أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 16th September,2001 العدد:10580الطبعةالاولـي الأحد 28 ,جمادى الآخرة 1422

عزيزتـي الجزيرة

قيمة تطويرية لـ « الصرخة الأولى » !
الطفل وارتقاء لغته قبل المرحلة الابتدائية
ما حقيقة الأصوات والصراخ والمناغاة التي يخرجها الطفل من فمه في ساعات مختلفة من الليل والنهار؟ أهي تعبير معان خاصة من الألم أو السرور أو الجوع؟ وكيف يكتسب الطفل لغته في السنوات الأولى من ولادته، وكيف يبدأ التفكير عند الطفل؟ وكيف تكون المحاكاة عاملاً فعالاً من عوامل اكتساب اللغة عند الطفل؟ ثم كيف تفسر اضطراب الكلام أو عسره عند بعض الأطفال؟ وهل من سبيل إلى علاج؟
واللغة هي أكبر ما يميز انسانية الانسان وأقوى ما يعبّر عن شخصه من حيث هو فرداً أو من حيث هو عضواً في جماعة، وان اللغة تبدأ بطمطمات غير مفهومة وتصل إلى مراحل عليا من التجريد والعمومية إلى حد أنها تختلط بالفكر. والأسس البيولوجية هي التي تفسر الجذور العميقة في الشخصية الانسانية ويقال إن هناك من يعتبر أن لغة الطفل حتى السابعة من عمره هي لغة ذاتية، فحتى هذه السن يدور كل حديث الطفل عن نفسه.. وان اللغة بقدر ما هي تعبير عن مشاعر الفرد وأحواله الوجدانية فهي في الوقت نفسه واسطة للاتصال الاجتماعي أيضاً.
ودلالة صراخ الطفل الفيزيولوجية لا ينكرها أحد، فوظيفة الصرخة الأولى بعد الميلاد تنفس وتجهيز الدم بذلك بقدر من الأوكسجين ولكن هذه هي المرة الأولى التي يصغي إليها الطفل إلى صوته أيضاً ولهذا قيمة في تطور اللغة فيما بعد.
يذكر علماء اللغة و«الأنثرولوجيون» أن لغة الكلام خاصية تميز الفروق البشرية، وأن لغة كل قبيلة أو أمة ذات تاريخ طويل يمتد لعدة آلاف من السنين الفائتة واللغة أساساً هي ارتباط ثابت بين أشياء مدركة حسيا وبين حالات شتى من الشعور وهذا ما نجده ظاهراً عند صغار الأطفال، وتظل اللغة تشمل كل صور الاتصال المرئية أو المسموعة أو الملموسة، مع العلم أن لغة الكلام ستظل باستمرار أقوى هذه الوسائل وأنفعها لأنها تستطيع أن تجمع بين الألفاظ المقطعية والتغيرات اللحنية والعلامات الوجهية وغيرها من صور التعبير في آن واحد.
وعلى كلٍ نذكر في كل صور التآزر الحركي للطفل والذي يعد نفسه في مناغاته بما فيها من امكانيات لكي يتعلم اللغة السائدة والاستفادة منها وذلك قبل نسيان الطفل لأصواته التلقائية ولنلعم أن الثراء اللغوي عند الطفل لا يقاس بعدد ألفاظه فحسب بل بخصوبة هذه الألفاظ وصدق دلالتها أيضاً.. فالكلمة الأولى عند الطفل هي إما تلك التي يحاكي فيها الطفل الآخرين محاكاة عاجلة «ايكولاليا» أو أنها أول كلمة يبدو أن الطفل يفهمها أو أنها أخيراً أول كلمة يستعملها تلقائياً.. والطفل السوي حين يأخذ بمحاكاة الغير في كلامهم سرعان ما يتنبه إلى أوجه استعمال الكلمة ومقاصدها، والمهم أن كلام الغير لا يسقط على أذن الطفل فحسب وإنما إلى ذهنه مادامت كل كلمة يلقيها الغير ذات صلة بعناصر الموقف المحيطة بالطفل والطفل السوي حين يأخذ بمحاكاة الغير في كلامهم سرعان ما ينتبه إلى أوجه استعمال الكلمة ومقاصدها.
ومنذ أن يفهم الطفل الكلمة الأولى ويحاكيها ويقدر على استعمالها استعمالاً صحيحاً تأخذ اللغة بالاستيلاء على قلبه وسمعه، ومهما قيل عن ظهور الكلمة بعد انتهاء عام من حياة الطفل فإن هذه الكلمة الأولى تعقبها فترة تستغرق بضعة أشهر تتميز بعدم قدرة الطفل على الاستمرار في اخراج الكلمات ولعل من أسباب ذلك فترة التسنين التي تسبب للطفل بعض الصعوبات في النصف الأول من السنة الثانية ثم منافسة عامل المشي إذ يفضل الطفل اكتشاف عالم المكان ومن هنا كان ما يحصله الطفل يعد كلماته الأولى شيئاً قليلاً، ويستمر هذا الحال حتى انتصاف السنة الثانية وبعدها يفاجئ الطفل من حوله بتقدمه السريع في اكتساب الألفاظ واستعمالها.
إن الاتجاهات الحديثة في علم النفس لتؤكد دون شك أهمية المجتمع وإن ذاتية الطفل مهما كانت قيمتها الخاصة فالمعيار الذي تقدر به هو المجتمع وما مقارنة الفردية بالمجتمع إلا كمقارنة أملاح الأرض بما ستكون عليه الثمرة.
إن الطفل شديد الاعتماد على من حوله في كل صغيرة وكبيرة وانه أول الأمر لا يميز بين ذاتيته وبين الغير حتى تمر الثلاث السنوات الأولى. وإن عدم التمييز من جانب الطفل بين شخصيته وبين الآخرين لينعكس جيداً على كلماته فنفس الكلمة يطلقها ليعني بها الآخرين دون تمييز.
إن الأم أو من يحل محلها في الحالات الاستثنائية هي أهم شخص يلتفت إليه الطفل في الوسط المنزلي ويتعلق به وان اللغة حين تأخذ سبيلها إلى عقل الطفل وقلبه تصبح الوسيلة الكبرى التي يعبر إلى أمه عن مطالبه أو يتلقى منها شتى التوجيهات والاستجابات، وعلى الرغم من أن المجتمع الحقيقي للطفل هو المنزل بالدرجة الأولى، ولن يتعرض الوسط الاجتماعي العام لسلوك الطفل إلا بعد خروج هذا لأول مرة إلى المدرسة وفي سن السادسة على الأخص وهكذا إلى حد «ما» يسير رقي الطفل مع رقي ألفاظه فبواسطة الألفاظ يمكن أن ننقل إلى الطفل الصور الحضارية وبواسطة كلام الطفل يمكننا أن نفهم مدى هضمه لهذه الصور وقبوله أو رفضه لها.
وهناك ظهور عوائق الكلام عند الأطفال الذكور أكثر منها عند الإناث ويعتقد أصحاب التحليل النفسي أن عيوب الكلام ذات أساس نفسي وهناك سؤال هل القلق هو سبب التهتهة أو نتيجة لها والكلام غير السوي يوجد عند عامة الأطفال عادة أول الأمر ولكن يصبح مشكلة إذا رفع أقران الطفل مستوى شعوره اضطراباته الكلامية «باثالوجيا الكلام».
وقد يتمكن الطفل من علاج عوائق التهتهة إذ كثيراً ما يبتدع الطفل نفسه وسائل خاصة للتغلب على مشكلته ويعمل الآباء على تشجيعه على ذلك. فيلجأ الطفل إلى أوضاع بدنية معينة يستخدمها لإجادة كلمة كأن يضغط على هذا الجزء أو ذاك من بدنه أو يشير بأصابعه إلى غير ذلك وبعض الأطفال يجدون سهولة حين يغنون أو يعدون الأرقام أو يلقون قصائد محفوظة أو يعتقدون أنهم وحدهم أو حين يتكلمون في غرفة مظلمة غير أن الطفل حين يلاحظ أحياناً أن هذه الوسائل لا تجدي تزداد مشكلته تعقيداً لذلك أن صاحب صعوبات الكلام مستغرق في مشاكله النفسية من قلق وتهيب وشعور بالخيبة والحرمان إلى درجة أنه بعيد عن التأثر بالعوامل الاجتماعية التي هي وحدها أكثر مما عداها تهيئ الفرد إلى النمو السليم بلغته.
أحمد سالم بريك
مشرف تربوي إدارة تعليم صبيا

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved