أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 20th September,2001 العدد:10584الطبعةالاولـي الخميس 3 ,رجب 1422

محليــات

لما هو آت
لكِ وحدكِ 66 نوَّارة...
د. خيرية إبراهيم السقاف
لا أدري ما أقول لكِ، وقد تَعَفَّرتُ بيأس الأيام، ولحقني من الليالي زفير الآهات...
والأوجه أمامي كلُّها انكفأت تتعذَّر للثَّرى...
كيف لا ألفظُ يأسي في نَفَسٍ يتقطَّع كما حشرجة الفناء...، ووجهي لا يعود يقابل وجهي...، فالنَّاس كلُّ النَّاس، قد سحقت كافَّة المرايا كي لا ترى وجوهها...، فقد تغيَّرت معالمها...، غيَّرتْها تربة اليأس، وغبار الآهات...، وألمُها طوى كلَّ الخاصرات، حتى استوى الجنب إلى الجنب، في اضمحلال الجوع، إلى رواء البقاء...،
أتدرين يانوَّارة أنَّ منعطفات الضَّياع، قد رصدت لحظات بَدْءِ الارتماء، في جوفها، كي تلمَّ ما تلمُّ من الوجوه، من الأقدام، من جباهٍ عفَّرها اليأس، فزاحمتني في لوعة البكاء؟...
أيُّ سرٍّ فيكِ يا نوَّارة، وأنتِ تأتينني في اليقظةِ كما تفعلين في المنام...؟!،
تكونين مرآتي، بعد أن سحقها اليأس، فأرى ما خبَّأته لوعة الغربة، في فناء الفناء...، فأهرولُ نحوكِ، ألتمسُ الفضاء...؟!...
أيَّ مساحاتِ تبسطين لي...؟، وقد تكوَّر الزَّمن، والمكان، في زوايا الانزواء؟...
يا نوَّارة...
أتعهدين بزمنٍ لم تعدْ فيه للوجوه حياةٌ، ولم يعد فيه للعيون مُضاءٌ؟...
كيف كفَّت الأبصارُ؟
كيف تعطَّلت الأسماعُ؟
كيف شُلَّت الشِّفاه؟
كيف يا نوَّارة يصمت الإنسان؟، فيصرخ التُّراب؟...،
ما أقول لكِ؟... والنُّفايات بقايا الوجوه، وقطعٌ من أجزاء الكلام...؟...
ما أقول لكِ؟ والأكفان تنبسط...، فإذا هي البسيطة تحتضن الأقدام؟...
يا سيدتي:
أعزِّيكِ في مماتي؟
أم أهنِّئكِ بحياتي؟
أم أُسمعكِ جوقة الرَّحيل، لآخر ضحكات الشِّفاه؟... أم أُريكِ بوتقة الصَّهر لأجزاء الجباه، والأقدام؟...
هذه الأيدي تجمَّعت... كي تزفَّ آخر الأطراف نحو مقابر الانتهاء...
ماذا أقول لكِ يا نوَّارةُ عنكِ؟ وأنتِ الحظيَّةُ باحتفال الزَّمن...، حين كنتِ، وحين ذهبتِ...، لم يكن قد تكاتف، كي يحمل الرَّمق نحو السَّراب...!
حتَّى إذا ما خلوتُ وحدي...
حتى إذا ما اجتمعوا فرادى...
انفرجت مقابر المدى، كي تدسَّ فيها الآمال، وكافَّة الأحلامِ، وصهيلَ الأماني، وسرورالغرور، وتيْمة الاغتراب...
أيُّ غربة، تركتِها يانوَّارة، قد فتحت فمها، تلتهمُ بقيَّة الابتسام، حتَّى إذا ما رأيتِ باسماً، أدركتِ أنَّه يعالجُ الهزيمة في سحق الفناء، لآخر رمقٍ في تابوت الخيبة، وضياع الرَّجاء...
أيُّ سرٍّ فيكِ يا نوَّارة، وقد أَخَذْتِ في طيِّكِ، آخر رهجةٍ للضحكة، وغادرتِ بها نحو بُعْدٍ أمدِيٍّ، لا تعودُ معه بارقةٌ، ولا تأتي بعده عابَرةٌ...
ودَّعْتِ آخر لحظة فرحٍ معهم...
كانوا يتحسَّسون جباههم، ووجوههم...، يأملون، ولكنَّهم في خيبة، حتَّى اليأسُ يائسٌ من يأسهم...
وأنتِ: جليَّةٌ تبرقين، سيدةٌ تبسمين،... ما عهدتِ زمن الفناء لأجزاء الجباه...،
ولا لوعة الفقْد لبقايا المرايا...، ولا يأس الأيام يعفَّر الأمنيات...،
وأنتِ: طاويةٌ فيكِ، ومعكِ، بوارق المزون...، وسديل الأديم...، ونبضة الاعتداد...،
وماذا يا نوَّارة، والإنسان يستجدي البقاء؟...
أيٌّ سرٍّ فيكِ..، يا زهرة الزهور، في أودية، الرَّحيل، نحو محطَّات البقاء...
وأيَّ سرٍّ فيكِ وأنتِ من هناك، تكونين هنا، تبلسمين تعفُّرِ الجباه،وترسلين تراتيلكِ لحماية تأتي من مدى الأبد...، في شغف الإجابةِ تتمتمين: وحدي من يفهمكِ...، ووحدكِ من لايُعفِّركِ اليأس، ولا تنزوي بكِ مرآتكِ...، ولا تكتسحكِ زفرات الليالي...، ولا غبار الأيام...
ما أقول في حضرة الابتهال، غيَر الصَّمت...، فهو وعاء النَّطق، حين لا يكون غيركِ، من يُشعل فتيل العودة، من غياب الغربة، وعنفوان التُّراب...؟!...
دثِّريني في برد تراتيلكِ...
كي أستعيد شيئاً من المرايا...
كي أمحوَ يأس الأيام، وأذِّوب زفير الآهات...
كي يسجِّل الثَّرى...، براءته من الأوجه...، وتعتلي أرضيَّةَ الدعاء...لسماءالإجابةِ..بالرجَاء..

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved