| محليــات
لم تتخط عقداً في عمرها الزمني، موسومة بالحركة والشغب.. ضوء يشع من عينيها، لا تعبأ به معلماتها، رفيقاتها في المدرسة لا حديث لهن إلا شغبها، تتلقى من اللوم اليومي ما يدفعها للهروب من فصلها الدراسي بحجة «العطش»، تتحرك كثيراً، وتثرثر كثيراً..
كل ذلك جعلها في ثلة مقصية عن ود مدرساتها.. بل زميلاتها أيضاً.. ولأنها ذكية، لم تتقوقع، ولم تتوحَّد، ولم تنكمش في داخلها، بل تمردت تفعل ما يثير الحديث عنها.. وأخذت تقصِّر في أداء واجباتها من جهة.. مما أثر في مستوى تحصيلها من جهة أخرى.
وصُنفت في زمرة الطالبات ذوات الصعوبات في التعلم، وكان حرياً بالمدرسة ان تخضعها للعلاج..
وتناولتها ذات الاختصاص..
تابعتها.. ساءلتها.. حتى كان ذلك اليوم الذي وجدتها تكثر الخروج من الفصل بحجة «شرب الماء» ورغبتها في كسر عطشها.. وبينما زميلاتها جميعهن يحضرن معهن وعاء للماء خصص لهذا الغرض هي لا تملكه..
سألتها الاخصائية أن تحضر معها مثله.. كي تحافظ على بقائها في الفصل أثناء إلقاء الدروس كي لا تخسر شيئاً من الشرح أو التطبيق ويساعدها ذلك على الفهم والاستيعاب وكسب الخبرة.. غير أنها قالت: لا أستطيع..
من هذه الاجابة انبثقت الحقيقة..
استطاعت اخصائية صعوبات التعلم ان تضع يدها على محور المشكلة «مطَّارة الماء» كما تطلق عليها الصغيرات في المدرسة..
وانهالت الصبية في حديث هادر تحكي قصتها.. أمي تقول كلما ذهبنا للسوق انهم يغلُّون الثمن..، ولماذا لا تسألين أباك كي يشتريه لك؟: أبوي مات.. وتحكي قصة موته.. وكيف تصارخ الجميع من حولها، وكيف سقطت اختها مغشياً عليها، وكيف بكت أمها، وكيف حملوه وذهبوا به، ثم بعد ما عادوا لم يعد..
و.. ليس لها من يعولها سوى عمها الذي له من الأسرة ما ينوء عن كاهله أمر مسؤولية أسرتين.
ولأنها لا تستطيع ان تكون مثل زميلاتها، فإن معلماتها لا يعاملنها بالحسنى، ولا زميلاتها، لذلك هي تهرب إلى خارج الفصل بحجة العطش «وأنا ماني عطشانة بس كدة».
أخذت الاخصائية بيدها، وربتت على كتفها.. واجلستها في الفصل، ووعدتها بأن «مطَّارة الماء» سوف تكون عندها في الغد شرط ان تلتزم الهدوء والاصغاء وأداء الواجب..
وعدت الصغيرة وهي على وجل، بل شك في الوفاء بوعد الاخصائية.. في اليوم التالي جاءتها المطَّارة بماء عذب فرات..
قفزت الصغيرة.. طارت فرحاً.. تلذذت بتذوق قطرات الماء البارد من المطارة، احتضنتها.. ابتسمت ملء فيها، قفزت تتعلق بمن جعلتها في مساواة مع زميلاتها.. لن تعود أي منهن بمنافستها في شرب الماء.
أيام
والصغيرة تندرج في هدوء بين زميلاتها، تقدم واجباتها.. وتصغي لمعلماتها، وتشارك زميلاتها.. وتتصرف كأية طفلة سليمة، قادرة، سوية، لا تعاني من أية مشكلة!!.
كيف يحدث في المحاضن التعليمية العلمية والتربوية ان يتم الحكم ومن ثم السلوك مع الإنسان في مقتبل عمره على مجرد سلوك خارجي لا يُعرف ما الذي يخفيه من الدوافع والأسباب.. حتى إذا جاء من يصل إليه.. تحول مؤشر الزاوية إلى انفراج كلي؟!.
ربما هذه الصغيرة تدعو إلى أمور تربوية كثيرة لابد أن ينظر إليها.. وإلى سلوك محدد توجه إليه كل من تتولى أو كل من يتولى التعامل مع الإنسان.. والإنسان في مرحلة الفطرة.
|
|
|
|
|