| مقـالات
** هذه محطة لفحص دوري من نوع آخر، فحص يختص بالكلمات لا السيارات، ويتناول بعضاً من المطالعات والمراسلات والمداخلات، لا «الكفرات والليات والسلندرات»، محطة فيها، من تلك الأدبيات التي تربط بين الكاتب وما يكتب، والقارئ. انها محطة اختيارية. اتوقف عندها بين وقت وآخر، لأجدد اللقاء والحوار مع الآخر.
حلول ل«الهجرة» من.. «إنديانا»..؟
** يزورني عبر الشبكة العنكبوتية، عدد من القراء الأفاضل من مختلف مناطق المملكة، ومن خارجها أيضاً، وأجد في معظم مداخلاتهم وتعقيباتهم واقتراحاتهم، ما هو جديد مفيد، وجدير بأن يطلع عليه القراء من خلال هذه الزاوية.
** ومن المداخلات التي توصلت بها مؤخراً، ما جاء بتوقيع الاخ الكريم «خالد ابا الحسن»، وهو من «انديانا» بالولايات المتحدة الأمريكية، وكتب يعقب فيها، على مقال لي سبق نشره هنا، يوم الاحد الموافق للخامس عشر من شهر جمادى الاولى الفارط، تحت عنوان «استعدوا لاستقبال المهاجرين الجدد». والمقال الذي كتبته يتناول ظاهرة الهجرة من القرى والهجر والارياف في المملكة، الى المدن الكبيرة، لأسباب عديدة يطول شرحها. ثم يقترح بعضاً من الحلول.
** أما الاخ «خالد ابا الحسن» فهو يقول في مداخلته: اطلعت على مقالتك عن الهجرة من الارياف الى المدن، وقد كانت بحق، مقالة موفقة ومسددة في رصدها للواقع، وتحليلها للأخبار، واستنباطها لأبعاد المشكلة، ثم عرض الحلول المبدئية للتخفيف من آثار هذه المشكلة. ولقد دفعني للكتابة إليك، رغبتي في المساهمة بالرأي في حل مشكلة الهجرة، والتي اتفق معك في خطورتها، وفي وجوب عمل حلول جذرية لها.
** ثم يضيف: «ويعلم مثلك، ما للتخطيط الحضري من دور مهم ومؤثر في حل مثل هذه المشكلات، ولعلي أضرب مثلاً على أهمية هذا. ففي ولاية «بنسلفانيا» الأمريكية، لاحظت الحكومة المحلية، هجرة غير طبيعية، من الارياف والمناطق الزراعية ذات الخضرة والمياه الوفيرة، الى المدن الرئيسية، مثل «بتسبرج وفيلادلفيا»، وغيرها من المدن الكبرى داخل الولاية وخارجها، فقرروا إجراء تغييرات جذرية في سياسة عمل الحكومة، وجاءت الحلول على يد المخططين المدنيين، وكان من ضمن الحلول، إنشاء «14 جامعة»، كلها تقع في قرى زراعية صغيرة، لا تزيد حاضرتها على شارع أو شارعين، أو أنها بلا حاضرة..! فقامت الحكومة المحلية والفدرالية، بتأسيس تلك الجامعات منذ ما يزيد على مئة عام، ودعمتها بتخصصات مختلفة، يحتاجها سوق العمل في تلك القرى وخارجها، مما أدى بأبناء الأرياف والمناطق الزراعية، لأن يبقوا في مناطقهم، لتوفر الفرص الدراسية والعمل فيها، وتمخض عن إنشاء الجامعات، تأسيس المستشفيات التابعة لها، وتنشيط سوق العقار والتجارة، وتحسن الخدمات الصحية، الأمر الذي أدى الى تخفيف الزحف نحو المدن بشكل ملحوظ.
** ثم يتابع قائلاً: «وفي اعتقادي، أن المنظومة واسعة، وأن إطار المشكلة لدينا مختلف إلى حد كبير، لكن إمكان العلاج وارد إلى حد أكبر.
وبالنسبة لمشكلة المياه التي أتفق معك في ارتباطها الرئيس بمشكلة الهجرة في المملكة، فإنه يمكننا مثلا الإفادة من السدود، وإنشاء المزيد منها، ثم منع الزراعة في المناطق التي لا يمكنها الإفادة من تلك السدود بشكل مباشر أو غير مباشر، لكي يتم توفير المياه الجوفية، والاكتفاء بالري من السدود التي تنتهي الى التبخر في أجواء المملكة الحارة، ولذا فمزارعنا أولى بها.
كما يمكن للدولة، وقف زراعة أنواع يمكننا استيرادها من الخارج، وتوفير المياه لأفواهنا. ولو قال قائل: نحن بحاجة للاكتفاء ذاتياً من الزراعة، فردي عليه بسيط، وهو أنه لا يوجد في العالم بلد واحد مكتفٍ ذاتياً..! فالعالم، يعتمد بعضه على بعض، وهو مقبل من خلال نظام التجارة العالمية الجديد، على تعاون وتكامل أكبر، فنحن في حاجة الى ما يزرعون ويشربون، كما أنهم بحاجة، الى ما تفيض به آبار البترول لدينا. ثم لنا الحق في الانتقاء، ويمكننا تعزيز التبادل التجاري مع البلاد العربية والمسلمة، التي يربطنا بها رباط الاخوة والدم، قبل رباط المصالح والتجارة.
** ثم يتساءل الأخ الكريم قائلاً: (هل يأتي اليوم الذي نشرب فيه مياه السودان، ونأكل ثمار مصر والأردن، وتسير سياراتهم بوقود سعودي، ويرشون مزروعاتهم بأسمدة سعودية.؟! الحديث ذو شجون يا أخي، لكني احببت ان اشاركك رؤيتي، بعدما قرأت مقالتك المتميزة.. وزدنا زادك الله علماً).
** وأقول للأخ «خالد أبا الحسن»، نزيل «إنديانا»: شكراً على هذه المشاركة النيرة، والإضاءات المفيدة على طريق البحث في قضية الهجرة من الأرياف الى المدن الكبيرة في المملكة، وأتمنى أن نعرف وجهات نظر المتخصصين في شؤون التخطيط الحضري والمدني والعمراني في المملكة، وهم كُثر والحمد لله، واذكر منهم على سبيل المثال، الدكتور المهندس عبدالعزيز الخضيري، الوكيل المساعد في وزارة الشؤون البلدية والقروية، فقد حضرت له محاضرة في الطائف، في غرفتها التجارية، قبل أربع سنوات، ثم جلست معه في دار الصديق الدكتور عمر بن عوض المشعبي، رئيس بلدية الطائف السابق، في حي الشرفية، وكان المهندس الخضيري، يتناول مثل هذه القضايا برؤية متقدمة، وفهم جيد، وطرح علمي لافت، وكان الدكتور المشعبي حفظه الله ، بحكم عمله وتخصصه، وحبه للطائف، يدرك جيداً، العبء الذي يلحق بالمدن الكبيرة، جراء الهجرة إليها من الأرياف.
** فماذا فعل الله بهذه الأفكار، التي كانت تدار وتدرس، في الشؤون البلدية والقروية، وفي بعض بلدياتها، قبل أربع سنوات..؟!
شرطة «المجتمع».. من «المجتمع»..؟
** نشرت هذه الجريدة على صفحتها الأخيرة من يوم الاثنين الموافق «22/6/1422ه»، خبراً لافتاً مفرحاً، نقله الزميل «خالد المرشود»، مراسلها من الدمام تحت عنوان: «قريباً.. تطبيق شرطة المجتمع في الدمام». وحمل الخبر، إيضاحاً مقتضباً، من المقدم الدكتور «بندر المخلف»، المشرف على المشروع. يعني، مشروع شرطة المجتمع مثلما فهمت. ومفاد ذلك انه سوف تشكل لجان في الأحياء، تضم أناساً لهم خبرتهم وتفاعلهم بالمجتمع، مثل المتقاعدين، او ممن لهم بصمات إصلاح على هذا المجتمع، وذلك، بعدد يتراوح بين خمسة الى تسعة أشخاص، ويتم تشكيل لجنتين، واحدة للرجال، والأخرى نسائية، ومهمة هذه «الشرطة التعاونية» مراقبة السلوكيات الشاذة، والتجمعات الشبابية غير المرغوب فيها داخل الأحياء، وتهتم اللجنة النسائية، برعاية الأسر المحتاجة، وحل مشاكلها، وعدم عرضها، أو اللجوء فيها للشرط مباشرة، إلا بعد تقويمها ومحاولة إصلاحها. وملاحظة أي سلوك شاذ او سيىء داخل الحي.. الى غير ذلك من تفاصيل ، وهي قليلة.
** وأقول هنا، بأن هذا من الاخبار السارة حقيقة، تلك الدالة على نضج في التفكير الاستراتيجي الأمني، الذي يضع المجتمع بكافة عناصره في قطب العمل الأمني نفسه. وأشكر المقدم الدكتور بندر المخلف، على هذا التوضيح «الموجز»، وأشد على يده بقوة، فقد كنت من اوائل المنادين عبر وسائل الإعلام، بضرورة تفعيل دور العمدة والعسة، والعمل على نقل بعض الأحمال والأثقال والأعباء التي ترهق كاهل رجال الشرط اليوم، على روابط أمنية أخرى قديمة فعالة، كانت بيننا، مثل «العُمَد والعَسَس»، وهي خدمة مدنية حضرية، من صميم حضارتنا وثقافتنا العربية والإسلامية، ومعمول بها في كافة البلدان، ونحن تخلينا عن مثل هذه الروابط المهمة، في فترة من الفترات، لكن التجارب التي مررنا بها في السنوات الأخيرة، فيها من الدروس والعبر ما يكفي، لكي نصل الى قناعة، بان الأمن وحمايته ورعايته، منظومة اجتماعية متكاملة، ومسئولية لا تنحصر في رجل الأمن «الموظف» لهذا الغرض وحده، لكنها مسئولية جماعية اجتماعية، تهم كافة أفراد المجتمع، واذا لم يعمل كل فرد في هذا المجتمع، على تعزيز مكانته في هذه الدائرة، بأن يكون رقيباً على نفسه أولاً، وأميناً على محيطه ثانياً، انطلاقاً من هذا المفهوم الحضاري، فإن الضرر سوف يلحق به هو قبل غيره.
** من هنا، فإن تشكيل لجان شرطية اجتماعية من المجتمع نفسه، توجه جيد، لكن الأفضل من هذا وحبذا لو نظر القائمون على هذا المشروع في هذه الفكرة بجدية الأفضل.. أن تأتي هذه اللجان «الأمنية الشرطية»، في إطار أوسع وأشمل من «لجنة»، هو مجالس للأحياء، لا تقتصر مهامها على الرقابة وبث العيون فقط مع أنه عمل في حد ذاته لا غبار عليه لكن يناط بها، شؤون أمنية وإدارية وثقافية، وأخرى خيرية، وغيرها، وتكون في صورة همزة الوصل، التي تربط بين سكان الحي كافة، وبين الحاكم الإداري، وبين بقية القيادات في المحافظات، ومنها القيادات الشرطية بطبيعة الحال.
** ان هذه الفكرة التي أعلن عنها المقدم الدكتور بندر المخلف من الدمام، تعد خطوة الى الأمام، على درب إشراك المواطن في مسؤولية أمنه وأمن مجتمعه ووطنه، وفي بلادنا والحمد لله كثير من الرجال والنساء، الذي يتمنى ان يُعطى الفرصة في إطار منظم، كي يعمل «متطوعاً» في شرف خدمة بلده وأهله.
** إن في تفعيل دور «العُمَد» وإعادة «العَسَس» الليلي إلى الزوايا والشوارع والزنقات، وتشكيل «مجالس» للأحياء، تضم شرط المجتمع، إطعام من جوع، وأمان من خوف، وشعور بالعزة والمسؤولية.
Assahm2001@maktoob.com
fax: 027361552
|
|
|
|
|