| الاقتصادية
* الرياض الجزيرة
أثار تفجير الطائرات التي اختطفها الارهابيون بمركز التجارة العالمي في نيويورك وبالبنتاغون واشنطن يوم الحادي عشر من هذا الشهر دهشة العالم، تعتبر هذه الحادثة أشد الكوارث التي واجهتها الولايات المتحدة خطورة في تاريخها، وان عواقبها وتأثيراتها لا تقدر، خاصة الصدمة القوية التي أحدثتها في الاقتصاد الأمريكي المتراجع، وقد وضعت وسائل الإعلام الأمريكي هذه الحادثة والحرب الأهلية الأمريكية بين الجنوب والشمال وحادثة بيل هاربول «ميناء اللؤلؤ» على قدم المساواة، وفي اليوم الثاني عشر أشارت «جريدة أمريكا اليوم» بعنوان كبير إلى ان «الهجمات قد تدفع الاقتصاد الأمريكي إلى مزيد من التدهور»، كما ذكرت ال«واشنطن بوست» ان «تمثال الرأسمالية قد اختفى الآن تماماً»،
أحدثت هذه الهجمة خسائر مباشرة خطيرة جدا، حيث ان مركز التجارة العالمي هو ناطحة سحاب في جزيرة ماهدون تم بناؤها في سبعينات القرن العشرين بتكلفة زادت عن المليار ومائة مليون دولار أمريكي، يعمل في المركز، بشكل اعتيادي دائم، أكثر من 50 ألف شخص بينما يتردد عليه يومياً ما يقارب ال150 ألف شخص، وقبل شهرين فازت شركاتا عقار بحق الاستئجار لبرجي المبنى بما فيه السوق الواقع تحتهما عبر مزاد علني بثلاثة مليارات ومائتين وخمسين مليون دولار أمريكي، وان اشهر البنوك العالمية مورغن «ستانلي» تيان خوي هي من أكبر المستأجرين في هذا المركز، حيث استأجرت 25 طابقاً يعمل فيها أكثر من 3500 موظفا، ، برجا المبنى يعتبران مكان تجمع للقوى التجارية العالمية، فعدا الشركات الأمريكية والكندية العملاقة هناك أكثر من 1200 شركة مستأجرة من أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية وافريقيا واستراليا وغيرها، فبالانهيار المفاجئ للبرجين اللذين أحدثا رقماً فلكياً من الخسائر في الممتلكات فكيف لنا ان نقدر عدد الآلاف الضحايا التي سقطت جراء ذلك؟،
انزلت هذه العملية الهجومية ضربة قاسية بثقة الأمريكيين، خاصة ثقتهم بتنشيط الاقتصاد، إذ ان مركز التجارة العالمي يمثل رمز القوة الاقتصادية الأمريكية، وهو في نظر الكثير من الأمريكيين بمثابة «تمثال تطور الرأسمالية الجبار» غير ان هذا التمثال تحول في رمشة عين إلى انقاض وخراب، فكيف لا يتألم الأمريكان عليه؟، لكن الأمر الأشد خطورة هو وقوع «مصيبة كبرى في فترة تعيسة» فمنذ النصف الثاني من العام الماضي والاقتصاد الأمريكي في تراجع، والشركات الأمريكية تعاني من قلة الأرباح وتخفيض عدد العاملين فيها، ولم تبلغ نسبة نمو الاقتصاد الأمريكي في الفصل الثاني من العام الماضي سوى 2، 0% وبلغت نسبة البطالة في آب الحالي 9، 4% فألقت هذه العوامل بشبح القلق على ثقة المستهلكين، يرى الخبراء الاقتصاديون ان هذه الهجمة المباغتة «تكفي لزيادة زعزعة ثقة المستهلكين إلى حد يدخل الاقتصاد الأمريكي في مرحلة هبوط وتراجع»،
إن هذه الهجمة سوف تحدث تأثيراً سيئاً على بورصة وول ستريت، فبعد معاناته من «كارثة» العام الماضي، يعاني السنة من ضغوط متكررة، وفي اليوم الحادي عشر والثاني عشر من هذا الشهر اغلقت بورصة نيويورك للأوراق المالية وبورصة ناسداك للأوراق المالية وغيرهما من أسواق الأسهم المالية أبوابها، وأعلن قادة إدارة أسواق الأسهم المالية الفيدرالية وقادة أوساط الأوراق المالية في نيويورك عن ان سوق الأسهم المالية سوف يبقى معطلاً في اليوم الثالث عشر أيضاً، فقط سيفتح السوق الحكومي للسندات المالية أبوابه يوم 13/9، والجدير بالذكر انه لم يسبق لبورصة نيويورك للأوراق المالية وان اغلقت منذ إنشائها عدا مرتين: الأولى، عند بدء الحرب العالمية الأولى، في الفترة ما بين 31 تموز حتى 14 كانون الأول من عام 1914م، والثانية فترة الركود الاقتصادي المطقع من الرابع إلى الرابع عشر من اذار 1933م، وبغنى الحديث عما أحدثه اغلاق سوق الأسهم من خسائر في التجارة مباشرة، إلا ما ترتب على ذلك من تأثيرات سلبية يصعب تصورها،
إن هذه الهجمة أسفرت عن ايقاع خسائر فادحة في العديد من القطاعات، في الخطوط الجوية والسياحة والتأمينات، ، إلخ، فقد تم اختطاف اربع طائرات أثناء رحلاتها في يوم واحد، وأوقعت خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات، وهذه سابقة لم تحدث في تاريخ الولايات المتحدة، وفي صباح يوم الحادي عشر أصدرت الوكالة الأمريكية للطيران المدني أمراً يوقف جميع رحلاتها، علما ان اجمالي الدخل القومي لجميع شركات خطوط الطيران الأمريكية قد بلغ في العام الماضي 3 مليارات و570 مليون دولار، أما موعد استئناف الخطوط الأمريكية لرحلاتها الجوية بشكل اعتيادي فمن الصعب التكهن به، عقب المحللون في قطاع الطيران المدني قائلين بأن قطاع الطيران المدني الأمريكي أصلا في هبوط مستمر منذ عامين، وجاءت هذه الحادثة لتأثر عليه بصورة أشد ولربما أكثر من تأثيرات حرب الخليج، ومن الطبيعي ان تتأثر كل القطاعات التي على علاقة بالطيران المدني كقطاع السياحة، فالسواح من الأمريكيين وغيرهم يحتلون نسبة كبيرة من المسافرين جوا، ونحن كصحفيين دائماً ما نشعر بأن الطائرات الأمريكية لا تختلف كثيراً عن الباصات، فالمسافر بدون امتعة لا يعتبر متأخراً حتى وان وصل المطار قبل اقلاع الطائرة بعشر دقائق، غير ان 266 راكباً حولوا إلى قنابل بشرية في هذه العملية الهجومية، فهل من جرأة لدى المسافرين جوا بعد اليوم؟، ، ان مثل هذه المخاوف أدت إلى جروح نفسية يصعب التئامها في فترة قصيرة، إضافة إلى ذلك أصبح قطاع التأمين العالمي يواجه خطر الانهيار أمام الخسائر الجسيمة الناتجة في الأرواح والممتلكات، آلاف القتلى علاوة على برجي مركز التجارة العالمي والأربع طائرات وممتلكات الشركات التي لم يتم احصاؤها بعد علاوة على السيارات العديدة التي دمرت، البعض من الخبراء يقدر الخسائر المادية بشكل أولي ب10 مليارات إلى 15 مليار دولار أمريكي، وهناك من يقدرها بأكثر من ذلك بكثير، من المحتمل جداً ان تتجاوز قيمة التعويضات عن الخسائر التي أدى إليها اعصار انجلو عام 1992 والتي بلغت عشرين مليار دولار أمريكي،
من الجدير بالذكر ان الإدارة الأمريكية قد اتخذت من جديد إجراءات من أجل تنشيط الاقتصاد وسوق الاسهم المالية، وعلى الرغم من وجود كل من رئيس منظمة احتياطي البنوك الفدرالية غرينسبان ووزير المالية اونر كانا خارج الولايات المتحدة عند وقوع العملية الارهابية، إلا ان فريق مواجهة الطوارئ للأسواق المالية التابع للرئاسة الأمريكية والذي شكل عقب عاصفة سوق الأسهم المالية عام 1987، بدأ عمله على الفور، وقام المسؤولون المعنيون بالتشاور السريع واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة التطورات، حيث تولى نائب رئيس احتياطي البنوك الفدرالية زمام الأمور في واشنطن وأبقى على اتصالات مباشرة لحظة بلحظة مع غرينسبان وغيره من المسؤولين، وفي الوقت الذي توقفت فيه غالبية أجهزة الإدارة الأمريكية عن العمل استمرت منظمة احتياطي البنوك الفيدرالية في عملها دون توقف ولو للحظة، وعلاوة على ذلك قامت المنظمة بفتح «نافذة حسم الكومبيالات» لتلبي حاجة البنوك للأموال، كما ان العديد من الشركات الكبرى في مركز التجارة العالمي قد سبق لها وأن أعدت «خططاً لمواجهة الكوارث»، فقد صرح كل من بنك موغن وصندوق النقد اوبنهيمر بأن نسخاً عن المعلومات الخاصة بزبائنه موجودة في أجهزة كمبيوتر بالولايات الأخرى، ولن تكون هناك أية خسائر مالية لزبائنه،
هناك آراء متفاوتة بين الشخصيات من مختلف الأوساط حول مستقبل تطور الاقتصاد الشامل وسوق الأسهم في الولايات المتحدة، يرى المتشائمون منهم ان عملية الهجوم الارهابية لم تؤد إلى اضطرابات في الولايات المتحدة فحسب، بل أحدثت صدمة قوية في الاقتصاد العالمي، حيث شهدت اسواق الأسهم المالية في أوروبا وآسيا وأمريكا اللايتينية هبوطا حادا وان اسعار النفط والذهب في الأسواق الدولية بدأت ترتفع بشكل سريع، فبعد استئناف النشاطات التجارية في وول ستريت، ستشهد أيضاً هبوطا حادا، إذ ان ثقة المستهلكين اصيبت إصابة حادة قد تؤدي إلى تراجع وهبوط في الاقتصاد الوطني الأمريكي
، أما الحذرون من الخبراء يرون ان سوق الأسهم المالية قد يمر في فترة قصيرة من «الفوضى»، غير ان الكارثة السياسية ليس بالضرورة ان تؤدي إلى كارثة اقتصادية»، فحرب الخليج وحادثة انفجار مدينة اوكلاهوما «لم تؤديا إلى كارثة مالية لفترة طويلة»، فمادامت الإدارة الأمريكية تواجه الوضع بهدوء، وخاصة إذا ما اتخذ الرئيس بوش اجراءات فعالة، لرفع واذكاء معنويات الأمريكيين، فبالإمكان ليس تجنب «كارثة سوق الأسهم المالية» والتدهور الاقتصادي فحسب، بل من المحتمل أن يخلق من ذلك فرصة لانعاش الاقتصاد،
|
|
|
|
|