| مقـالات
في إعلان (طريف) تذيعه إحدى الفضائيات عن أحد المطاعم، تسأل إحداهن صديقتها في دهشة كيف أنها لاتزال نائمة حتى منتصف النهار، ومتى تجهز طعام الغداء لزوجها وأولادها، وهنا ترد الصديقة بمنتهى السعادة إلى درجة الفخر ان مطعم (...) قد تولى عنها المهمة، فما عليها إلا أن تبلغه بكل ما تريد على الهاتف يومياً فيحضره إلى المنزل على أحسن وجه.
ذكرني هذا الإعلان بأمي يرحمها الله ، وبالمرأة عموماً إلى عهد قريب فقد كانت تصحو مع أذان الفجر لتصلي ثم تحمص القهوة وتطحنها وتصنع الخبز وتعد الفطور مع قهوة الصباح، وما أن يغادر رب البيت إلى عمله حتى تعكف على بيتها في عمل دؤوب من الكنس والمسح والغسيل والطبخ وغيرها، بل إنه قبل أن تتولى البلدية أعمال النظافة العامة في أبها كانت كل ربة بيت لا تكتفي بنظافة منزلها من الداخل فحسب، بل تتولى كذلك تنظيف الشارع أمامه، وربما يلاحظ الكبار من جيلنا فارقاً كبيراً بين نظافة الأمس ونظافة اليوم.
ونعرف نحن عيال مكة أنه إلى عهد قريب كان شراء الخبز من السوق عيباً كبيراً، تعير به النساء بعضهن البعض، فلم تكن المخابز تخدم في الحقيقة سوى الموظفين الأغراب، أما ابن مكة الذي يضطر إلى التعامل مع المخبز لظرف طارئ ، فكان عليه أن يخفي أرغفته في صحيفة أو كيس حتى لا يعرض أهله للمعايرة، واليوم قلّما تجد بيتاً يحتفظ بالفرن البلدي ولو على سبيل التذكار! وفي هذا السياق أيضاً، كانت المرأة تعير جارتها لمجرد أن زوج هذه الجارة يتناول إفطاره خارج بيته! وبينما كان تناول الإفطار خارج البيت هو الشذوذ فإنه الآن يمثل القاعدة.
كانت المرأة إذن تصر على وظائفها بالكامل وتحرص على أدائها التام، وعلى الرغم مما كانت تبذله من جهد شاق بسبب تدنِّي كفاءة آليات العمل المنزلي واعتماده على العمل اليدوي والجهد البدني، فإن المرأة لم تكن لتتنازل عن أيٍّ من مهامها، وتعتبر من تقصر من بنات جنسها في القيام بتلك المهام محلاً للتندر والسخرية!
وقادتني المقارنة إلى رأي طرحه صحفي عربي كبير، مع بداية ثمار النهضة الصناعية الحديثة، التي رفعت المعاناة عن الإنسان وقلصت اعتماده على الجهد البدني واليدوي، بالآلة التي بدأت تكنس وتغسل وتمسح وتؤدي كثيراً من الوظائف، وقد توقع الصحفي أن يضمر في الإنسان يداه ورجلاه لقلة حاجته إليها في أداء الوظائف التي أصبحت تؤديها الآلة، بينما يتضخم، حجم الرأس حيث المخ الذي يدير الآلة، وعلى الرغم من أن هذا لم يحدث لنسائنا ولله الحمد حتى هذه الساعة، إلا أنهن مدعوات لإعادة النظر في تعطيل قدراتهن، وتجيير مهامهن الأصلية إلى الغير، إن امرأة لا تطبخ طعام أسرتها مثلاً لا بد أن تفقد حجيتها كزوجة، وهيبتها كأم، لأنها تتملص من أداء واجب لا تجوز فيه الإنابة بغير عذر قاهر.
وبطبيعة الحال أنا لا أدعو المرأة للعودة إلى فرن الميفا والمكنسة الليف، لكن ليتها تعود إلى عوايدها القديمة في رعاية البيت والأسرة بالجهد والعزم حتى تصبح لزوجها سكناً بحق، ولأبنائها أُماً تحت أقدامها الجنة.
|
|
|
|
|