| الثقافية
البحر بالنسبة لها عشق دائم ولكن.. ! تخاف من المجهول عندما تلملم الشمس أشعتها الذهبية مغادرة إلى أوطان بعيدة...!
تذكرت هذا الخوف عندما كانت تطالع تلك الأوطان في كتاب الجغرافيا.. عندما كان يصفعها ذلك التساؤل .. كيف يسافر الناس إلى الأوطان البعيدة؟
أعادها إلى منظر البحر صوت المؤذن من المسجد القريب من الشاطئ... رددت مع المؤذن وهي تتأمل أشعة الشمس المنعكسة على الطائرة فوق البحر...!. نعم.. إنهم لم تغرب بعد.. ! إنه الاختفاء.. أين..؟ في الأوطان البعيدة.
وقفت...! وحينما همت بمغادرة الشاطئ.. سمعت إمام المسجد وهو يقرأ«لكل أجل كتاب.. الآية» .. تذكرت الخوف وهي تلتفت إلى ناحية الشمس لعلها تدرك المجهول ...!!! عبر بوابة النصيب.. كانت على موعد مع الخوف..! نعم الكل يثني عليه ويمدحه.. الطموح لديه كبير وينتظره مستقبل زاهر.. هذا مصدر القلق...!..
تدرك أن مثل هذا الشاب ليس لسفينته حدود..! ولكن.. أين؟ خلف البحر...! هل هو هناك ذلك المستقبل الزاهر..؟ ربما..!!.. ستمضي الأيام سريعا.. ستكونون مشغولون بالدراسة .. ! ستأتون في الاجازات انه مجتهد سوف يختصر المدة المقررة للدكتوراه.. كانت تلك وسائل الإقناع لكي لاتفوتها الفرصة من الزواج من عادل.. هل أحمل معي مدائن الخوف..؟ أم اخبرهم بما يعتصر داخلي؟ نعم.. أعرف أن الكل يقف خلف أسوار هذه المدائن...!
سقطت وثيقة السفر من يدها وهي تعانق والدتها.. هل أنت خائفة..؟ ربما.. والدموع تغسل لون الوداع الأسود.. توكلي على الله يابنيتي.. الهاتف بيننا ..
في داخل الممر الموصل إلى الطائرة همست ولأول مرة.. عادل.. عادل.. إني خائفة!! إنها من أحسن الطائرات...!.. لم يدرك معنى الخوف..!!
على مقاعد الدرجة الأولى الفسيحة.. عادل يشرح لها عن الطائرة والرحلة وكم تستغرق وعدد المطارات التي سوف يتوقفون فيها.. الجامعة.. الدراسة.. الأمان في تلك المدن.. التفتت نحو نافذة الطائرة..
وبحركة غريبة.. شهقت.. أعادها إلى مدائن الخوف.. أشعة الشمس الذهبية وهي تسطع على أجنحة الطائرة..
تذكرت شاطئ البحر.. صوت الإمام .. صعقها تساؤل عادل.....!
هل أنت لازلت خائفة..؟
بصوت مبحوح.. نعم.. ولكن لا مجال للتراجع..! قالتها بصوت غير مسموع..!
تذكرت تلك التقارير التي ترد في التلفاز عن الجرائم في هذه المدن بعد غروب الشمس.. تمنت أن تصل إلى السكن المعد قبل الغروب.. الحمد الله على السلامة.. قالها عادل وهي مشغولة بإغلاق النوافذ بإحكام وكذلك الستائر..!.. لماذا ألهذه الدرجة أثرت عليك تلك التقارير..؟ إنها من أقوى المدن كنظام بوليسي..! إن الهواتف متصلة بالشرطة مباشرة.. ولكن.. كل كلمات عادل لم تزرع الأمان في داخلها..!
منذ شهور عديدة لم تعرف فيها زرقة البحر ولا أشكال المطاعم.. عادل مشغول بالدراسة نهارا وهي ترفض الخروج بعد غروب الشمس..!
أسقط في يدها عندما أخبرها عادل ان اليوم عطله وسوف يقضونه خارج المنزل..! ليس هناك مبرر للرفض.. منذ وصولهم إلى مهاجع الخوف لم تخرج معه في نزهة رومانسية..! المكان هادىء.. العاملون به.. سحنتهم عربية.. نعم أنهم أتراك... هكذا قال لها عادل.. كانت لحظات جميلة على الرغم من القلق الراكن خلف قلبها.. لقد كانت خائفة من أن تنتهي وجبة الطعام.
عشرون دقيقة فقط من هذا المطعم الجميل إلى المنزل.. قالها عادل وهو يلتفت إليها.. قالت جميل ياحبيبي ولكن كم هي بالسنين عبر مدن الخوف..؟ ضحك عادل.. وهو يقول أتدرين ماذا؟ أتوقع أن تعودي إلى الوطن وحيده..
خلف باب المنزل علقت حجابها وهي تتمتم.. الحمد لله.. التفتت نحو عادل وهي تتأمله..!
أليس لديك خوف.. ألا تدرك عدم وجود الإيمان.. ألا تدرك انتشار المخدرات.. أليست المادة هي المسيطرة عليهم.. انهم..!
ليست الوحيدة من مدن البلاد البعيدة التي يعبر فيها الموت الشوارع ليلاً.. ولكن..!
أين إيمانك بقوله تعالى« أينما تكونوا يدرككم الموت.. الآية».
نعم ياحبيبي.. هذا هو سر الخوف..! لم أعتد مواجهة الموت وحيدة.. وكذلك أنت..! على الكنبه المواجهة للتلفاز كانت هناك مصادمات لتلك الإنفعالات حينما سمعوا خبراً عن الجريمة في الشارع الخلفي لمنزلهم راح ضحيته أحد الغرباء...!
هل لديك الرغبة بالشاي المنعنع.؟ قالتها وهي تقوم نحو المطبخ..! لم تدرك معنى هذا التصرف..!.
قد يكون الهروب من مدن الخوف.. أم رغبة في قتل القلق.. أم ....!
قطع عليها عادل التفكير وهو يربت على كتفها.. هل أنت خائفة من الموت..؟
لم يكن السؤال مفاجأة.. بل كان هو المتوقع منه وهو يدرك مدى خوفها..
لا ياحبيبي..! ولكن طريقة الموت نفسها.. بعيدا عن مرافئ الأمل.
نظرت إليه بنظرة خاطفة .. قرأت مدى خوفه عليها.. أدركت أنه يريد انتزاع الخوف من جذوره.. لذلك.. همست بصوت حنون.. ماذا بك...؟
ألا تودين الإتصال بالأهل منذ مدة لم نتصل عليهم..؟.. لايهم متى وقت التخفيض للمكالمات..! المهم راحة النفوس...!!
حملت الشاي وهي تردد الوقت غير مناسب ولكن غدا نهاية الأسبوع.. إنها فرصة..! التوازن النفسي كان المطلب الإساسي من خلال البحث عن هذه الشريكة التي كانت تدرك معنى الغربة وعن المدن البعيدة التي تسرق أشعة الشمس..!
أثار عادل تساؤله لعله يقتل الخوف في دقائق الزمن التي سبقت كأس الشاي.. ماهي قصة شاطئ الغروب..؟ لم يدرك أنه في سؤاله هذا فتح الجرح....!
ردت بصوت حزين... الرهبة من المدن البعيدة.. لم تكن الحلم ولكن....!!
وفي الدقائق الأخيرة من الليل أفاقت وهو يقفل المنبه ويتأهب لصلاة الفجر.. كانت في حالة فزع... تعوذت من الشيطان الرجيم...! ما هذا...!!؟
إنه حلم مزعج...! ولكن.. أين ذلك الشاطئ إني أعرفه ...؟ وطائر النورس.. لقد إختفى .. لقد حذرته من مدائن الخوف.. تلك التي تسرق أشعة الشمس.. أعوذ بالله.. قامت إلى مصلاها في الغرفة المجاورة.. أدت الصلاة.. نظرت إليه أعجبها بطول سجوده! جهزت الإفطار والشاي والقهوة والتمر لجعلها مفاجأة هذا الصباح الجميل.. نادت... عادل .. عادل.. القهوة جاهزة... لماذا لا يجيب..؟ أهو إلى النوم.... أم..!!
لا يزال على سجوده الشمس تذرع الأفق.. عادل.. والخوف يملأ تجاويف الحروف.. ما أن لمسته حتى سقط على جنبه.. صرخت... لقد عبر الموت من هنا...!
مدن الخوف تعيد الصدى.. الحزن يختلط بالخوف يتشكل كتلة من الوجوم على محياها الجميل.. جلست.. على شاطئ الغروب.. أدارت رقم الهاتف إلى مواطن الأمل.. أمي..!! هل لك أن تخبري أبي بأن يأتي ليحمل الأمل من دهاليز المدن المخيفه...؟
وسقطت سماعة الهاتف...!
عبر الممرات الموصلة من الطائرة إلى صالة القدوم.. تسمع الصدى.. إنها شهور .. تلك هي الفاصلة بين الخوف وضياع الأمل..
أين صاحب هذه الوثيقة؟ كان هذا التساؤل كالخنجر من مسئول الجوازات .... ذهب مع طائر النورس خلف أشعة الشمس.. إلى! وانهمرت الدموع..!
جلست على سجادة الصلاة تودع الأمل وتستقبل المعزين ويبقى شاطئ الغروب محفوراً بالذاكرة..!
dalo46@yahoo.com
|
|
|
|
|