| مقـالات
عاشت أمريكا أجواء الحرب صباح الثلاثاء 11 سبتمبر 2001م، وكانت الحرب «مباغتة» موجعة مثيرة للأعصاب، مدمرة للممتلكات، مربكة للمؤسسات العسكرية والمدنية.
العجيب أن تلك الحرب «المباغتة» والتي مازالت «لغزاً» استطاعت ان تصفع «العملاق» الأوحد في القوى العالمية «الولايات المتحدة الأمريكية» التي تمتلك أكبر مقدرات العالم مدنياً وعسكرياً، كما أنها مع سرعة تنفيذها فهي لم تدم أكثر من ساعة فتّتت البنية التحتية لأمريكا وألغت الكثير من المفاهيم والقناعات السائدة دولياً والتي من ضمنها أن لأمريكا «آمنة» وأنها «محمية من البحار» وأنها تستطيع معرفة مايدور على وجه البسيطة وأنها تستطيع أن تفك شفرات العالم وأنها القوة التي تملك قوى ذاتية تفوق الحسبان.. وأنها وأنها إلى آخره.. تهاوت تلك المفاهيم وغيرها بتهاوي برجي مركز التجارة العالمي على يدي طائرتين مدنيتين ربما لايملك من نفذ العمليات إلا قوة بشرية فقط وشيئاً من الأفكار التي تدور في الأذهان تجاه الحياة.
رأى العالم شيئاً مذهلاً ومؤلماً حل به بدون مقدمات، والعقول الكبيرة التي يرجع إليها العالم لحل أزماته حارت في فهم ماحصل.. وكيف حصل!
ربما من المفيد أن نذكر في هذه المقالة بعض العموميات والملاحظات التي واكبت الحدث.
إنه حدث مؤلم لا كالأحداث فمن يصدق أن أربع طائرات مدنية تأخذ على عاتقها تغيير مسار العالم، نعم تغيير مسار العالم فما يحدث لأمريكا يمس شرايين العالم بأسره، ومايحدث في أمريكا ينتشر في العالم شرقه وغربه، شماله وجنوبه، وأمريكا قادرة على أن تحمل العالم إلى ماتريد بدون كلفة كبيرة.
أين جحافل الجيوش الأمريكية؟ أين أسراب الاستخبارات الأمريكية؟ أين بطاريات الدفاع الأمريكية؟ أين القدرة على استشراف المستقبل في أمريكا؟ أسئلة كثيرة حائرة ومحيرة ألقت بظلالها على أثر الهجوم على أمريكا يوم «الثلاثاء الأسود».
استيقظ المؤرخون الذين كادت الجامعات أن تنساهم بل فكر بعضها في إلغاء هذا التخصص «التاريخ» استيقظوا وبحث العالم عنهم ليفسروا في ضوء أحداث الماضي ماحدث لأمريكا يوم «الثلاثاء الأسود» وكأن «الأمة الأمريكية» نشاز لاتعتريها الأمراض التي تصيب الدول والشعوب والحضارات ولاتهرم ولا تخطئ، بل وكأنها تعيش في كوكب قواه وأمراضه مختلفة عما يحدث لبني الإنسان في كوكبنا الصغير، إنها أمريكا التي توجّه العالم في البحار والبراري والأجواء، وتستطيع التصنت على الزعماء والصعاليك فهي السميعة البصيرة التي توثر ولا تتأثر.
أصبح العالم على «اكتشاف» لا على «فاجعة» فحسب: اكتشفوا الحضارة الأمريكية من جديد، واكتشفوا التكنولوجيا من جديد.
اكتشف العالم أن أمريكا دولة كغيرها من دول العالم تعتريها الآفات، وتنغِّص عليها المؤامرات، ويعيش على اراضيها من يحاربها، ويمكن لأعدائها إيذاؤها من خلال مالديها من وسائل عسكرية ومدنية، اكتشف العالم نقطة الضعف في أمريكا بعد أن عاشت على أوهام قواها المختلفة التي لاشك أنها كثيرة وباهرة ومؤثرة، إلا أن نقاط الضعف قد تكون قاتلة ماحقة.
اكتشف العالم أيضا أن الإنسان «لغز محيِّر» يمكن أن يكون «جبّاراً» ويمكن أن يكون «قنبلة هيدروجينية» ولو كان وديعاً أو نحيفاً أو مريضاً، لاتستطيع الدول مهما أعطيت من القدرات وملكت من القوى أن تقرأ عقول البشر، وهذا ما حصل لمن نفذ العمليات بصرف النظر عن مستوى تعليمهم أو مدخولهم الاقتصادي او مقاصدهم، او توجهاتهم السياسية، وانتماءاتهم العرقية؟ استطاع أولئك الناس «المجهولون» ان يغيروا مسار العالم، وأن يلغوا الكثير من القوانين والأنظمة والعادات التي سادت لعقود بل لقرون، استطاعوا ان يدخلوا حرباً مع القطب الأوحد «بشروطهم» بدون قواعد عسكرية وبدون ميزانيات فلكية وبدون إعلام مؤثر وبدون مهارات خاصة لاتوجد عند غيرهم سوى إرادة عجيبة غريبة.. لاوزن عندها لماتعارف الناس عليه في حياتهم، إنهم قلة «مجهولة» ومع ذلك استطاعت خلاياهم أن «تدخل» الحرب وأن «تربحها» في أقل من ساعة وهم غير مكترثين بالعواقب وهذا «نوع جديد» من الحروب لايمكن أن يفهمه الغرب الذي يسير في الغالب وفق سياسات مدروسة وحسابات محدّدة، دخل المجهولون الحرب من أبواب مختلفة «غير مشرفة» ربما لأن ليس لديهم مايخسرون وربما لأن حساباتهم مختلفة عن العالم، وهذا التفسير الأخير أقرب إلى الواقع والفهم.
اكتشف العالم صباح الثلاثاء 11/9/2001 أن التكنولوجيا لايمكن الاعتماد عليها وأن الإنسان هو الأساس، تهافت برجا مركز التجارة العالمي بما فيهما من تكنولوجيا لأن «حفنة من البشر» قررت تصفية المركز، كذلك اشتعلت النيران في أكبر معقل عسكري في العالم وبقيت النيران مشتعلة فيه أكثر من «50» ساعة لأن «حفنة من البشر» قررت ذلك، أين وسائل الاتصال الحديث؟ لماذا لم تستطع التكنولوجيا حماية مصدرها وممولها؟؟ ثم أين القدرات التكنولوجية الأمريكية من أجهزة الإنذار المبكر.. لقد ذابت واضمحلت بقرار من حفنة بشرية انتحارية مازالت مجهولة الأسماء والسمات.
عاشت أمريكا أجواء الحرب ودب الرعب والخوف وأغلقت البورصات المالية وتوقف الطيران على أجواء أمريكا ونصح الرئيس الأمريكي بعدم المبيت في «البيت الأبيض» ونزل الجيش إلى الشوارع، وأخليت وزارة الدفاع ووزارة الخارجية من الموظفين ووو الخ.. إنها أجواء حرب عالمية ثالثة، والمشكلة الكبرى أن ليس هناك عدو واضح، أمريكا تحارب من؟ لا جواب ومازال السؤال حائراً.
أعلنت الرئاسة الامريكية الحرب في المقابل ولكن الحرب كانت على المجهول وما أصعبه من وضع لايحسد الرئيس بوش الابن عليه!
نعم أعلنت امريكا الحرب وهي تريد من العالم «المتحضر» أن يشاركها في حربها ضد «المجهول» الذي غزاها «على شروطه» وهي تريد من العالم الإسلامي أن يشاركها في حلف ضد «الإرهاب» أين يتجه العالم وكيف يمكن أن تستقيم أموره؟ وأمريكا التي تتزعمه تغزى في عقر دارها، ثم تعلن الحرب على المجهول!
المؤكد أن هناك فاجعة والمؤكد أن هناك فراغاً سياسياً وفكرياً في العالم، وهو يدخل في الألفية الثالثة وفي القرن الواحد والعشرين وأمريكا تعلن الحرب على المجهول عندما أصبحت على مأساة مروعة.
|
|
|
|
|