| أفاق اسلامية
إن العاقل هو الذي يعرف مصلحة نفسه وذلك بتمسكه بتعاليم هذا الدين الحنيف لأن هذا الدين يخاطب العقلاء ويحثهم على الاعتبار والتذكر وإن شكر الله على نعمه الظاهرة والباطنة يدل على العلم وكفر النعمة دليل على الجهل ولذلك كان من جهل قارون أنه قال:«إنما أوتيته على علم عندي» فكان الجزاء من جنس العمل. جهل مركب وتكبر وعناد فخسف الله به وبداره الأرض فلم تغن عنه أمواله بل كانت سبباً في هلاكه فجاءه الخطر من حيث المأمن ونحن بحاجة ماسة أن نتذاكر كي نشكر الله تعالى على نعمه الكثيرة وآلائه العزيزة التي نتقلت فيها ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً وكان أسلافنا وأجدادنا أعقل منا بكثير حيث شكروا الله على الأقل القليل مما نحن فيه لذلك كانوا يجدون الخير والبركة في حياتهم وأعمارهم وأموالهم وأولادهم و أزواجهم وقد حث الله على الشكر ووعد بالزيادة قال الله تعالى:« لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد»، وأمر الله أفضل ما في خلقه الرسل عليهم السلام بالشكر فقال« يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون»، وقال عن نوح عليه السلام «إنه كان عبداً شكوراً»، ولقد بين الله تعالى في القرآن عن قوم سبأ في اليمن ماذا فعل بهم عندما كفروا نعمة الله قال تعالى:« لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور، فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور» ، فصار أمر الجنتين عن اليمين والشمال بعد الثمار النضيجة والمناظر الحسنة والأنهار الجارية أن بدلت إلى شجر الأراك والطرفاء والسدر ذي الشوك الكثير والثمر القليل وذلك بسبب كفرهم وشركهم وتكذيبهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل وقد بين الله تعالى أيضاً ما فعل بكفار مكة لما كفروا بربهم وتنكروا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال: «وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون»، وقال الله تعالى «ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً» معناه التقرير أي: ان الله لا يعذب الشاكر المؤمن. والمعنى والله أعلم: ما يصنع الله بعذابكم ان شكرتم نعمه وآمنتم به وبرسوله وكان الله شاكراً للقليل على أعمالكم عالماً بنياتكم، وقال الله تعالى «والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون» فينبغي علينا أن نحمد الله عز وجل لأنه يستحق الحمد والمدح والثناء وأن نشكره على نعمائه التي لا تعد ولا تحصى وأن لا يقتصر الشكر باللسان فقط بل يكون بالقلب واللسان والجوارح لأن النعم كثيرة وعظيمة فاقتضت استيفاء الشكر. وحقيقة الشكر: اظهار النعمة والاعتراف بنعمة الله على وجه الخضوع قال الله تعالى«وأما بنعمة ربك فحدث» الضحى.
ومن أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم في الشكر: «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير» وقوله:«من لم يشكر الناس لم يشكر الله» وقد أسبغ الله علينا نعمة ظاهرة وباطنة نسأله أن يدعها وأن يلهمنا شكرها.
إن أعظم نعمة أنعم بها علينا نعمة الإسلام فقد سماها الله نعمة فقال:« اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» ونحن في هذه البلاد التي تميزت عن غيرها من بلاد المسلمين تقام فيها الشريعة الغراء وتقام بها كذلك شعيرتا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا سبب من أسباب الأمن الذي ينشده الناس جميعا حيث لا أمن ولا طمأنينة إلا بنشر العدل بين الناس وإقامة الحدود الشرعية التي أمر الله بها. وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى:« الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون». وقال :« الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور». وهذه الجزيرة لا يصلح فيها التسامح والتساهل عند ظهور المنكرات ولا إقامة ملل غير ملة الإسلام ولا سلطان غير سلطان الدين الحنيف فلابد من إقامة الأمر بقوة السلطان وفق شريعة الرحمن فقد ورد في الأثر عن عثمان بن عفان رضي الله عنه:« إن الله يزع بالسطان مالا يزع بالقرآن»، ولا بد من الأخذ على أيد السفهاء وأهل الشهوات والأهواء قبل أن ندعو فلا يستجاب لنا. وهذه البلاد حباها الله بما يميزها عن غيرها كونها قبلة أكثر من مليار مسلم ومحط أنظارهم ومهوى أفئدتهم وبها مسجد رسوله الذي يسن شد الرحال لزيارته وعلى أرضها تقام الشريعة السمحة ويلاحظ الانسجام التام والتعاون الخالص بين الآمر والمأمور وبين الحاكم والمحكوم لذا وجب« التنبيه والتحذير من كفر النعم» قال تعالى:« ألم تر الى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار» وقد ورد في التفاسير عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن هذه الآية فقال هم قريش أحلوا قومهم دار الهلاك بإعراضهم عن الإسلام وتكذيبهم الرسالة ومن في حكمهم ولقد قرأت كتيباً عظيم الفائدة بعنوان:«سر دوام النعم» للكاتب الأمير« فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود» وفقه الله ونفع بجهوده لخدمة الإسلام والمسلمين وكان بحثاً مفيداً في موضوع الشكر وقد ذكر أن الشكر ترك المعصية، وسئل الحسن عن الاستدراج فقال: ذاك مكر الله بالعباد المضيعين، ونرى الكثير يجاهر بالمعاصي ليل نهار وعصوا مولاهم بنعمته ولم يستحوا«إذا لم تستح فاصنع ما شئت».
محمد بن مرضي الشمراني
هيئة محافظة خميس مشيط
|
|
|
|
|