أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 21st September,2001 العدد:10585الطبعةالاولـي الجمعة 4 ,رجب 1422

الثقافية

قصة قصيرة
دموع الكتب
تناولت طعام العشاء، وحان وقت النوم، فتوجهت إلى غرفتي لأنام. فتحت باب الغرفة والظلام قد عم أرجاءها، أدخلت رجلي اليمنى، ولكن، ما هذا؟ إني أدوس على شيء.. كأنه كتاب! هل هو كتاب فعلاً؟.. أضأت النور، فإذا به كتاب وقد رسم على غلافه عين تدمع، انتابني شعور غريب، حملت الكتاب بسرعة ورفق، ضممته إلى صدري، وسال المدع من عيني. أنا آسف ياكتاب.. أنا آسف. لم أقصد أن أؤذيك، سامحني.. سامحني ارجوك. ليس هذا مكانك. لقد أخطأ من وضعك هنا. لابد أنه لايعرفك، ولذا لم يعرف قدرك، لم يعلم أنك مكان حفظ كل العلوم، وأنك مصدر المعارف، ومنبع العلم، لم يعلم انك شيخ الأساتذة، ومع ذلك فإنك بتواضعك لاتتكبر على التلاميذ كأمثالي حتى أنك لاتحقر من لايستطيع أن يكتب اسمه، بل وترحب بكل أحد لينهل منك علماً و معرفة.
ياكتاب.. كف عنك هذه الدموع: فإن كانت دموعك بسبب ذلك الذي لم يعرف قدرك، فلقد اخبرتك جهله، ولعله يوماً ما يعرف خطأه. وإن كانت دموعك بسببي، فقد اخبرتك خبري، أني لم أعلم بك، واني لم اقصد ايذاءك، وها أنا ذا مستعد لما تأمرني به عقاباً لي على فعلتي، فما مثلك يهان ولو بالخطأ.
أخذت منديلاً لأمسح دموع الكتاب، ولكنها أبت أن تزول فانقبض قلبي.. الكتاب لايريد أن يسامحني. لماذا؟؟ لماذا لا تسامحني؟! كم مرة أوصيتني بالتسامح، وكم مرة أوصيتني بالعفو عند المقدرة.. لماذا الآن أنت لا تسامحني؟.. سامحني ارجوك خطئي جسيم، ولكنك عفو كريم.. أعدك أن لا اعود لخطئي مرة أخرى. لأسكننك مكاناً يليق بمكانتك يامن اخبرتنا عن تاريخ الماضي وعلومه، وواقع الحاضر وهمومه، وبعض المستقبل وغيومه.
لأسكننك مكتبةً ذات ابواب، لاتليق إلا بالاحباب، من مثلك يا أعز الاصحاب، فخير جليس في الزمان كتاب. ثم إني لأعدك أن لاتصل إليك يد جاهلٍ ما وصلك، فأنت أعز وارفع وارقى من أن تصلك.
هممت بوضع الكتاب في أحد أدراج المكتبة حيث المكان اللائق به، ولكني تذكرت دموعه، فحاولت مسحها من جديد. ثم إني فتحت الكتاب فقرأت فيه:


«دع الدمع إن الدمع منهمر
زال عزي، وغيري اليوم آتي

لِمَ الدمع ياكتاب؟ ولم ينهمر؟ وعلى ماذا؟.. لإن جهل قدراك الجهلاء، فلقد علمه العلماء، ولإن استغنى عنك الضعفاء، فلقد استعان بك الاقوياء. ثم من قال إن عزك قد زال، وكيف يزول عزك والعز يستمد عزته منك. ومن غيرك الاتي هذا اليوم؟ وهل يستطيع أن يحل محلك!، بل هل يستطيع أن يحاول منافستك.. ياكتاب انت الكتاب وكفى. ثم لماذا هذا التشاؤم؟ أولست من علمني التفاؤل والامل، أولست من علمني كيف أخوض الصعاب؟ تابعت أقرأ في الكتاب:«نعم.. كنت أعز بكثير.. أما اليوم فقد صار عزي غنيمة تقاسمه الآخرون، فكل قد أخذ بنصيب وافر، فالصحافة باشكالها قد نالت نصيباً وافراً من القراء، وهي تستحق ذلك.
ولكن ماذا عني أنا؟! المذياع وأشرطة التسجيل صار لهما نصيب أكبر، حيث لاحاجة لارهاق البصر، وطول النظر، لابل لاحاجة لان تعرف القراءة والكتابة. ولكن ماذا عني أنا؟! التلفزيون صار هو الاسد في غابتنا، نصيبه أكثر بكثير، من الكبار والصغار.. آه.. كم أموت غيظا حينما أراه يغلبني على الصغار، فيأخذهم مني، ويبعدهم عني. فهم مغرمون به. ولكن ماذا عني أنا؟! وجاء الحاسوب لينفس عن المتمللين من ما سبق، يقضون عنده الساعات وهم لايشعرون. ولكن ماذا عني أنا؟! ثم جاء من وراء التلفزيون «الدش اللعين، ومن وراء الحاسوب الانترنت البغيض. ولكن ماذا عني أنا؟! أنا الكتاب.. أنا الكتاب.. أنا الكتاب..»
نعم.. أنت الكتاب، وكفاك فخراً أنك الكتاب، ليعرفن قدرك جاهله رغماً عنه، إن عاجلاً أو آجلا.
بكل حب أغلقت الكتاب.. ماهذا؟؟ مازالت دموعك على غلافك!!.. بكل قوة اقتلعت الغلاف من الكتاب، لأخلص من دموعه، ثم نظرت في خلف الغلاف المخلوع فقرأت..«أرأيت أرأيت يا صاحبي.. لقد تعلمت مني التفاؤل والامل.. وغيرها كثير، ولكنك لم تواصل معي المشوار، لذا لم تتح لي الفرصة لأعلمك الحلم، لذا أنت أحمق حينما صدقت أن الدموع التي على الغلاف هي دموع الكتب!!«آه.. كم أنا بحاجة إليك يا كتاب. وكم انت صادق بقولك، فدموع الكتب تحس ولا ترى..
فهل سنحسها أم...؟.
عبدالرحمن الخريف - بريدة

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved