| عزيزتـي الجزيرة
في كثير من الأحيان.. يظل الإنسان رهيناً لآلامه مجدداً في آماله.. وعندئذ يمر بحالة من انعدام الوزن «في قرارة نفسه» يحس بأنه يملك كل شيء.. وحيناً آخر بأنه لايملك شيئاً البتّة!! يحس بأنه من أكثر الناس سعادة وفي نفس الوقت أكثرهم حزناً وكآبة.. يلح في طلب الشيء وهو يملك كل شيء.. ويهب الشيء وهو لايملك شيئاً!! وبالطبع هذه الاحداث مجتمعة تجعل الإنسان يسير هائما على وجهه لايدري عما يبحث ولا أين يسير.
** كنت جالساً متقوقعاً بلا حراك.. أنبش الأيام بحثاً عن الأحداث الحية متحرياً للأخبار.. ابحث عن الاصدقاء في وقت تعلمت فيه ان اصادق الناس جميعاً.. اكسب ودهم ومحبتهم.. ولكن ألا أحب الناس جميعاً.. هي تناقضات مؤقتة تعيش حائرة في داخلي.. ولكنها تحكي واقعي الأليم.. وفجأة أنام وأصبح على أنصاف أحداث غير مكتملة.. تماماً كخيط أطلال الليل حينما تنقطع خيوطها.. وتبقى مهمة البحث عن النصف الآخر من خلال هذه الاحداث.. اكتب سطراً.. وحرفاً راعفاً.. وأنا سجين غرفتي الصغيرة والتي ترك بابها مفتوحاً..
وفي الطريق المؤدي اليها.. اشعلت النار المتوقدة بحرارة من ألق المعاناة.. حتى اكتوت احرفي بلهيبها.. كيف أنجو من هذا الواقع الذي اعيشه.. لا املك الا ان انتظر بفارغ الصبر.. مايصلني من اخبار وأنا قابع في مكاني.. انتظر عابر سبيل، ينتشلني من معمعة الأفكار.. أو الاقدار لتطفئ تلك النيران الموقدة على باب غرفتي.
** اشكو لوقتي آلامي.. فيقول: لِمَ اللهفة والعجلة؟.. وأنت من تعلّم من الانتظار مالم يتعلمه بشر.. محاولاً أن يخفف عني.
هذا هو صاحبنا بالأمس.. نراه اليوم كسنبلة فارغة تتطاول في الهواء.. وذاك جارنا بالأمس.. وقد أصبح مراهقاً من جديد يتصيد أخطاء الآخرين في طفولتهم.. لينشرها على رؤوس الخلائق بعد بلوغهم.
وذاك الذي كان أخرس اللسان منذ طفولته.. أصبح اليوم حكيماً.. لايرد له رأي.. وذاك الذي نسي ربه فأنساه دينه وتقواه.. فلم يبق من إسلامه شيء.
** وعجباً.. من هذه الدنيا.. فقد أصبح حكيمنا اليوم من كان جاهلاً بالأمس.. فقد انقلب عبثه الى حِكم.. تفاجئ من يسمعها.. «لاعجب إذا قلت لكم «إني رهين الغرفتين» مخيلتي بما تحمله من عبق الماضي البعيد من أفكار وآراء هي غرفة الماضي الأصيل.. اما الحاضر المجيد بكل اصدائه.. وضجيجه يسكن غرفتي الصغيرة..
** أعرف أن إغماض العينين لا يمنع الآخرين من النظر.. وإغلاق الأذنين لايمنع الآخرين من السمع.. وأن انتظاري الحارق في سجني لايمنع رحيل أحبائي، أشجاري التي لها جذور في الأرض قوية لاتقوى على مقاومة الأعاصير ان تتالت..
** وأجزم أن هذه الأيام لم تعد أيام الأحلام الدافئة.. والقلوب الحانية.. والمشاعر الصادقة.. لم يعد هناك سوى الآثار القديمة شواهد للصدق.
«الليل.. والنهار.. الغرفة.. الباب.. وتلك النيران.. ومشاكل الدنيا»!! تساورني الهموم والأفكار تجذبني لأهرب من غرفتي.. مخلفاً ورائي ذلك الماضي البعيد في غرفة أفكاري.. والحاضر المجيد.. في غرفتي الصغيرة، فإن كان من هروب.. فهو هروب من واقعي الذي أعيشه.. أكثر مما هو بحث عن حقائق غير مكتملة غير أني لا أشتكي.. ذلك لأنني أدرك أن الشكوى انحناء!!
** بدأ الشيب يغزو رأسي وأنا رهين غرفتي.. وبقائي رهين الغرفتين دليل الفشل.. وإن لم يكن فنحن ندعي النصر.. والنصر يتطلب منا الكثير.. الكثير من التضحيات التي علينا تقديرها.. ياصديقي العزيز: إنه لزمان أصبح فيه الناس يتراقصون للسنابل الفارغة المتعالية.. ويدوسون النائم بأقدامهم.. ينظرون إليك بما تملك من مال وعقار ومنصب.. ويتجاهلون علمك ومُثُلك.. وعصاميتك.. يتشبثون بحاضرهم.. وينسون ماضيهم.. يعلمون من أين يأتيهم رزقهم.. ويحتارون فيم ينفقونه!! ينعمون بالصحة وينسون واهبها.. نحن في وقت كثر فيه المنافقون.. فأصبح العاقل جاهلاً.. والجاهل حكيماً..
سليمان بن ناصر العقيلي
محافظة المذنب
|
|
|
|
|