أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 17th September,2001 العدد:10581الطبعةالاولـي الأثنين 29 ,جمادى الآخرة 1422

الثقافية

سطور
تداعيات
فوزية محمد الجلال
في المعرض الدولي للكتاب والتقنية الشبكية الذي أقيم مؤخرا في « فرانكفورت»، جرت عملية استطلاع واسعة لمعرفة مدى الإقبال على الكتاب «المطبوع»، وقد أظهرت النتائج أن الشبكة الإلكترونية بدأت تلعب دورا حاسما في عالم الكتب، أكد ذلك، جيسون ايبشتاين» الناشر الأمريكي حيث قال: أعتقد بأن وسائل الإعلام الإلكترونية الحديثة تشكل «خطرا» جسيما على مستقبل الكتاب «المطبوع» أو الورقي. هنا انتهى الخبر، لتبدأ تداعيات أرجو أن يسمح لي القارىء العزيز أن أبوح ببعضها بعد أن تراكمت وتنامت ووصلت إلى حد التوجس:
ماذا يحدث لو طالت حمى «العبث الإلكتروني» الكتاب، هذا الصديق الخاص والأثير والأنيس..؟ ماذا سيحدث للكتب، للمكتبات، للمطابع، للناشرين، للوراقين، للمؤلفين.. للدنيا بأسرها؟ هاجس اقتحم اطمئناني وأسدل عليه لونا رماديا شاحبا، ثم حملتني مدارات مشحونة بالظنون، وألقت برحلي المثقل في لجة السؤال، فتداعى وكأنه يتوثب: هل هي الحرب مجددا..؟ أحرق الإنسان وأباد ودمر وعبث بمئات الآلاف من الوثائق والحقائق والمواد التاريخية والأدبية والعلمية المخطوطة والمطبوعة، والتي شكلت تاريخ أمم وحضارات، وبفقدها أو تشويهها، خجل التاريخ من بعض تفاصيله! فماذا يحدث اليوم؟ كم أكره حديث الحروب، وأشعر أنها تلوث أديم البشر وتحولهم إلى قوارض، لكن هذا القادم إن لم يكن قدم فعلا يبدو أبشع، إنه يهددني بوأد أجمل حب وأقوى علاقة حفلت بها حياتي، ولكن هل سيجرؤ على سحب الغطاء الحاني الوثير ليتركني فريسة للريح والصقيع! إذن يا للقسوة التي لا تحتمل!
تكورت كتبي، وشكت من البرد والقشعريرة، وصاحت: تحول الكون إلى شظايا من الجنون، إنهم يعبثون، يتطاولون، لا يفكرون، لقد وصلها الخبر أخيرا!!
استيقظت ذاكرة التاريخ من تحت أكوام «الغزو التتاري» لتفتح عينيها على حاضر «الغزو الإلكتروني»!!. «كم يبدو الأمر مخيفا إلى حد لا يصدق "تساءل « كتاب» وهو يلوذ بيدي، ثم أردف: ماذا يقولون صدقا؟ هل «قرروا» إعدامنا؟ نفينا؟ أم الاكتفاء بقطع «نسلنا» والإبقاء على الأحياء منا حتى حين؟! وشعرت بوخز وكأن روحي في العراء، أجبت بصوت ابتلعه الخوف والخجل: دع عنك ما يقولون انهم لا يستطيعون بل لا يجرؤون! وانهمرت الأسئلة كمطر الشتاء باردة، غزيرة تصفع انتباهي، السؤال تلو السؤال: هل سيهجر ذلك الرفيق الأنيق يدي اللتين عانق دفنهما طويلا؟ هل سأقذف بعشرات «الريش» الملونة، التي تسكن كتبي وتمسك بزمام ذاكرتي؟ هل سيغيب عني «جار القمر» في ليالي الشتاء، حول «جمر الغضى» حيث يدثر وقتي ويحتويه، ويغدق على روحي سكينة، ويملأ أعماقي بفيض كرم لا ينتهي؟ هل حقا سيخضعنا هذا «القادم» أنا وهو لتجربة الفراق؟ هل أصدق أنني سأمضي في هذه الحياة بدونه؟ هل ستتحول علاقتنا الحميمة إلى كومة من أوهام الماضي؟
أتذكر أحتويه بكلتا يدي وأهمس كيف كان الوقت يتسرب بيننا هادئا وادعا ثريا جميلا، وأنا رهينة المحبسين «المرض والليل» عندما لم تكن تغادر مجلسك الأثير بين يدي؟ لازمتني وفاء ونبلا، حتى طفت أعماقي لك حبا ومن أجلك ولاء لا يحد، تجذرت في وجداني وعقلي، ثم وضعتني واثقة قوية في مواجهة وجودي. واليوم أراك أكثر وضوحا من أي وقت مضى، وأدرك وأنا أشد ما أكون اقترابا منك، أن هذا «المتطفل الغريب» زادني إيمانا بك وبقيمتك،وبأنك لا تعوض ولن تعوض وأنك باق أقوى من ذي قبل، وسيظل قنديلك يضيء عتمة الحاضر والمستقبل وستقف قويا صلدا كحقيقة وجودك على أعتاب الدنيا بأسرها. لا عليك إنها مجرد هواجس، فما زلت يا أنيس القلوب رغم الضجيج ملء العين والقلب ودفء اليدين، ما زلت تعتلي في كبرياء ملايين الأرفف في كل الدنيا، ويخطف ألقك الأنظار والعقول، وتصافح حقيقتك الناصعة الأيدي والعيون.
إذاً يا صديقي الرشيق الأنيق الرقيق:
فيم الجدال الذي لا يفيد
وفيم البحث عن نصر تليد
وفيم نحلق في مدار من الظن البليد
وأنت السيد أنت
كنت وما زلت ولن تبيد
وهذا رجع الصدى يقول:
لن ترحل
أيها السفر الأكمل
أنت لن تكون إلا أنت
الصديق الأمثل
مهما اعتلى زمن الغفلة
وهج فضي يلمع
ستبقى وحدك الأروع.
fauzji@hotmail.com
ص.ب: 106447
الرياض: 11666

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved