريع وبعد مرور نصف ساعة تبين أن ابني يعاني من التهاب شديد في «الزائدة الدودية» يتوجب عليه عمل جراحة سريعة وتم تحويلي لمستشفى حكومي قام بإجراء تلك العملية بعد دخولنا بأقل من ساعة، موقف لا أنساه ماحييت.
مواقف متفرقة تدعو للاستغراب
* مستشفى خاص يقوم باستئصال اللوزتين لأربعة أشقاء خلال شهر واحد!!
* سيدة تدفع ما يقارب أثني عشر ألف ريال لعمل عملية استئصال المرارة في مستشفى خمس نجوم وبعد خروجها عاشت مع الألم فترة من الزمن وعند عودتها لهم أخبروها أنه لابد من عمل عملية أخرى لفتح بعض المسالك التي تعرضت للانسداد ولكنهم لايستطيعون فعل ذلك فهم لا يملكون الجهاز اللازم، فذهبت لمستشفى حكومي في حالة إسعافية تم خلالها عمل العملية وأنقذت حياتها.
* شاب يدفع عشرة آلاف ريال ثمنا لعملية في الركبة يعاني بعدها استمرار الالم، ويدخل في رحلة طويلة مع العلاج الطبيعي ليفاجأ بعدم تكامل ذلك الجهاز العلاجي داخل المستشفى مما اضطره للبحث عنه في مراكز أخرى مع تلازم شعوره بالألم.
* رجل ترهقه الآلام الجسدية في المعدة والقلب لا يتلقى سوى المهدئات، والإرهاق المادي.
* شاب يعطى الدواء بدون فحص طبي يجعله يدخل في طور شديد من المعاناة الجسدية، حتى يتم بعد فترة اكتشاف خطأ التشخيص الأولي.
لسنا بصدد التقليل من شأن المستشفيات الخاصة أو الحكومية أو توجيه اتهام لهما بالتقصير بل نحن نستعرض حالات واقعية حدثت لأفراد طالت رحلاتهم مع المرض وكانت أطول مع المستشفيات، ونطرح سؤالا هاما، هل يندرج الطب الخاص ضمن دائرة التعاملات التجارية حيث لابد من توفير رواتب العاملين وأجرة المستشفى وتوفير المواد الطبية دون مراعاة لحالة المريض وما يحتاج إليه؟
وهل كثرة الحالات المتدفقة على المستشفيات الحكومية أصابت بعض العاملين فيها بحالة من التعود على الشكوى المرضية جعلت البعض منهم يتعامل مع المرضى بشكل يخلو من قليل من الاهتمام؟
لقد وفرت حكومتنا الرشيدة احتياجات المستشفيات الحكومية بشكل يجعلها تقدم خدماتها للمواطنين على نحو كامل دون نقص أو تقصير، من كوادر طبية جيدة وأجهزة متقدمة وأدوية تصرف بالمجان..
إن الطب مهنة إنسانية في المقام الأول يقوم عليها أشخاص سخروا جهودهم لتقديم العلاج ومساعدة المرضى ووهبوا وقتهم لكل محتاج لهم يساعدهم في ذلك ملائكة الرحمة الذين يعتبرون اليد الحانية التي تقدم العلاج لمستحقيه.
|
|
|
|
|