| نادى السيارات
*
ولد البروفيسور فيرديناند« فيري» بورشه« 19091998»، الذي تم في العام الماضي تكريمه في مهرجان جوائز القرن للسيارات في مدينة لاس فيجاس، وعشق السيارات يسري ويخفق في دمه. ففي عام 1948 الذي شهد إنتاج أول سيارة من طراز 356، قال فيري بنغمة متواضعة «إننا لم ننفذ بحثا ميدانيا عن السوق، ولا بحثا حول المنتجات.. إنما قمت بكل بساطة باستحداث سيارة أحلامي، واضعا في اعتباري ان الاخرين سيشاركونني في هذا الحلم». وبكل تأكيد لم يكن فيري يضع في حسبانه مدى واقعية هذه الكلمات المعبرة التي لا تزال تأخذ صداها الواسع على أرض الواقع مرة تلو أخرى.
وفي يوم 25 ابريل 1931 ، قام والد فيري العبقري فيرديناند بتأسيس شركة بورشه كيه جي «كشركة متخصصة في تصميم المركبات البرية والبحرية والجوية وتقديم الخدمات الاستشارية المتعلقة بها. وقد اخذ فيري على عاتقه مسئولية قيادة الشركة نحو النمو والتألق لتصبح واحدة من أفضل الشركات العالمية الرائدة في مجال هندسة السيارات والمتخصصة في إنتاج السيارات الرياضية الفاخرة ذات الجودة الفائقة. ومنذ ان قام بتصميم طراز 356 في عام 1948، كان هدف فيري الشخصي يتمحور حول استراتيجية طموحة تهدف إلى جعل بورشه بمثابة نجم لامع في سماء عالم السيارات، وهذا ما استطاع تحقيقه فعلا.
بدايات متواضعة
عندما ولد فيري بورشه «تلفظ بورشه وليس بورش» في عام 1909 في النمسا، كان والده يعمل كمدير فني لشركة استترو دايملر التي أصبحت مرافقها ومكاتبها بمثابة ملعب بالنسبة لفيري. لم يكن فيري مولعا بألعاب الأطفال بقدر ما كان مولعا بمشاهدة عمال المصنع وهم منهمكون في أداء مهام عملهم وسماع رنين القطع المعدنية طوال اليوم.
وفي عام 1923، انتقلت عائلة بورشه إلى شتوتجارت حيث اصبح البروفيسور فيرديناند بورشه مديرا فنيا لشركة داملر بنز. وأصبح مركز السيارات بجنوب ألمانيا بمثابة المنزل الثاني بالنسبة لفيري.
وبدأ فيري العمل مع والده عندما قام بتأسيس شركة بورشه. وكان العقد الأول لهما يحمل رقم 007 ليعطي انطباعاً بأنه لم يكن المشروع الأول. وكان هذا العقد بشأن إنتاج سيارة مجهزة بمحرك سعة لترين لواندرر«wanderer» وقد أدى نجاح هذه السيارة إلى تكليف بورشه بالقيام بتصميم سيارة جديدة يصل وزنها الأقصى إلى 750 كيلو جراماً وذلك للمشاركة في سباق جراند بركس. وقد لعب فيري شخصيا دورا بارزا في تصميم المحرك ذي الوزن الخفيف والمجهز بست عشرة اسطوانة ذات شحن عالٍ ونظام التحكم في الصمامات والمثبت خلف السائق مباشرة. ويعتبر موقع المحرك موقعا قياسياً ومثالياً بالنسبة لجميع سيارات فورمولا واحد الحديثة.
ولم يكن يعرف الكثير من الناس ان فيري قد قام شخصيا بتنفيذ العديد من التجارب الأولية لقيادة السيارة، حتى أعلن والده في يوم من الأيام مخاطبا إياه قائلاً إن مجال عملك هو هندسة السيارات، وانك جيد في هذا المجال. إذن عليك أن تستمر فيه. لدي عدد كاف من السائقين، ولكن لدي ابن واحد فقط.
وفي جنح الظلام الدامس وتحت وطأة الخوف والجزع من الحرب في عام 1943، انتقلت عائلة بورشه المتأثرة جداً بسبب العيش في المخابئ من مدينة شتوتجارت الألمانية المدمرة إلى مدينة جموند حيث استأنف فيري وعدد قليل من زملائه نشاطهم مرة أخرى.
سيارة «بورشه» الأولى
وبعد انتهاء الحرب، قرر فيري إنتاج سيارته الرياضية الخاصة التي أصبحت بمثابة أول سيارة من طراز بورشه. لقد بدت فكرة استحداث سيارة رياضية جديدة غالية الثمن في بلد دمرته الحرب بمثابة مسألة غير عقلانية ومنطقية من الناحية التجارية. إلا أن فيري كان لديه رؤيه مميزة ونظرة ثاقبة مختلفة. فهو سيقدم سيارة مثالية يمكن قيادتها في المنافسات و كذلك على الطرق الاعتيادية في المدن. إن هذه المعادلة قد أثبتت واقعيتها وصحتها على مدى أكثر من خمسين عاماً.
وإلى جانب الخطط التي حددها في عام 1939 بشأن إنتاج سيارة خفيفة الوزن وصغيرة الحجم وتعتمد على سيارة فولكس واجن حيث لم يكن متوفرا في ألمانيا في تلك الفترة إلا أجزاء وقطع فولكس واجن، أضاف فيري إلى قائمة المتطلبات تقنية زيادة سرعة الانطلاق، والثبات والاستقرار الجيد على الطريق، والفرامل القوية التي لا تضاهى.
ويعتبر طراز 356 أول سيارة تحمل اسم بورشه، وقد تم إنتاجها في يوم 8 يوينو 1948. وكانت هذه السيارة تتميز بهيكل إطاري أنبوبي، وجسم مصنوع من الألمنيوم، ومحرك فولكس واجن سعة 131. 1 لتر مزود بأربع اسطوانات ومثبت في الخلف. واستمرت فولكس واجن في توفير قطع الغيار اللازمة لإنتاج سيارة بورشه 356.
وأنتجت الشركة اثنتين وخمسين سيارة من طراز 356 في جموند وذلك قبل عودة الشركة إلى شتوتجارت حيث تم استئناف الإنتاج مرة أخرى في عام 1950. وفي بادئ الأمر بلغ إجمالي المبيعات 500 سيارة من طراز 356، واستمرت الشركة في إنتاج هذا الطراز لغاية عام 1965 حيث تم إنتاج أكثر من 000. 78 سيارة. ولا تزال بورشه تواصل سياسة المحافظة على الطراز والاستمرار في إنتاجه، وهذا ما يتجلى بكل وضوح من خلال سيارة بورشه 911 حيث يصادف هذا العام ذكرى مرور ستة وثلاثين عاما على بدء إنتاجه. وفي عام 1950، بدأت بورشه تصميم محركها الخاص.
ومنذ الأيام الأولى، استقطبت بورشه الاهتمام واكتسبت العديد من العلماء المرموقين في جميع أنحاء العالم بما في ذلك أمير السويد برتل الذي نبذ سيارته بوجاتس القديمة واستبدلها بسيارة بورشه 356، والأمير عبدالمنعم من مصر العربية الذي كان في كل عام تقريباً يشتري الطراز الجديد.
سيارات متخصصة
أصبحت أبطالاً
وفي عام 1951، وقبل وفاة البروفيسرو فرديناند بورشه بوقت قصير، تم اعتماد بورشه كشركة متخصصة في إنتاج السيارات الرياضية. ومنذ عام 1948، انهمك فيري في مهمة هامة تمثلت في تعزيز حضور ومكانة بورشه كمنتج متميز وذلك من خلال تطوير خدمات العملاء والتسويق وزيادة وتيرة تطوير المنتجات عبر سباقات السيارات.
وبعد المشاركة الأولى لسيارة بورشه والفوز الرائع بسباق لي مانز في عام 1951، أصبح اسم بورشه مرادفا للنجاح في عالم السيارات الرياضية. ومنذ عام 1970، فازت بورشه بسباق لي مانز العالمي المرموق ست عشرة مرة، فضلا عن تحقيق الفوز في السباقات الكلاسيكية الأخرى. وفي عام 1986، أصبحت سيارة بورشه 959 ذات الدفع الرباعي أول سيارة رياضية تفوز بسباق باريس داكار الصحراوي.
وتتميز بورشه على مضمار جراند بريكس بالجاذبية الملحوظة والفاعلية الكبيرة، وقد حرصت الشركة على نقل جميع التعديلات والتحسينات التي تجرى على طرازات السباق إلى السيارات الموجودة في المعارض. وتميزت سيارة بورشه بالعديد من التجهيزات الديناميكية المتطورة بما في ذلك جهاز شحن التوربو الأول، وأقراص الفرامل المهواة من الداخل، و التصميم الفولاذي الأحادي الكتلة للمقصورة الذي يضمن سلامة الركاب، والمحركات ذات عزم الدوران العالي، وفرامل بورشه السيراميكية المركبة التي تم استحداثها مؤخرا، والعديد من الأنظمة والتجهيزات التي تعتبر غير ممكنة بالنسبة للأشخاص الذين اقتصرت تجاربهم على قيادة سيارات الصالون وسيارات ستيشن واجن. وفي الواقع ان كل هذه التجهيزات المتطورة ظهرت في سيارة بورشه قبل أية سيارة أخرى.
التراث العريق يتواصل
قام البروفيسور الدكتور فيري بورشه باستثمارات كبيرة في عمليات التطوير الجديدة، وبالتالي استطاع ان يحقق سمعة عالمية ممتازة لبورشه باعتبارها شركة خاصة مستقلة متخصصة في إنتاج السيارات الرياضية وسيارات السباق المتطورة تقنيا. وفي عام 1972 انسحبت عائلة بورشه من الإدارة المباشرة للشركة، وفي نفس العام تم افتتاح مصنع بورشه في «ويسخ» التي تقع غرب شتوتجارت. وتتميز ويسخ بشهرة عالمية باعتبارها مركزا للبحوث والتطوير، حيث يتم تنفيذ 30% من إجمالي البحوث والأعمال نيابة عن الشركات الأخرى المتخصصة في إنتاج السيارات وكذلك الشركات الصناعية الأخرى.
ولا يزال العمل مستمرا لإنشاء مصنع متخصص في مدينة ليبزج الواقعة شرق ألمانيا حيث ستقوم الشركة باستثمار أكثر من 54 مليون دولار في إنشاء المباني وتركيب الأجهزة والآلات اللازمة لإنتاج سيارة بورشه Suv ذات الاستعمالات المتعددة والملائمة لمخلتف الطرق.
لقد وصف زملاء ورفاق فيري بورشه صاحب القامة القصيرة والجهد المخلص الفعال بأنه شخص متواضع ولطيف ومعسول اللسان. وكانت وسائل الإعلام الألمانية تطلق على فيري صفة «الرئيس المتواضع» بصفته قائدا للشركة. وكرئيس لمجلس الإدارة الإشرافي بالشركة، استطاع من وراء الكواليس أن يقود بورشه كشركة عائلية، وعمل «كمحكمة الاستئناف النهائية» بالنسبة للشركة حتى بعدما استقال من منصبه في عام 1990م وظل فيري بورشه متقلدا لمنصب الرئيس الفخري لمجلس إدارة الشركة حتى وافاه الأجل في عام 1998م
وقد تم تكريمه في الحفل الذي اقيم في لاس فيجاس الذي تم فيه تكريم فيري بورشه باعتباره مهندس القرن في عالم السيارات، وتم ترشيح بورشه 911 باعتبارها سيارة القرن. إنه أمر يبعث على الحزن حقا حيث ان الأسطورة الدكتور البروفيسور فيرديناند ايرنست بورشه لم يكن حاضرا هناك لاستلام شهادات التكريم، غير أن الاسطورة تبقى متجددة وحيوية والتراث العريق يظل متألقا.
|
|
|
|
|