| وَرّاق الجزيرة
أورد الباحث في الحلقة السابقة«1» نبذة عن تاريخ بلدة الحريق بتشديد الياء وترجم لاثنين من كتابها، ويواصل في هذه الحلقة إيراد بعض التراجم:
3 عبدالله بن عبدالعزيز بن ناصر بن محمد الحريقي ثم المشرفي الوهبي التميمي«2» ولد في الحريق موطن آبائه الا انه انتقل منها صغيراً إلى شقراء بصحبة والده حيث تعلم في كُتَّابها مبادئ القراءة والكتابة«3» ومبادئ العلوم الشرعية وغيرها، وكانت شقراء في ذلك الوقت منهلاً من مناهل العلم اذ يوجد فيها عدد غير قليل من العلماء وطلبة العلم، وكان من أشهرهم في ذلك الوقت الشيخ العلامة عبدالعزيز بن عبدالله الحصين «ت 1237ه» وتلميذه الشيخ العلامة عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين «ت1282ه» ولاشك ان المترجم له استفاد منهما ومن غيرهما كان يكتب الوثائق للاهالي في ذلك الوقت وقد اطلعت على عدد من وثائق المداينات بخط يده انظر النموذج المرفق عرف بالامانة والترفع عن الدنيا، وقد عينه الامام فيصل بن تركي في منصب امين بيت مال الوشم واستمر فيه الى وفاته ولكثرة الاعمال المنوطة بهذا المنصب صار يعين له مساعدين ووكلاء من اهل الثقة والعدالة كل في بلدته فكان وكيله في بلدة اشيقر«4» محمد بن عثمان بن عبدالمحسن ابا حسين حيث عينه عبدالله الحريقي في هذا المنصب منذ سنة 1269ه. وقد توفي عبدالله الحريقي سنة 1277ه«5» مخلفاً ولدين هما محمد وعبدالعزيز ولايزال له عقب منهما رحمه الله تعالى.
4 عبدالرحمن بن عبدالله الفنتوخ من آل جبريل الذين هم من الحراقيص، من بني زيد القبيلة المعروفة المنحدرة من قحطان. من المؤكد ان مولده وأخيه الآتي بعده في بلدة الوقف بالقرائن تولى عبدالرحمن المذكور الامامة والخطابة في المسجد الجامع ببلدة الحريق وقد اشارت الى ذلك احدى الوثائق وهذا نصها:« شهد عندي ابراهيم بن نشوان بأن في الطريفية لآل يوسف اضحية وثلث وفي العجلانية ثلاث ضحايا لعبدالله بن يوسف ثمينهن على سعود العود كتب شهادته عن امره عبدالرحمن بن فنتوخ. يعلم من يراه بأن الكتب المذكور اعلاه انه كتب عبدالرحمن بن فنتوخ امام مسجد الحريق اعرفه يقينا قال ذلك كاتبه ابراهيم بن حمد بن عيسى ونقله من خط ابراهيم بن عيسى و عبدالرحمن بن فنتوخ بعد معرفته يقيناً كاتبه ابراهيم بن محمد بن سدحان».
اطلعت على عدد من الوثائق بخطه وهو من الخطوط الجميلة المضبوطة. وله اهتمام بالكتب ونسخها، يوجد بخطه كتاب: «تبصرة المبتدي وتذكرة المنتهي»«6» لابن الجوزي نسخه سنة 1275ه. لا يعلم تاريخ وفاته وهو ممن يستدرك اسمه على كتاب: «العقد الفريد في نسب الحراقيص من بني زيد» ليلحق بأخويه محمد وعبدالمحسن. رحمهم الله تعالى. ولعل السبب في عدم ذكر اسمه في الكتاب المذكور انه ليس له عقب.
5 عبدالمحسن بن عبدالله الفنتوخ: تولى الامامة والخطابة في المسجد الجامع ببلدة الحريّق وكنت قد رجحت ذلك في الحلقة السابقة أو قد جاء اثبات ذلك في احدى الوثائق وهذا نصها: «الحمد الله وحده شهد عندي عثمان بن ابراهيم بأن موضي بنت يوسف اخت عثمان ومحمد زوجة لمانع بن عبدالله بن يوسف هكذا شهد الشاهد المذكور كتب شهادته عن امره عبدالمحسن بن عبدالله بن فنتوخ حرر في ربيع تالي سنة 01284 ما في هذه الورقة كتب اخي عبدالمحسن بن فنتوخ امام بلد الحريّق اعرفه يقيناً قال ذلك كاتبه عبدالرحمن بن فنتوخ وصلى الله على محمد وآله وسلم. المعرف بالخط المذكور اعلاه هو عبدالرحمن بن فنتوخ اعرف كتبه كما اعرف شخصه شهد به كاتبه سعد المزيني». وقد سبقت الإشارة في الحلقة الماضية ان المترجم له نسخ بخطه كتاب: «ثلاثة الاصول وآداب المشي الى الصلاة» لشيخ الاسلام محمد بن عبدالوهاب، وكان الفراغ من نسخه في يوم الخميس 14/8/1276ه.
وقد رزق بثلاثة ابناء هم عبدالله ليس له عقب ومحمد وعبدالرحمن لا يزال لهما عقب«7». وقد درس عليه بعضهم، فقد اطلعت على وثائق بخط ابنه عبدالله وكان قد تولى امامة المسجد ببلدة الحريق بعد والده. وكذلك بخط ابنه عبدالرحمن، وأبناؤه استقروا في بلدة روضة سدير وكان لهم جهود فيها سواء في كتابة الوثائق او الامامة في مساجدها. وقد توفي المترجم له في روضة سدير وذلك سنة 1324ه رحمه الله تعالى.
6 ابراهيم بن عبدالله بن رشيد«8» من المشارفة من الوهبة من تميم، يوجد نقلاً عن خطه بعض الوثائق منها وثيقة مؤرخة سنة 1302ه، له ذكر في وثيقة مؤرخة سنة 1317ه حيث وكله قاضي بلدان الوشم الشيخ علي بن عبدالله بن عيسى على بيع عقار في بلدة اشيقر لاحدى قريباته«9» وقد عاش حياته في بلدة الحريق ويبدو ان وفاته فيها رحمه الله تعالى.
7 عبدالله بن محمد بن مانع بن يوسف بن مشرف من المشارفة من الوهبة من تميم:
ولد في بلدة الحريّق وبها نشأ، وكان عدد من افراد اسرته آل يوسف هم امراؤها لفترة طويلة من الزمن حسب ما رصدته لنا كتب التاريخ. اطلعت على وثيقة بخطه مؤرخة سنة 1318ه، وفي وثيقة مؤرخة في 15/2/1319ه وكّل ابنه محمد على مخاصمة احد الافراد عند قاضي بلدان الوشم، اما اقدم ذكر للمترجم فهو في وثيقة مؤرخة 12/3/1286ه هو احد الاطراف فيها.
8 محمد بن عبدالله بن مشرف ابن الذي قبله، ولد في بلدة الحريّق ونشأبها، تعلم على والده وعلى غيره من كُتّاب ذلك الوقت، اطلعت على شهادة له في وثيقة مؤرخة سنة 1311ه، كما اطلعت على عقد بيع في بلدة أشيقر بخط يده مؤرخ في 22/5/1324ه مضمونه ان والدته منيرة بنت عبدالله ابا حسين باعت نصيبها في احد البساتين في اشيقر على احد الفلاحين.
9 عبدالعزيز بن محمد بن جماز: هو عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله بن عبدالعزيز بن جماز بن عبدالعزيز بن سليمان بن عطية بن زيد من قبيلة بني زيد.
والد المتراجم له هو اول من استوطن بلدة الحريّق«10» فقد اطلعت على وثيقة مؤرخة في سنة 1287ه تثبت ان له نخلاً في اعلى تلك البلدة. وافادني احد اسباط المترجم له وهو الاستاذ الفاضل محمد بن عبدالرحمن الجماز بأن لمترجمنا منزلاً في شقراء يقع جنوب الجامع القديم في سوق ملوي. من المرجح ان مولده في شقراء وانه انتقل صغيراً بصحبة والده الى بلدة الحريق واقام فيها الى وفاته. وخلال تلك الفترة لم ينقطع عن شقراء فكان يتردد عليها اذ يقيم فيها قرابته، ولانهاء اعماله فيها سواء التجارية او غيرها ولانها من كبار بلدان العلم في ذلك الوقت كان يتدارس مع طلبة العلم فيها بعض المسائل المشكلة عليه وكذلك اذا وفدوا عليه في بلدة الحريّق ويقوم بإكرامهم غاية الاكرام هم وعامة من يأتي إلى بلده الحريق أو يمر بها من اهالي بلدته شقراء.
ابتلي بعدد من المصائب فكان صابراً محتسباً من ذلك أنه في إحدى المرات كان ذاهباً الى شقراء لقضاء بعض الاغراض وكان معه مبلغ من المال فعندما وصل الى النفود الفاصل بين الحمادة وشقراء رأى عن بعد بعض قطاع الطرق فخشي على مامعه من نقود فقام بدفنها على عجل في وسط شجرة. وعندما وصله قطاع الطرق لم يجدوا معه شيئاً فذهبوا وتركوه وذهب هو كذلك مواصلاً سيره حتى لايشك في امره فلما عاد من شقراء ووصل لنفس المكان الذي قابل عنده اللصوص ليأخذ نقوده التي دفنها في الشجرة لم يعثر عليها حيث اضاع مكان الشجرة التي دفن النقود فيها وحاول عدة مرات ولكنه لم يهتد اليها فواصل سيره الى مزرعته في بلدة الحريق فلما وصلها وجد السيل قد اتى على الزرع «القمح» واصابه برد شديد ادى الى تكسره وقضى عليه بالكامل فلما رآى المترجم له ذلك ذهب وتوضأ واخذ يصلي ويسترجع.
كان يكتب الوثائق لاهالي بلدة الحريق وقد اطلعت على عدد من الوثائق بخطه منها وثيقة مؤرخة سنة 1326ه ووثيقتان مؤرختان في سنة 1334ه إحداهما عندي مضمونها وكالة على قبض مبلغ من المال وهذا نصها بعد البسملة: «من عبدالوهاب بن عبدالعزيز بن عبدالوهاب الى عبدالله بن عبدالوهاب وبعد الواصل اليك ناصر اخوي فإني موكله من طرف نصيبي في العشرية يقبضه وما وصله فهو وصول شهد على ذلك محمد بن عبدالله بن عبدالوهاب وشهد به وكتبه عن امره عبدالعزيز بن محمد بن جماز يسلم على من نظر فيه والسلام 2 ذي القعدة سنة 1334».
كانت لديه مجموعة من الكتب بين مخطوط ومطبوع اوقفها على ذريته ولكنها تفرقت بعد وفاته ولم يبق منها الا القليل ومما رأيته المجلد الاخير من: «تفسير ابن كثير«11»»، وكتاب: «نيل الاوطار من اسرار منتقى الاخبار«12»» للإمام الشوكاني وبهامشه كتاب: «عون الباري لحل ادلة البخاري» لصديق حسن التنوخي وهو شرح لكتاب:«التجريد الصريح» الزبيدي.
وقد رزق بثلاثة اولاد هم: محمد وعبدالمحسن وعبدالله. وللمترجم له احفاد يقيمون الآن بمدينة شقراء فمن اولاد ابنه عبدالله:سليمان اول عمدة بشقراء وقد توفي في شهر شعبان سنة 1420ه رحمه الله. اما مترجمنا فقد توفي سنة 1337ه المعروفة بسنة الرحمة اثر الوباء الذي عم بلدان نجد رحمه الله تعالى، وقيل لي ان اثنين من اولاده توفيا قبله في تلك السنة رحمهما الله تعالى.
10 عبدالرحمن بن عمر بن نشوان«13»: هو الشيخ عبدالرحمن بن عمر بن تركي بن عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد بن عبدالله بن نشوان من المشارفة من الوهبة من قبيلة بني تميم. ولد في بلدة الحريق في مطلع القرن الرابع عشر الهجري فنشأ فيها وتعلم في كتابها مبادئ القراءة والكتابة، وكان شغوفاً بالعلم من صغره فرحل إليه في اماكنه، فارتحل إلى المجمعة حيث اخذ عن الشيخ الفقيه عبدالله بن عبدالعزيز العنقري قاضي بلدان سدير في ذلك الوقت وكان دائم الاتصال به. ثم صار للمترجم له تنقلات فسافر إلى الاحساء واخذ عن علمائه كما اخذ عن علماء الخليج فقد اقام مدة في قطر عند العلامة الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع فأخذ عنه كما اخذ عن غيره. وكان على صلة قوية بعلماء نجد في الاخذ عنهم حتى عد من العلماء المدركين. وصارت له همة كبيرة وشغف في جمع الكتب النفيسة والاطلاع عليها والاستفادة منها، ولم يشغله العمل في الفلاحة عن مواصلة التحصيل العلمي وكثرة مراجعته لكتبه التي اصبحت هي غذاؤه الروحي ومما يدل على اهتمامه بها ماجاء في وصيته حينما احس بدنو اجله فقد قال فيها: «واما الكتب فعددها كثير وامكنتها متفرقة منها سحارة عند عبدالله بن سيف راعي ام القوين المعروفة في بلد عمان، وايضا (سحارتين) كتب في بلد الاحساء عند عثمان بن علي الطويل وايضا مزودة كتب عند الشيخ عبدالله العنقري في المجمعة والباقي في القصب والحريق وشقراء والقراين حتى لا يخفى«14»». يدلنا هذا المقطع من وصيته رحمه الله تعالى على شغفه بالعلم واهتمامه به، هذا مع الامكانات الضعيفة والمادة القليلة والصعوبة في الحصول على الكتب، ولكنها الهمة والعزيمة منه إذ استطاع ان يحصل على هذه المجموعة الكبيرة منها. ثم إن توزيع كتبه في تلك الاماكن دليل على انه كثير الترحال لطلب العلم وانه ملازم لكتبه. وينقل عنه جماعته ومعاصروه انه كان يساعد والده عمر في سقي نخيلهم في الحريق، وكان والده يسوق النواضح وهو يتابع توزيع الماء على النخيل، وكثيراً ما يعمد إلى فتح الاحواض بعضها على بعض «يقرنها» ثم يجلس تحت شجرة يقرأ في كتاب فإذا احس والده بضياع الماء جاء يتفقد المكان فإذا بابنه المترجم له منهمك في قراءته فيسأله هل تعبت ياولدي؟ لابأس اذهب عند النواضح وانا ارقب الماء فذهبت مقولته هذه مثلاً عند اهل البلد يقولون:«عقبة عمر».
وقد توفي الشيخ عبدالرحمن في شهر صفر سنة 1337ه المعروفة بسنة الرحمة اثر الوباء الذي عم بلدان نجد. وقد خلف ابنه الشيخ عبدالعزيز الذي كان عمره عندما توفي والده سنة واحدة وسوف تأتي ترجمته في الحلقة القادمة رحمهم الله تعالى وجميع موتى المسلمين.
الهوامش:
«1» العدد «10524» الصادر في 1/5/1422ه.
«2» «شجرة نسب اسرة الحراقا» ط 1407ه.
«3» نقلاً عن الشيخ عبدالله بن ابراهيم الشايع، يبلغ من العمر الآن تسعين عاماً متعه الله بالصحة والعافية.
«4» انظر ترجمته والوثائق التي تدل على تنصيبه في بيت المال من قبل عبدالله الحريّقي في:« العلماء والكتاب في أشيقر: 1/362».
«5» مخطوط: «مجموع ابن عيسى:236».
«6» الموجود منه المجلد الاخير فقط محفوظ في مكتبة آل صالح بمدينة حائل.
«7» العقد الفريد في نسب الحراقيص من بني زيد:«101».
«8» من اعيان هذه الاسرة الكريمة : الأمير عبدالله بن رشيد بن ابراهيم بن رشيد بن عبدالوهاب بن رشيد تولى الامارة في الحريّق سنين طويلة اشتهر بالكرم وقد توفي وهو على رأس عمله أميراً وذلك سنة 1360ه وله من العمر 85 عاماً تقريباً رحمه الله تعالى، وقد خلف ولدين هما ابراهيم تولى الامارة بعده لفترة قصيرة والابن الآخر اسمه محمد رحمهم الله تعالى.
«9» انظر صورة الوثيقة المذكورة في مجلة« الدرعية» العدد العاشر 1421ه ص: 329.
«10» ممن اشتهر في بلدة الحريق من هذه الاسرة الكريمة: عثمان بن عبدالله بن ابراهيم بن محمد بن عبدالله بن عبدالعزيز بن جماز، جده ابراهيم المذكور في هذا النسب اخو للكاتب عبدالعزيز المترجم له اشتهر عثمان المذكور بالفراسة الحادة في اقتفاء الاثر فكان له فضل كبير في العثور على بعض القتلة واللصوص الذين صعبت معرفتهم او العثور عليهم، وله في ذلك قصص عجيبة، عمر طويلاً وقد توفي بدون عقب وذلك سنة 1410ه تقريباً رحمه الله تعالى.
«11» مخطوط مفقود الأول والموجود منه«216» ورقة يبتدئ من تفسير سورة الاحقاف الى آخر تفسير سورة التغابن وليس عليه اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ.
«12» مطبوع سنة 1297ه والمتبقي من النسخة التي اوقفها المترجم له المجلدات الثالث والسادس والسابع والثامن، وقد كتب بخطه على طرة كل مجلد العبارة التالية: «في ملك الله ثم في ملك الفقير الحقير إلى ربه عبدالعزيزبن محمد بن جماز غفر الله له والوالديه ولجميع المسلمين آمين وهو وقف على ذريته».
وكان سابقاً في ملك محمد بن ابراهيم بن عبدالله بن محمد بن عبدالكريم.
«13» انظر ترجمته في :«معجم اسر بني تميم في الحديث والقديم:2/505»، ومجلة «العرب»س 30 1415ه ص: 396، و«علماء نجد: 3/140» وقد ذكر انه ولد في بلدة الفرعة والصحيح ان مولده في بلدة الحريّق.
«14» انظر نص وصيته كاملة في: «العلماء والكتّاب في أشيقر: 1/87». ولاتزال مجموعة من الكتب التي أوقفها لدى احفاده وهي تشتمل على فنون شتى من فنون العلم سواء العلوم الشرعية أو غيرها.
* للتواصل:« الوشم أشيقر 11961 ص.ب 6075
|
|
|
|
|