| عزيزتـي الجزيرة
الحديث عن الاطفال حديث ذو شجون وهو يحمل جانبا آخر من المتعة والراحة، كيف لا والمربي ( الأب والمعلم ) يشغل بالهما دائما تلك الفئة من البشر. فذاك والد يطمح لمعرفة الاسباب التي توصل له سبل الراحة في التعامل مع الابن فهو يسكن معه ويشغل حيزا كبيرا من التفكير وحياته تقلقه دائما إذ انه يصنع الاعاجيب مع والدته وإخوانه ومن هنا كان الأب يفرح دائما بالحديث عن الاطفال فمن جهة انه الحديث عن الاطفال يخفف عنه من الهموم ومن جهة اخرى ان فيه بحثا عن طرق او سبل تكشف له النجاح في التعامل معه.
اما المعلم (وما أدراك ما المعلم) فهو يستقبل في صباحه اكثر من ستين طالبا (يزيدون أو ينقصون) ولذلك يجب الحديث عنهم حتى يحصل من جلسائه ما استطاع من سبل السيطرة عليهم او بالبحث عن الطرق التعليمية التي يملكها مجموعة من الاساتذة الافذاذ الذين ملكوا مادة الوصول الى اذهان الطلاب.
من هذا كله كان الحديث عن الاطفال حديثا رائعا وجميلا.
ان ما يحدث من الصراع الستمر بين المربي والطفل انما هو من خلال الفهم الخاطىء لحياة الطفل والتي تكمن في ان المربي يريد طفلا يستجيب لكل الاوامر ويعرف كيف يدير حياته فهو يريده رجلا ان كان عند الرجال وطفلا غير عابث بأدوات الآخرين له حرية اللهو مع زملائه شريطة عدم العبث او التخريب أو.. وبالمقابل تجده يصرف الطفل عن السؤال عن السبب الذي كان واقفا امام منعه من الذهاب او اللعب او الاكل أو.. ثم يزيد الطين بلة انه يريده طفلا ذكيا.. متفهما.. متفوقا بين اقرانه..
إننا لازلنا نطمح الى صفات الكمال في أبنائنا ولكننا لم نسع في يوم من الايام ان نزرع أو نتابع صفة من هذه الصفات.
إن من الاشياء الجميلة التي ينبغي لنا ان نخوضها معا في حياة الطفل موضوع (كيف يتحدث المربي مع الطفل ويكون الطفل ذا أذن صاغية).
وحتى نحقق ذلك لابد لنا من استخدام الطرق التالية:
1 أن نسعى جاهدين في معايشة الطفل مع مشاعره وكيف يتعامل معها عندما يكون في مأزق (مهما كان هذا المأزق) ويجب علينا ان نقبل مشاعرهم ونحترمها وذلك بأن نستمع إليهم وما يعانونه استماعا كاملا غير مشوب بخلل.
وكم كان اسفي في أننا لا نملك لغة التعاطف مع مشاعر أبنائنا بل غالب مشاعرنا معهم مشاعر مرفوضة وحتى نحيي هذه اللغة الرائعة وهي التعاطف المثمر مع مشاعر اطفالنا علينا:
أولا: أن نصغى إليهم بانتباه كامل.
ثانيا: أن نسمعهم بعض الكلمات التي تلائم مشاعرهم.
ثالثا: سؤالهم عما يريدون فعله ثم بعد ذلك نوجههم توجيها يفيدهم بشرط ان يناسب عمرهم.
2 من الطرق التي تجعل الطفل يصغى إلينا إجراء لغة الحوار الهادىء في معالجة اخطائه وللاسف اننا لا زلنا نصر على لغة الزجر المشوب بأقبح الاوصاف السيئة التي قد يعترف بها الطفل في يوم من الايام ويقول: نعم انا مثل ما قال والدي انني كذا.. وكذا.. ثم يبرمجها الطفل على أنها من أساسيات حياته.
نغفل دائما ان من طبيعة الطفل الحركة.. ونجهل أنفسنا كيفية توجيه هذه الحركة الى ما يفيدهم ونرتكب خطأ فادحا عندما ننظر الى هذه الحركة بمنظار (قتلها) بضربهم أو بصرفهم وإبعادهم عن أعيننا بحجة ان هذا يتعبنا.
ارجع وأقول ان حركة الطفل تنشأ عنها اخطاء كثيرة وقل من المربين من يعرف كيف يدير هذه الحركة بنجاح وتفوق ويكتفي الكثير بعقاب واحد وهو (الضرب) ويتناسون ان ثمة سبلا جميلة لمعالجة هذه الاخطاء.
أولا: قال عليه الصلاة والسلام للغلام الذي طاشت يده في الصحفة (يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك) وهذه قاعدة عظيمة منه صلى الله عليه وسلم لبدء علاج الخطأ وهو التوجيه المؤثر المختصر.
ثانيا: انه لا بد لك من الإفصاح عن الشعور بقوة تجاه الخطأ الذي وقع به الطفل شريطة ان تصرف نفسك عن تلبيس الطفل بصفات التحطيم والقبح التي قد تعطي الطفل الزيادة في العناد والإصرار في ارتكاب الخطأ.
ثالثا: أعجبني ذلك المعلم الذي جعل من فسحة المدرسة توجيها (انفراديا ) مختصرا للطلبة الذين يتعمدون الإساءة في الفصل من اجل ايجاد الضحك لزملائهم وبعد مرور فترة من الزمن حصد هذا المعلم احتراما وقبولا بين فئات الطلبة المتنوعة.
رابعا: قال أحد الصغار: لماذا لا يوجد أحد يعاقبكم عندما تخطئون.جل ما يحدث من اخطاء في حياة أبنائنا إنما هو ناتج من إقتدائهم بآبائهم في المنزل او غيره او حتى من معلميهم في المدرسة ومن هنا كان لهذا التساهل مدخلا لتنشئة الخطأ في ابنائنا وهذا يستلزم من ان نكون واعين في تصرفاتنا أمامهم وهذا سوف يساعدنا في إسقاط الوقت الكثير في معالجة الاخطاء التي صدرت منهم بسبب تساهلنا وإفراطنا.
خامسا: تعويد الطفل على ايجاد البديل عما يتلفه وهذا يستدعي من الطفل الانتباه عما سوف يستخدمه في لعبه.
سادسا: استخدام جملة (اذا كررت هذا الخطأ مرة ثانية فأنا سأحرمك من كذا.. وكذا..) ولقد وجدت ان هذا العلاج من الأمور الجميلة التي توقظ الطفل من العناد الذي يمارسه في حياته ولقد كان له الأثر الواضح في تغيير سلوك الطفل إلى الاحسن.
سابعا: (آخر العلاج الكي) بعدما يقدم المربي سلسلة ما قبل (الضرب) من التوجيهات والنصائح واستخدام افضل الطرق في تحسين منهج سلوك الطفل ثم اذا وجد ان الطفل لا يزال يستمر في خطئه فما الذي يمنع من ان نجعله يعاني نتائج تصرفه السيء شريطة الا نضربه ونحن في حالة غضب شديد لان الضرب إنما قصد به تعديل المنهج الخاطىء وليس الانتقام مع الحذر عندما نضربه من القرب من الاماكن المؤذية كالرأس والوجه والصدر والبطن..
لنعلم ان عملية تهذيب الطفل عملية تربية تحتاج الى صبر وحكمة وتأنٍ.
أخيرا أختم هذه الخاطرة بتلك التوجيهات التربوية والحياة التي عاشها ذلكم المربي الأول صلى الله عليه وسلم مع الطفل وكيف كان اسلوبه حتى نقتبس منها الفوائد الكثيرة ثم نسطرها في واقع حياة ابنائنا.
1 قال صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم بالمضاجع).
2 عن عبدالله بن عامر رضي الله عنه قال: دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت: ها تعال أعطك فقال رسول الله: ما أردت ان تعطيه؟ قالت: أردت أن أعطيه تمرا فقال لها رسول الله (أما إنك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة).3 عن سهل بن ساعدة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا فتَلَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده (أي وضع الشراب في يده) وهذا الغلام هو عبدالله بن عباس.
4 قال عليه الصلاة والسلام: (ولا تضرب الوجه..).
عبدالعزيز بن حمد الفايز
مدرسة هشام بن حكيم (هشامية) الرياض
|
|
|
|
|