أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 15th September,2001 العدد:10579الطبعةالاولـي السبت 27 ,جمادى الآخرة 1422

مقـالات

أكاذيب على التاريخ المعاصر:
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
ثلاث فقرات لعنوان واحد، وكل فقرة عنوان موضوع مستقل.. كتب تحت هذا العنوان مدين علي عرّفوا به بأنه باحث اقتصادي من سورية وهذه الفقرات عن: خصوصيات عربية ذات فعل، وأن فعلها مطاولة لأسس التفكير، وأن موضوع ذلك التنمية للدولة القطرية!!..
وأمشاج هذا الطرح من التالي:
1 أنه منذ انطوت الألفية الثانية وهو بلا ريب يريد الألفية من التاريخ الميلادي، بدليل ما سيأتي من كلام له في السياق نفسه عن أجزاء من القرن العشرين بدأ معظم رواد النهضة آخر قرن من تلك الألفية بالمراهنة على شروط هي:
1 الاستقلال بالانفصال عن الخلافة العثمانية، وفصل الدين عن الدولة.
2 هذا يعني أن هذين الهدفين هما شرط تنمية الدولة القُطْرية.
3 قرر خروج الاستعمار التركي، وحلول الاستعمار الأوربي الغربي.. وهذا يعني أن أحد الهدفين لم يتحقق، وهو الاستقلال.
4 لخص رذائل الاستعمار الغربي الأوربي في «نهب الفوائض، وضرب إمكانات التنمية والتقدم».
5 انتهت هذه المحنة بخمسينات أو ستينات القرن العشرين حيث حققت الدول العربية استقلالها السياسي، وإنجاز مشروعها الاقتصادي التقدمي!!.
6 كان التحديث مشروطاً بأوصاف تطرأ على هوية الأمة، ولهذا انقسمت تيارات التحديث إلى قوميين عرب: إما ماركسيين، وإما ليبراليين.
7 من حسنات«!!!» هذه التيارات أنها دفعت بمشروع التيار الإسلامي إلى الوراء!!.
8 الحظ الظرفي السعيد لذلك الدفع: اتساع نطاق النظام الاشتراكي دولياً، واتساع نطاق المد القومي عربياً!!.
9 ذكر إجمالاً بلا تفصيل ولا تمثيل أن للتحديث إنجازات، وأن تلك الإنجازات وجهت الدول العربية إلى تنفيذها، وهي مشاريع تنموية«1» مهمة.
10 يظهر من سياقه لحناً لا تصريحاً أن تلك المشاريع لم تنفذ، لأنه ذكر تناقضات أظهرت نقاط ضعف الطروحات العربية، وأنها استنفدت مضمونها.. وذلك في منتصف السبعينات.
11 تلك التناقضات صراع سياسي وفكري يلتمس الأسلوب الأنجع للتنمية، وحجم القطاع العام والخاص، ودورهما، والأولويات، والموقف من الاستثمار الأجنبي والاقتراض.
12 تلك التناقضات ناتجة من طبيعة التوجه الإقليمي والدولي في علاقات العرب بغيرهم، وعلاقاتهم بينهم.
13 الضعف المذكور آنفاً الذي أبرزته تلك التناقضات أعاد في منتصف السبعينات التيار الإسلامي إلى مقدمة المسرح السياسي، ليقدم مشروعه البديل!.
14 هذه الإعادة كانت احتدام صراع مرة أخرى أدخلنا في القرن الحادي والعشرين بلا حسم، ولا تقدم ولا تنمية، ولا اشتراكية، ولا رأسمالية، ولا قطاع عام أو خاص، ولا شعور بهويتنا«!!!»، ولهذا فالسؤال الآن: كيف نبقى عرباً على الأقل؟!.
15 طرح تساؤلات أخرى هي:
لماذا استطاعت الدول المتقدمة أن تحسم أمر قضاياها الكبرى على ضوء مناقشتها لمشكلاتها.. ونحن لا نزال نغرق في لجج تفاصيلها ومتاهاتها، ونعطيها أبعاداً إضافية؟!. ويدخل ضمن ذلك: لماذا تكثر لدينا الأقوال وتقل الأفعال.. إلخ؟.. ثم نقل التساؤل إلى غباء مزرٍ هو: هل تكمن مشكلاتنا في طبيعة لغتنا العربية التي تحمل ألفاظها أكثر من دلالة أو معنى أو إسقاط رمزي يبقي الباب مفتوحاً لمزيد من التفسير والتأويل؟.. وتساءل ثالثاً: هل المشكلة تكمن في طبيعة النسق المهيمن ومكوناته؟.. وانتهى لا فض فوه إلى أن خصوصية المنطقة العربية تطاول أساسيات التفكير.. ولم يبين ماهية تلك المطاولة، ولم يعرِّف بأساسيات التفكير التي تميز خصوصية المنطقة وإنما ذكر سُلوباً: بأن خصوصية المنطقة لا تنحصر في حدود طبيعة البنى القائمة، ولا في سياق التطورالتاريخي للدولة والمجتمع وعلاقتهما، ولا في طبيعة الإستراتيجية المطلوبة.. وهذه الخصوصية المزعومة جعلها الكاتب فعلاً بشرياً، من أجل إبقاء كثير من المسائل خلافياً لعل النقاش يساعد في الوصول إلى أحكام نهائية فيما يتعلق بظواهر مختلفة كالعولمة وتداعياتها المختلفة، أو مشكلة كإصلاح القطاع العام.
وانتقل الكاتب بتجاوز الشكل التقليدي المبتذل، ولم يُعرِّف بهذا الشكل، بل قال:« فالموقف من العولمة والشراكة الأوربية المتوسطية، أو من الدولة القطرية، أو من الاندماج، أو من نقائض هذه الأمور: يجب أن يكون معللاً مبنياً على قاعدة السبب والنتيجة.. ومثّل لعلاجه بالليبرالية، فلا يجوز ادعاء صلاحيتها لبلد ما زال في المراحل الأولى من بناء اقتصاده، لمجرد أنها موضة العصر، أو لأن الاشتراكية هُزمت.. وهكذا الاشتراكية لا يجوز ادعاء صلاحيتها من خلال صورها التي عرفناها، ومن خلال تجارب عربية وأجنبية لمجرد أن النظام الرأسمالي محكوم بهاجس الربح.. ولا يجوز تجاهل النتائج السلبية«بل الكارثية» لتنصيب الدول عبر مؤسسات القطاع الحكومي باسم الاشتراكية، لأن هذا التنصيب هو البديل لمقام المواطن الفرد وما يتعلق بتحديد طبيعة حياته، وأهدافه، وكيف يأكل ويشرب، وأين يقيم، وماذا يتعلم؟«2».
قال أبوعبدالرحمن: الانفصال عن الخلافة، وفصل الدين عن الدولة قبل انطواء الألفية الثانية بقرن.. تم فعلاً، ولم يبدأ، وأما البداية فكانت منذ حملة نابليون على مصر.. والانفصال والفصل ليسا هما الشرط للتجزئة التي سماها«تنمية الدولة القُطْرية»، وإنما هما شرط القومية العربية عند مفلسفيها من العلمانيين، وشرط الأيديولوجيات الكافرة كالماركسية الأممية والبعثية الصليبية.. وكلاهما في مصب الكيد الخفي العلني الآن للصهونية.. والتعبيرعن الخلافة العثمانية بأنها استعمار تركي حل محله استعمار أوربي أمريكي تعبير طائفي تجزيئي، ولم تسقط الخلافة إلا بتخطيط الاستعمار.. وإنما يقال عن الخلافة العثمانية: إنها ضعفت دينياً وسياسياً، وفسدت دينياً وإدارياً بنشر وحماية البدع المحرمة، والبدع الشركية، وبإحياء روح التجزئة بالقومية الطورانية، وبظلم القيادات العثمانية للشعوب العربية.. ولو ظل قيامها بالشرط الإسلامي لكان بقاء وجودها نعمة لا نقمة، وامتداداً لأمتنا لا استعماراً لها.
ولتربية الكاتب على عداء الكياني لأمتنا لخص رذائل الاستعمار«في نهب الفوائض، وضرب إمكانات التنمية والتقدم».. وهذا الغرض الدنيوي رذيلة بالمنطق الأخلاقي المثالي، وبمنطقة الإسلام المطهر.. وليس هو رذيلة بمنطق الكاتب الذي يرى إبعاد الإسلام شرطاً لحضورنا، ويرى في سقوط الخلافة شفاء.. بل هو بمنطقه اعتداء من قوي على عاجز، وغنم ومكسب للقوي.. إن رذائل الاستعمار بمنطق الدين ومعايير الوجود الثلاثة هي ما ذكره الكاتب.. إلا أن ما لم يذكره أهم،وهو وجودنا الكياني أمة ذات دين ولغة ورقعة وقيم.. ولا تكون التنمية والتقدم إلا بعد تحقق الكياني .. ونحن الآن أمة تصدير مستهلكة بصيغة اسم الفاعل، واسم المفعول معاً نستورد ما تمليه شهواتنا لا ما تريده عقولنا.. وما تريده عقولنا مشروط علينا استيراده بمعايير تجعلنا أمة متخلفة واقعاً نامية مظهرياً بوسائل التمدين التي لا نملك بقوانا ومواهبنا استمرارها، فذلك هو رذائل الاستعمار وباطله وقبحه العدواني، وقبح الطائفية والتجزئة والأممية والأيديولوجيات التي هي ضد الكياني بكل شروطه، وهي التي يأخذ منها الكاتب أسوأ نصيب في ما يزعم أنه دعوة إصلاحية.
والكاتب يفتري على التاريخ المعاصر بأن أمتنا في الخمسينات أو الستينيات حققت استقلالها السياسي.. وهذا كذب، فمنذ أوج مجد الجامعة العربية وعنفوان زعامة جمال عبدالناصر إلى هذه اللحظة لم نملك قرارنا السياسي فيما هو كياني.. وأقرب شاهد على ذلك وأهمه: بقاء حكومات تحكم بما هو ضد وجودنا الكياني الذي هو شرط تقدمنا، وضياع فلسطين من ضيق عام 1948م إلى انسياب عام 1967!!.. فأي استقلال سياسي ها هنا؟.. وقل مثل ذلك عن دعوى إنجاز المشروع الاقتصادي التقدمي.. إنه مشروع التسيب الرأسمالي، ومشروع الظلم الماركسي لأبناء الأمة، ومشروع القروض الأجنبية المشروطة، ومشروع زحف الأسمنت على الريف مصدر الغذاء، ومشروع تشرذم العالم العربي بعمالة المتسيبين، ومشروع الفقر للكثرة الكاثرة من الأمة الذين يتقاضون في بلادهم بعد التأهيل العلمي فلوساً مما سبب إباق ولا أقول هجرة العقول إلى البلاد الأجنبية، أو طلب لقمة العيش في البلاد العربية الأخرى.. وليس ذلك عن توزيع منافع مرسومٍ لتحقيق اكتفاء عربي ذاتي، بل من أجل لقمة العيش للأفراد، وإلى لقاء، والله المستعان.
الحواشي:
«1» التنمية مصدر فعلها نمّى الشيء.. أي جعله نامياً، ووزن الفعل نمّى فَعّل، ومصدر فعّل الصحيح اللام القياسي تفعيلاً، ولكن نمّى معتل اللام فمصدره تنمية.. ووزنه تفعلة.. حذفت الياء الزائدة، وقلبت الألف التي هي لام الفعل إلى ياء، وزيدت الهاء بدلاً من الياء الزائدة المحذوفة، فالنسب تنموي.. فتحنا الميم، وقلبت الياء واواً، حتى لا يجتمع ثلاث ياءات.. وأصبحت ياء النسب حرف الإعراب.. تقول: أمر تنموي وأمور تنموية، فنضيف تاءً، لأنه وصف لجمع تكسير لغير العاقل، فيعامل معاملة المفردة المؤنثة.
«2» جريدة الحياة عدد 1397 في 21/4/1422ه ص 8.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved