| مقـالات
لم يكن يوما غير عادي في بدايته، فنسمات الهواء العليل التي تخترق أوراق شجر التفاح تداعب وجنات أسراب من الناس يمتطون سياراتهم في هذا الحي الهادئ نحو أعمالهم ومدارسهم وجامعاتهم في ظل أجواء من الأمن الذي هو سر حياة ونمو أي مجتمع. وما كادت عقارب الساعة تتجاوز التاسعة بقليل حتى أخبرني أحدهم أن أمريكا تتعرض لهجوم من خلال طائرات مختطفة. في أول الأمر تصورت أن الأمر يتعلق بطائرة تسقط فوق مبنى، وما هي إلا لحظات شاهدت فيها التلفاز ورأيت ما لم يمكن تصديقه وما يمكن أن يكون ضرباً من الخيال لم تدركه عقول هوليوود المشهورة بتصويرها لمثل هذه الكوارث الافتراضية. لقد هوجمت أمريكا من مأمن لم تتوقعه، وهذا خلاصة أي تفسير لما جرى.
برج التجارة العالمي الذي كان منارة من منارات الدنيا ومعالمها الذي يقصده ملايين السياح يتحول إلى ركام من الرماد يحترق وتحترق تحته أشلاء الأبرياء.وزارة الدفاع الأمريكية التي كانت مصدر ثقة العالم ومركز حمايته بصفتها تمثل أعظم دولة في هذا العالم تحترق أيضا، ومع الدخان المتصاعد يتطاير الإحساس بالأمن في عالم يمكن أن ينهار في لحظة ومن مصادر شريرة غير معلومة. شيء من الغرابة بحيث يحتاج الإنسان معه إلى أكثر من عقل حتى يصل إلى تصور لماهيته وأسلوب تنفيذه ومن يقف وراءه؟ وستظل الأسئلة حيرى ردحاً من الزمن قبل أن يكشفها جهاز التحقيق الفيدرالي.
حشود الجيران من المشدوهين تفترش الأرصفة والحزن هو العلامة البارزة على كل الوجوه. لا أحد يستطيع تصديق أو استيعاب ما جرى فلأول مرة تقف امكانات هذه الدولة العظمى عاجزة عن حماية الأبرياء والمقدرات والقيم والكرامة. ولو اتفقت دول العالم جميعها على مهاجمة أمريكا من كل حدب وصوب فإن حجم الدمار الذي كان سيلحق بأمريكا سيكون أقل من الذي حدث بكثير ذلك أن لدى هذا البلد ما يحمي به أراضيه من أي عدوان عسكري أجنبي بيد أن ما حدث كان مفاجأة غير متوقعة وخطة شيطانية لا تعرف الإنسانية إلى منفذيها طريقاً، فأي قلوب تلك التي تفجر طائرات مشحونة بالأبرياء فوق أبرياء يمارسون عملهم اليومي في أمان؟ أي قانون بشري يمكن أن يجيز هذا العمل الشيطاني البشع؟
لقد كانت الصدمة من الهول بحيث اتجه المؤمن والكافر والملحد إلى الله طلباً لحمايته ورغبة في لطفه، ولقد كانت المذيعة الأمريكية تتحدث في ألم عن الرب والتوجه إليه حاثة حتى الذين لا يؤمنون بوجود الرب أن يعرفوا أن هناك ربا يحمي الناس. لقد بدأ الارتباك والحزن والأسى واضحا على الجميع في أمريكا، وحتى هذه اللحظة لم يستوعب الناس ما يحدث وربما يتوقع البعض أنه مجرد كابوس لا يلبث أن يذوب مع اطلالة خيوط الفجر الأولى. إن الشارع الأمريكي يلتف وحتى لحظة كتابة هذه المقالة حول أجهزة التلفاز محاولاً استيعاب ما يحدث والهدوء يلف كل الأمكنة. أما العرب والمسلمون الأمريكيون فإنهم يعتبرون هذا هجوما على جميع من يعيش على التراب الأمريكي، ولا نملك إلا الشعور بالحزن العميق على ما يحدث ومشاركة هؤلاء الناس عميق مشاعر الحزن التي تخيم عليهم فالفاجعة كبيرة وكبيرة جداً.
والأسئلة التي لم يجب عنها حتى الآن كثيرة جداً وهي ليست عن المدبر لما حدث إذ سيكشف غموضه عاجلا أم آجلا، ونسأل الله ألا يكون مسلماً أو عربياً، فالأمر ليس فعل حرب بين قوتين عسكريتين، إنه اغتيال فاشي للأبرياء من النساء والأطفال وتدمير للحضارة والمدنية والاقتصاد العالمي وكل ما هو جميل في عالمنا. إنه عمل وحشي يرفضه الإسلام وتعافه النفوس الكريمة ولا يمكن أن يقوم به من في قلبه وازع من إيمان. أقول إن الأسئلة المحيرة تتمثل في الطريقة التي سربت بها الأسلحة إلى داخل الطائرات؟ وحجم الأسلحة؟ والعملية الاتصالية بين الرادار والطائرات التي غيرت مساراتها الطبيعية وتوجهت نحو أهدافها بكل دقة؟ وما إذا كان الطيارون الأمريكيون الذين يقودون الطائرات قد استجابوا للخاطفين وضربوا الأهداف بطائراتهم وأجسامهم وعظام ركابهم؟ أم أن المهاجمين كانوا هم الذين يقودون الطائرات؟ لا أعتقد أن طياراً مهما كانت قوة تحمله من عدمها يمكن أن يدمر بلاده ويقتل الأبرياء تحت أي تهديد. وإذا علم الطيار أنه ميت، وأنه لا مجال لمحافظته على أرواح ركاب طائرته فإنه سيكون من الشجاعة بحيث يوجه طائرته إلى البحر أو إلى مكان خال ويسقطها فالموت واحد لاشك. أسئلة كثيرة ستجيب عنها الأيام ولكن وإلى ذلك الحين لابد من تعامل سكان هذا الكوكب بالكثير من التعاون شعوبا وحكومات ولابد من تطبيق معيار عادل في التعاون والتعامل مع قضايا العالم في ظل حاجة الناس بعضهم إلى بعض وحتى يتم قطع الطرق على من يهدد استقرار هذا العالم أياً كانت هويته وعرقه ودينه.
اشنطن
|
|
|
|
|