أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 16th September,2001 العدد:10580الطبعةالاولـي الأحد 28 ,جمادى الآخرة 1422

مقـالات

انكسار امرأة
منيرة أحمد الغامدي
كيف هو الشعور بالانكسار؟ كيف هو شعور القمة عندما تهوي لتتساوى بمستوى أعمق نقطة في البحر؟ كيف هو شعور انكسار المشاعر ... تستيقظ صباحا بل إنها لم تنم ... هي مليئة بالجراح والكدمات والآلام المبرحة الجسدية منها والنفسية ...
كيف تواجه الآخرين؟ تشعر بأن الجميع يعرفون ماذا حدث البارحة .. الجراح والكدمات الجسدية قد يكون بالإمكان مداراتها وحجبها أو بعضاً منها على الأقل، ولكن ماذا عن انكسار وجرح الذات .....؟
كيف هو الشعور في صباح يوم ضربت في مسائه؟ أي انكسار؟ أهو شيء يمكن إخفاؤه؟ هل يمكن أن تنسى لحظات الضعف التي مرت بها؟ .. هي في نبرة الصوت .. في نظرة العينين في رعشة اليدين، في تثاقل الجسد وتحامله على نفسه ليحمل ذاتاً مبعثرة متناثرة مهشمة لا قدرة له على لملمتها ..
ماذا كان يكمن أن تفعل في مساء تلك الليلة التي كانت منهكة فيها وتستعد للخلود لنوم طويل حتى الصباح ... بعد رحلة من العمل اليومي الشاق، بعد أن أرضعت هذا، ونوّمت تلك، وتعشى البقية، .. تأخرت ونام السلطان قبل أن «...»، ولعلها تحاملت على نفسها لتتأخر حتى ينام .. فالمسافة بينهما أصبحت بلاداً ... ولن تقربها لغات أجساد العالم مجتمعة .. لينام إذاً يريح ويستريح.
ماذا كانت ستفعل وهو يهيل لها الشتائم الواحدة تلو الأخرى ويعالجها بضربات مبرحة على الوجه والظهر والأكتاف حتى سقطت على الأرض ... أهو جسدها الذي لم يعد يحتمل أم هي ذاتها هوت .. تكسرت ..؟
وعاد إلى فراشه لينام .. كيف يستطيع أن ينام قبل أن يرى آثار عدوانه الغاشم على وجهها وبقية جسدها...؟ ألا يرغب في رؤية أنفها المكسور؟ أو عينها المتورمة؟ ألن يسعده صداعها الذي استبد بكل جزء من رأسها... ألن يزيده ذلك انتشاءً جبروتياً؟ جرعات تساعده على مواصلة العدوان ليلة بعد ليلة ... وفي النهار يسود الصمت الرهيب حتى لا يعلم كائن من كان بالدمار الذي ألحقه.
لكنها هذه المرة تشعر بالألم يزيد ويزيد وهي بحاجة إلى الطبيب .. تتوجه ويأتي معها .. أي مسرحية يلعب هو فيها كل الأدوار البطولية؟ ... ويقترب من الطبيب ... نظرها ضعيف يادكتور. وقد سقطت وهي تنزل من السلالم .. هكذا قال..
هو إسقاط نعم ولكن ليس من السلالم بأي حال .. وتصمت كما تصمت كل يوم وكل ليلة على مدى سنوات طويلة.. يطلب الطبيب أن تتوجه لأخذ أشعة للاشتباه بوجود كسر بالأنف وتأتي النتائج إيجابية.. يطلب منها فحص العين.. ويفاجأ الطبيب بأن نظرها أي شىء إلاّ أن يكون ضعيفاً..
شعرت به يحاول أن يقول شيئاً وهو يفحص عينيها إذ كانت المسافة قريبة جداً، شعرت به يحاول أن يسألها عن شيء ما .. شعرت بأنها ترغب في الهمس له بقصة حياتها.. كلها في هذه اللحظات.. لم يكن بوسعها حتى الايماء .. لم أسقط من السلالم .. لم أسقط ولكن ذاتي تكسرت وتهشمت ... حدثت نفسها .. ألا ليته يسمعني .. صغر حجم العيادة جعل كل شيء قريباً أيضاً ... الضيق الذي تشعر به حشر كل كلمات الدنيا على اطراف لسانها، وتتنقل نظرات الاستغراب من عينيه إلى عينيها الدامعتين وإلى تلك الاخرى الحجرية.. ويسود الصمت للحظات قبل أن ينطق الطبيب بشيء من الاستهزاء والألم.
نتيجة السقوط «كما تقول» أحدثت لها نزيفاً في العين وتحتاج إلى بعض الأدوية والمسكنات...!!
مسكنات ... مسكنات عندي منها الكثير .. عندي منها الكثير!! أرجوك يا دكتور لم أعد أرغب في المزيد .. مللت استهلاكها ... مللت .. وتعبت ... تعبت، نعم تعبت يكفي يا دكتور فلم أسقط لم أسقط من السلالم .. نعم أسقطت وهناك فرق .. هناك فرق .. هناك فرق! وتهشمت وما تراه بقايا حطام، ولكن ليس من السلالم ونظري ليس ضعيفاً ألا ترى؟
أستطيع تمييز كل الحروف على لوحة القياس،... لم يسمع الطبيب شيئاً مما قالت لأنها كانت قد فقدت لسانها في لحظات إسقاط سابقة!!

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved