| مقـالات
**الاستنفار الإعلامي الذي أعقب تفجيرات الثلاثاء الماضية الأمريكانية يمنحنا مؤشراً عظيماً على فقرنا الإعلامي مقارنة بكيفية حياكة واستثمار المصائب وتطويعها لهدف ما كان يدور في الرؤوس كثيراً.
فيهود العالم الذين وجدوا الطريق ممهداً «أكثر» للنيل من عرب العالم ومسلميه.. وصياغة خطاب جديد يجزم بإلصاق صفة الإرهاب للعرب والمسلمين بعد أن كان سابقاً يلوح مشككاً.
** هذه القدرة الأمريكية الفائقة على استفزاز دموع العالم على ضحايا أمريكا بسرد تلك الحكايات الإنسانية الحزائنية التي تمثل لغة عالمية وإنسانية دافئة.
فالرسائل التي وجهها الضحايا قبل موتهم إلى حيث أهلهم وزوجاتهم وأقرباؤهم كلها تدور في مفهوم: «نحن نحبكم ونتمنى لكم السعادة في الحياة التي سنغادرها بعد قليل».
هذا الحس الإعلامي الذي التقط آخر المهاتفات وفتش في الحكايات الإنسانية ورسم في أذهان آلاف الملايين من الذين يتابعون ما ورائيات الأحداث كيف أن الأمريكي إنسان بسيط وحالم وخيِّر وبريء وهو يدور في فلك حياته الاجتماعية البسيطة وأحلامه البيضاء.
** تلك البكائيات المفجعة يلتقطها الإعلام الأمريكي دون أن ينشر صورة الرغبة العارمة في الانتقام أو عبارات من مثل سنمزق كل من ينتسب إليهم المجرمون والقتلة.
بل حتى حين تنشر بعض الصحف مثل هذه العبارات لأقرباء الضحايا، فإن هؤلاء يستدركون ليقولوا: «ولكننا حين نقتل كل من ينتسب إليهم سنكون مثلهم قتلة ومجرمين».
إننا نرغب بقتل المتسبب فقط..
** ثبات واضح في رسم صورة إنسانية وحضارية حتى في أحلك الظروف وأشدها قسوة!!
والحق ان المصائب ألم إنساني باهظ لا يستطيع إنسان سوي أن يتشفى بالأبرياء وهم يموتون ويصابون بالهلع والخوف والرعب إثر خطف طائرة وانتظار لحظات موت وشيكة..
فالحياة هنا تتحول إلى خيط دخان يتبعثر في الفضاء.. رؤيته واضحة ولكن الإمساك به ضرب من المستحيل..
وقد شغلت الأيام الماضية بالتفكير بأولئك الذين انتظروا الموت على الطائرات ورؤيتهم لها وهي تتوجه نحو الاصطدام بأهدافها!!
وقد تفوق الإعلام الأمريكي برصد آخر الرسائل والمهاتفات والمشاعر الإنسانية لضحايا الطائرات وأسرهم وكذلك بين ضحايا المباني المنهارة الذين ظلوا لبعض الوقت أحياء تحت أنقاضها، فلم يكن من بينهم وزير دفاع أو خارجية أو حتى رئيس قديم .. كلهم أبرياء من خطايا أمريكا..!!
** المهم أن هذه الإجادة الإعلامية جعلتني أنظر بأسى لحال أعلامنا الفضائي المشغول بشعر باسكال مشعلاني وسيقان إيلين خلف وأنف نيكول تنوري الذي ضمَّرته مشارط التجميل أو التقبيح سيان..
وحتى بعض شخصياتنا الاعتبارية التي كنا نراها في مراهقتنا الفكرية «الطائشة» رمزاً من رموز التثقيف الوطني بالقضايا المصيرية.
فدريد لحام الذي أفضى به الحال ناحية كراسي «المذيعات» ليتغنج غنجهن ويتخذ من تعطفه في الكلامِ وجاء يشتم به الخليجيين ويفرق بين العرب المعترين «الأثرياء» والعرب غير المعترين «الفقراء» ويناقش على مدارساعات قضية من مثل: ما موقفك حين ترى رجلاً يقبِّل يد زوجتك على سبيل التحية؟ ويضرب دريد لحام بكل محظورات الدين ليكسب ابتسامة رضا من مراهقي الدرجة «التعبانة» الذين صاروا هم فقط معجبيه بعد أن خسر المعجبين بعطاءاته الأولى التي دلَّنا عليها أهلونا إبان مراهقتنا فحييناه عليها وعلى لغتها وعلى حجم المساحة الشاسعة من الصدق في مسرحيته الشهيرة «كأسك يا وطن» أو فيلمه «الحدود» وبالرغم من إيماننا بأن الفن هو آخر من نتكىء عليه في تقديم رسالة إيجابية إلى العالم..
لكننا نحزن حقيقة على تمويل برامج من هذا النوع تسقط من ذاكرتنا الأحلام الضاجّة ببواكير تشرُّبنا للقضية الفلسطينية ووحدة العروبة والإسلام وضياع القدرات وتشتت الكلمات.
** إننا تعلمنا على يد تفجيرات أمريكا دروساً شتى أهمها على الإطلاق أننا عرفنا أننا ضحايا لتغييب إعلامي لا يفكر مطلقاً بالكيفية التي يستثمر فيها مصائبنا اليومية وكوارثنا المتوالية في فلسطين وفي جنوب لبنان وغيرها.. لكي يقول للعالم كلمة بيضاء ينصت إليها بعمق.. ولكنه يفكر جيداً لكي يجعل من نوال الزغبي تغني فيرقص معها آلاف الشبان في الوطن العربي وينسون تماماً أن هناك خريطة ..وأن هناك يهوداً يحلمون بسرقة كل حدود الخريطة..!!!
fatma alotaibi@ayna.com
|
|
|
|
|