| مقـالات
الصورة مرعبةٌ بلا شك، وما جرى يُعَدُّ من أضخم الأحداث التي شهدتها البشرية في هذا العصر، والحقيقة تظلُّ إلى أنْ يشاء الله مدفونةً تحت ركام الأنقاض في ذلك الموقع الكئيب.
الحدث الضخم هزَّ العالم كله، وأثار مشاعر الأسى والقلق والخوف على مستوى الكرة الأرضية، كما أثار الإحساس بالدَّهشة لما أوحى به من التخطيط والتنظيم واختراق حواجز الأمن في الدولة الأكبر في العالم ...
أحد الأفلام الأمريكيَّة المرعبة، ولكنه يختلف عن كل أفلام هوليود بأنه واقع مُعاش، ليس من ألاعيب المصوِّرين والمخرجين، والمباني فيه ليست صوراً وهميّة تظهر على الشاشة، ولكنها ناطحات سحاب ضخمة يعيش فيها آلاف البشر.
هنا «فلم» حقيقيّ، ما تزال كثير من العقول البشرية في العالم تُواجهه أحياناً بعدم التصديق.
أهكذا في لحظات قصيرةٍ من الزَّمن تتهاوى أبنية سامقة ضخمة ويتهاوى آلاف الضحايا، ويختلُّ الأمن في بلدٍ تنتشر قوَّاته في طول الكرة الأرضية وعرضها، ويهتزُّ الإنسان المتطوِّر المتحضِّر، الإنسان «السوبرمان» وهو يقف مشدوهاً أمام هذا الحدث العظيم؟!
سبحان الله ... أين الأجهزة الأمنية الدقيقة، أين أجهزة التنصُّت، ولاقطات الصُّور المعقدة التي لا ترحم حتى أسراب النمل اللاّهثة في طلب رزقها؟؟
ما بال تلك الصورة الهائلة أصبحت باهتةً أمام ركام مركزي التجارة العالميين في نيويورك؟؟
ما أضعف الإنسان، وما أكبر غروره وغفلته!!
لا شك أن وكالات الأنباء، ومحطَّات الفضاء، ومراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الاقتصادية، والنفسية و.. و... إلى آخر هذه الأسماء الطنَّانة قد أشبعت هذا الحدث وما زالت تشبعه، بل تُتْخِمه بآلاف الآراء، والتفسيرات والتخرُّصات والتأويلات ... والمغالطات، وسوف تظل هذه الجهات وغيرها تغوص في أوحال هذا الحدث الضخم حتى آذانها، تحليلاً وتأويلاً وادّعاءً إلى أن يشغلها حدث آخر.
ومع ذلك كلّه فما يزال هذا الحدث ضخماً جداً، ومرعباً جداً، وفيه من مواطن الموعظة والعبرة ما يحتاج إلى وقفات.
وعلى شاطئ الموعظة والعبرة سأقف، مبتعداً بقلمي عن كل ما قيل وما يقال عن أسماء المتَّهمين ونتائج المحققين، وتخمينات الدارسين والمتابعين عن السِّر الكامن في بطون تلك الطائرات التي تحطَّمت وحطَّمت غيرها في هذا الحدث الرهيب.
إنَّ العبرة من الحدث هي الأَولى بالاهتمام من بني الإنسان في هذا الزمان ...
أذكركم أيها الأحبة بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حينما وصف لها يوم الحشر الأكبر حيث يحشر الناس عُراةً لاثياب لهم وسألته رضي الله عنها بقولها: يحشر الناس عُراةً ينظر بعضهم إلى بعض؟ فأجابها بقوله «الأمر أكبر من ذلك يا عائشة»...
جملةٌ عميقة المعنى، ولربما قرأناها عشرات المرات وهززنا رؤوسنا تعبيراً عن التأثُّر بما قرأنا، ولكننا مع ذلك لم نتوقف أمامها توقف المتأمِّل المستشعر لدلالتها العميقة...
الناس عُراةٌ يوم القيامة وقد أصبحت الأرض قاعاً صفصفاً، وقد حدث فيها من الأهوال ما جعل الناس في ذهول، جبالٌ تهاوت حتى أصبحت كالصوف أو القطن المندوف، وأبنية شامخة أصبحت أثراً بعد عين وبحارٌ ومحيطات ضخمة غارتْ بعد أنْ كانت هائجة الأمواج مليئة بالمخلوقات البحرية العجيبة، أصبحت الأرض غير الأرض، وبرزوا لله الواحد القهَّار، هنالك تذهل كل مرضعة عَمَّا أرضعت، وتضع كل ذات حملٍ حملها، وهنالك ترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكنَّ عذاب الله شديد..
هنا كان الأمر أكبر وأعظم وأخطر من أن ينظر الناس في المحشر إلى بعضهم وهم عُراةٌ في ساحة العرض ... صورةٌ جليَّة يذكِّرنا بها القرآن الكريم في أكثر من سورة وآية ليلفت أنظارنا الغافية وقلوبنا الغافلة إلى هول ذلك اليوم حتى نعدُّ العُدّة له بالعمل الصالح والإخلاص لله العلي العظيم.
هنالك صورةٌ مصغَّرةٌ آلاف المرَّات رأيناها جميعاً رأيَ العين على وجه الأرض في مدينة من مدنها الضخمة اسمها «نيويورك»، كتلةٌ من المباني الضخمة فجَّرها أُناسٌ لا ندري مَن هم،وما أهدافهم، وكيف خططوا لما صنعوا، ولكنهم فعلوا شيئاً، أحدثوا في العالم هزَّةً هائلة، وضعوا سكَّان الأرض أمام صورٍ دامية مرعبة، سبحان الله العظيم...
نيرانٌ ملتهبة، ألسنتها الحمراء تمتد إلى كل ما يحيط بها، دخان يتصاعد ويتكاثف بشكل عجيب، أجسام تُلقى من الأدوار العلوية جداً فتلعب بها الريح في الهواء كما تلعب بالأوراق الطائرة، صراخٌ وعويل، بناءٌ شامخ يلتهب، ثم يدخل بعضه في بعض وكأن أذرعةً خفية تجرُّه إلى جوف الأرض، رجال ونساء وأطفال يصرخون ويلهثون وقد بدا على وجوههم أثر الرُّعب وبرز فيها من الهَلَلع والذُّهول ما أرهب كلَّ من نظر إليهم، آلاف يتراكضون لا ينظر بعضهم إلى بعض، الكل يبحث عن طريقٍ للنجاة ...
صورة صغيرة جداً إذا قيست بحجم صورة يوم القيامة، ولكنها تحمل بعض ملامحها وصورها وفق ما ورد عنها في القرآن الكريم..... هل هي إحدى صور التذكير بذلك اليوم العظيم لإنسان هذا العصر الغافل المشغول بلذائذ ومتع حياته الدنيا؟؟
هل هي توجيهٌ شديد لإنسان هذا العصر المغرور بنفسه، المخدوع بما أرشده الله إليه من مواطن القوَّة في الأرض، المعتد)ّ بعقله واختراعاته اعتداداً جعله يتمرَّد على ربه، ويكفر به، وينشر الفسق والفساد في الأرض، ويطغى ويظلم ويعتدي؟؟
إنها ذلك كلُّه وأكثر منه، ولكنْ أين أصحاب العقول الواعية، والقلوب النابضة والضمائر الحيَّة؟؟
نقاط للتذكير:
* نحن بما تعلّمنا من شرع ربنا لا نقرُّ مثل هذا العمل التخريبي الذي ذهب ضحيتَه آلاف الأبرياء من مسلمين وغيرهم.
* هذا الحدث الكبير يكفي لمراجعة النفس من قِبَل كثيرٍ من المسلمين المخدوعين بالغرب ومدنيته، المبهورين بمظاهره الخادعة.
* إلصاق التهمة بالمسلمين والعرب أصبح منهجاً غربياً واضحاً، وأسلوباً ثابتاً يثير القلق، ويدعو إلى الدراسة والتأمُّل، فكم من الأسماء التي طُرحت في قائمة الاتهامات تبيَّن لهم أنها بريئة وبعيدة عن مسرح هذا الحدث الخطير، فمن المسؤول عن هذا الاستعجال، ولماذا تحدث التهمة بهذه السرعة؟.
|
|
|
|
|