| الثقافية
ارتقت المدينة مرحلة متطورة في سلم التطور البشري، إذ مر الإنسان بمراحل عدة فمن الرعي الى الزراعة، ومن ثم الى المدينة ليستقر بها، والاستقرار في المدن يضمن للإنسان الإحساس بالأمان والعيش والعمل والإنتاج، وهذا ينعكس بظهور الفكر والتاريخ والتراث والابتكارات، ولم تكن المدن التي أخرجت الحضارات لتصمد لولا قوة سكانها معنويا وماديا، وبمقدارما بقيت مدن في تاريخ البشربمقدار ما دمرت واندثرت أخرى، إن تاريخ المدن هوتاريخ السلالة البشرية على الأرض فيه الكثير من معارف السالفين، وأعمال الأقدمين.
(مكة المكرمة): هي المدينة التي انبثق الإسلام منها، بعد أن اختار الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم، ليوحد الجموع المتنافرة، فكانت هذه المدينة مهبط الوحي، مكونة نواة الأمة الإسلامية، إلا أن غلظة قلوب أهلها وافتتانهم بالدنيا، دفع المؤمنين للهجرة الى (يثرب) حيث دخلها الرسول ليجعل منها نواة الحضارة الإسلامية التي عمت أولا الجزيرة العربية، ثم انتقلت منها إلى أرجاء العالم، حتى وصلت في اتساعها من مدينة (كابول) شرقا الى (لشبونة) الأندلسية غربا، ومن مدينة (استراخان) على بحر قزوين شمالا، الى مدينة (كسمايو) بالصومال جنوبا، كل هذه المساحات الشاسعة من مدن وشعوب، كانت تدين بالولاء لعاصمة الدولة الأموية في (دمشق)، وقد تكرر ذلك مع حكم الدولة العباسية والفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية، حيث ظهرت مدن (بغداد) و (القاهرة ) و (استانبول)، وبنيت مئات المدن الجديدة، وتعززت أركان الحضارة الإسلامية في مساحة لا تقل عن نصف مساحة العالم المعروف في ذلك الوقت، بينما كان النصف الآخر يغط في سبات التخلف العميق، وبينما لم تحو أعظم مكتبات العالم غير الإسلامي في العصور الوسطى على أكثر من خمسمائة مخطوط وكتاب، كانت مكتبات المدن الإسلامية تضم عشرات الآلاف من الكتب.
لكن هذه الأمجاد التي واكبت انتشار الإسلام في قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، لم تستمر، فقد جاء القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) وما يليه ليفتتح حقبة شهدت زوال عصور الريادة الإسلامية، حيث سقطت الأندلس بكل حضارتها ومدنها، وضعفت دول المماليك، وأخذت الدولة العثمانية في التوقف عن فتوحاتها الكبرى في أوروبا، ثم التفت الأوروبيون الى بلدان العالم الإسلامي طمعا في ثرواته، وهنا بدأت حقبة مؤلمة في تاريخ العالم الإسلامي، حيث تنازعته قوى المستعمر الغربي، ومزقت وحدته الى مناطق نفوذ استعمارية امتصت كل عافيته، ظهرت خلال هذه الفترة حركات المقاومة والكفاح العربي الإسلامي ضد قوى الاستعمار، وبعد سلسلة طويلة من التضحية والكفاح وتقديم مئات الآلاف من الشهداء، حصلت المناطق العربية والإسلامية المستعمرة على استقلالها، بعد أن أبقاها المستعمر عشرات السنين خلف ركب الحضارة والتقدم، لتجد نفسها مدنا ومناطق تعاني من التأخر والتخلف.
هذا الكتاب: يرصد التطورات السابقة من خلال استعراض مدن العالم الإسلامي وتاريخها ومزاياها وخصوصياتها في البناء المعماري والهندسي للمساجد والمتاحف والمشافي والقلاع وخلافها، وللتراث الفكري والأدبي الذي أوجدته كل مدينة وخطَّه عباقرتها ومبدعوها، والعادات والتقاليد في اللباس والمأكل والمشرب.. وقد اختار المؤلف (1000) مدينة، تغطي بلدان العالم الإسلامي كافة، وتم التركيز على المدن التي لعبت دورا هاما في التاريخ والحضارة الإسلامية، كما تم تغطية معظم المدن التاريخية التي انطلقت منها الفتوحات الإسلامية.
شملت المعلومات عن كل مدينة: موقعها، عدد سكانها، أهم الأنشطة الاقتصادية فيها، متى دخلها الإسلام، أهم معالمها الإسلامية والتاريخية.
|
|
|
|
|