عزيزتي الجزيرة:
الحمد لله الذي حكم بالفناء على ما شاء من عباده. وتفرد هو بالبقاء والدوام وأحمده حمدا يليق بجلاله وعظمته لا إله غيره ولا معبود سواه. وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين إمام الأولين والآخرين.. أمّا بعد:
يا غائبين وفي الفؤاد لبعدهم
نار لها بين الضلوع ضرامُ
لاكُتُبكم تأتي ولا أخباركم
تُروى ولا تدنيكم الأحلامُ
نغصتم الدنيا عليّ وكلما
جد النوى لعبت بي الأسقامُ
ولقيت من صرف الزمان وجوره
ما لم تخيله لي الأوهام
يا ليت شعري كيف حال أحبتي
وبأي أرض خيّموا وأقاموا
ابني محمداً رحمك الله ودّعتك الثرى في يوم الاثنين 15/6/1422ه راضيا بقضاء الله وقدره محتسبا للمثوبة من المولى تبارك وتعالى فلقد كنت نعم الابن البار بوالديه العطوف على اخوانه كنت دمث الاخلاق متواضعا ليس للكبر إليك سبيل. لقد بذلت جهدي في تربيتك على معالي الاخلاق حتى صرت مضربا للمثل في ذلك هذا ما احسبك والله حسيبك. وهذا ما يشهد به معلموك طوال ست سنوات. لقد كان موتك فاجعة لي ولأهلك. وأساتذتك ومحبيك. لما يعرفونه عنك ولله الحمد من حسن السيرة والمنهج استجبت لنداء المولى جل وعلا وانت في طريقك لصلاة الفجر.
ان لم تقرِّح أدمعي أجفاني
من بعد بعدكم فما أجفاني
إنسان عيني قد تناءت داركم
ما راقه نظر الى انساني
مالي وللأيام شتت صرفها
حالي وخَلاَّني بلا خِلاَّني
ما للمنازل اصبحت لا أهلها
أهلي ولا جيرانها جيراني
ولقد قصدت الدار بعد رحيلكم
ووقفت فيها وقفة الحيرانِ
ابني محمداً لقد رأيت تلك الجموع التي انهالت لتصلي عليك من كل حدب وصوب. لقد صلت عليك تلك الجموع ثلاث مرات ولله الحمد والمنة. فالاولى في جامع الامام فيصل بن تركي رحمه الله حيث اكتظ الجامع بالمصلين وشيعوك بعد الصلاة الى المقبرة والثانية تلك الجموع الغفيرة التي كانت تنتظرك في المقبرة فصلت عليك ثانية والثالثة بعد دفنك فهذا مما يخفف مصابنا ويجبر عزاءنا. ويقوي إيماننا بالله تعالى ورحم الله الامام أحمد حيث يقول لصاحب البدع موعدكم الجنائز .
ابني محمد كنت اعدك ذخرا بعد الله تعالى وعونا لي في هذه الحياة فاخترقتك يد المنون وانت لم تبلغ العشرين بعد.
يا كوكبا ما كان أقصر عمره
وكذاك عمر كواكب الأسحار
وهلال أيام مضى لم يستدر
بدرا ولم يمهل لوقت سرار
عجل الخسوف عليه قبل أوانه
فمحاه قبل مظنة الإبدار
فكأنَّ قلبي قبره وكأنَّه
في طيّه سرّ من الاسرار
ابني محمداً إني احتسب مصابك عند الله تعالى وأدخرك ثقلا لميزاني يوم تطيش الموازين وإني لاظهر التجلد والصبر والسلوان امام الشامتين.
وتجلدي للشامتين أريهم
أني لريب الدهر لا أتضعضع
وإني اعرف انه لا راد لقضاء الله تعالى اذا نزل فمن عرف الله هانت عليه مصيبته
ولقد أرى أن البكاء سفاهة
ولسوف يُولع بالبكاء من يُفجع
وليأتين عليك يوم مرة
يُبكى عليك معنفاً لا تسمع
ابني محمداً استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه:
وما فارقتني طوعا ولكن
دهاك من المنية ما دهاك
فيا من غاب عني وهو روحي
وكيف اطيق من روحي انفكاكا
تعزُّ علي حين أدير عيني
أُفتش في مكانك لا أراكا
ختمت على ودادك في ضميري
وليس يزال مختوما هناك
فيا قبر الحبيب وددت أني
حملت ولو على عيني ثراكا
ولازال السلام عليك مني
يُزفّ على النسيم إلى ذراكا
ابني محمداً. أعلى الله درجاتك في الجنة وثقل موازينك وجعلك مع الصديقين والشهداء والصالحين وختم لك بالشهادة والسعادة.
لعمرك ما بالموت عار على الفتى
اذا لم تصبه في الحياة المعاير
وما أحد حيّ وإن عاش سالما
بأخلد ممن غيبّته المقابر
وكل شباب أو جديد إلى بلى
وكل امرىء يوما الى الله صائر
ولا أملك إلا أن أقول حسبي الله ونعم الوكيل لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ولا حول ولا قوة الا بالله وصلى الله على نبينا محمد.