| مقـالات
تركيا الجمهورية الحائرة هذا الشطر من عنوان هذه المقالة ليس من بنات أفكاري وإنما هو عنوان لكتاب صدر مؤخراً عن مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق في لبنان للكاتب محمد نور الدين.. أستاذ التاريخ واللغة التركية بالجامعة اللبنانية.. أما المحيِّرة فلقد أضفتها إلى العنوان لتكون امتداداً لمقالة كتبتها ونشرتها صحيفة الجزيرة الشهر الماضي واختار لها ربانها الأستاذ الأديب/ خالد المالك عنواناً هو (تركيا.. علامة استفهام) أشرت فيها إلى عدة نقاط تنفرد فيها تركيا عن غيرها من الدول التي تحارب الإسلام وتمعن في استئصال كل ما يمت له بصلة ولعل القارئ الكريم ليس بحاجة إلى التذكير بأن تركيا محور الحديث تظللنا معها في دولة عثمانية واحدة لأكثر من أربعة قرون تقاسم معها العالم الإسلامي المعتقد والدم والمصير.. كانت على موعد في مطلع العشرينيات في القرن الماضي مع خيارات كانت وما زالت موضع تجاذب داخلي وخارجي نتج عن ذلك عدة اسئلة ملحة تطرح نفسها هي: ما الذي جعل تركيا تتخلى عن الإسلام بل وتمعن في محاربته ومحاربة الملتزمين به؟ ثم ما الذي جعل تركيا الدولة المسلمة من أول الدول التي تعترف بإسرائيل فور تأسيسها؟
ثم ما الذي جعل تركيا تقف معارضة خلال الخمسينيات والستينيات في المحافل الدولية لأي حركة استقلال عربية؟
ثم أخيراً ما الذي يجعل تركيا ترتبط بعلاقات وثيقة سياسية وعسكرية مع دولة البغي والعدوان عدوة الإسلام والمسلمين «إسرائيل»؟.
أكثر من علامة استفهام ترتسم في ذهن كل مسلم وأكثر من سؤال يطرح نفسه بإلحاح... إن المتتبع لما يحدث على أرض الواقع أرض تركيا الدولة التي كانت لعدة قرون حاملة لواء الإسلام ومدافعة عن حياضه بل وساعدت على نشره في أرجاء أوروبا حتى وصلت جيوشها إلى أسوار النمسا... لقد كان التوحد التركي مع الإسلام قوياً جداً إلى درجة أن الأوروبيين كانوا يقولون عن الأوروبي الذي يدخل الإسلام أنه «تركي» بمعنى اسلم مما يعني أن كلمتي تركي ومسلم تعنيان للأوروبي شيئاً واحداً.
ولكن وبكل أسف هذا التوحد التركي مع الإسلام إن صح التعبير تبدد مع ظهور جمهورية أتاتورك: الكمالية والأوربة فبعد معاهدة لوزان عام 1923م وهو التاريخ الذي نجم عنه الولادة الثانية للدولة التركية بعد الولادة الأولى 1299م بدأت مسيرة الأوربة مع أتاتورك وبدأت تركيا التخلي عن الإسلام والدول الإسلامية وتتجه إلى أوروبا جغرافياً وثقافياً وحضارياً وقبل هذا دينياً بتعطيل الإسلام كقوة محركة في المجتمع والسياسة.
لقد نظر أتاتورك إلى أوربا على أنها النموذج الأمثل الذي يجب اتباعه وتقليده وكان بذلك أول زعيم تركي يتبنى الحضارة الأوروبية نهجاً رسمياً للدولة يقول أتاتورك :«الحضارة التي يجب أن ينشأها الجيل التركي الجديد هي حضارة أوروبا مضموناً وشكلاً لأن هناك حضارة واحدة هي الحضارة الأوروبية، الحضارة القائدة، والحضارة الموصلة إلى القوة والسيطرة على الطبيعة.. وأن جميع أمم العالم مضطرة إلى الأخذ بالحضارة الأوربية لكي تؤمن لنفسها الحياة والاعتبار» وهو ما كان يردده في مطلع القرن العشرين كل من المفكرين التركيين أحمد مختار بقوله :«إما أن نصبح غربيين، وإما أن نهلك» وعبدالله جودت بقوله :«ليس هناك حضارة أخرى، الحضارة تعني الحضارة الأوروبية».
وهكذا تحولت تركيا إلى الغرب وتبنت الحضارة الأوروبية منهجاً لها وتخلت عن الإسلام ومنهجه القويم ولكن هل فعلاً أصبحت تركيا دولة أوروبية؟ إن الإجابة على هذا السؤال تتطلب صفحات وصفحات يصعب حصرها في هذه المقالة ولكن الملاحظ أن تركيا لم تأخذ من الحضارة الأوربية إلا القشور حتى الحرية الشخصية التي يتمتع به الأوروبي في أوروبا نجد التركي محروماً منها اللهم إلا حرية الدعارة والفجور والتي تطبق فعلاً في هذا البلد المسلم حيث عدلت السلطات العلمانية بتركيا مؤخراً (قانون الزنا) وسمحت للمرأة التركية أن تمارسه دون عقوبة وذلك استكمالاً لحرية المرأة ونهوضها بالمبادئ الأتاتوركية لتساير التطور الحيواني الغربي وهذه هي الحرية الشخصية المطبقة فعلاً في تركيا والمفهومة من قبل دعاة العلمانية هناك أما بالنسبة للأحزاب الدينية ووصولها إلى الحكم فالأمر عكس ما هو موجود في أوروبا من وصول الأحزاب الدينية إلى السلطة كما هو الحال في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية.
إن الأمل لا يزال معقوداً بأن تعود تركيا إلى حظيرة الإسلام وتضع يدها بيد الدول الإسلامية تدافع عن قضاياهم وتحارب أعداءهم وتتخلص من التغريب الذي تعيشه وتقطع علاقتها بإسرائيل وتترك للشعب التركي المسلم حريته في ممارسة شعائره الدينية كيفما شاء ولعل التصريح الأخير الذي خص به وزير الدفاع التركي صباح الدين حكماكو غلو صحيفة الوطن السعودية ونشرته بعددها الصادر يوم الأحد 22/5/1422ه والذي أشار فيه إلى «أن تركيا ليست بعيدة عن مجريات الأحداث الساخنة في المنطقة وأن الشعب التركي يشعر بأن العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني قد طال أمده ولذلك فإن الحكومة التركية لن تجد مفراً سوى الإذعان لرغبات شعبها والتحول من الحديث عن التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل واجراء المناورات معها إلى توجيه الانتقادات اللاذعة إلى الإرهابي شارون وحكومته وتحميلها مسؤولية التدهور الخطير في المنطقة، وفي نهاية حديثه عبر عن آمال بلاده في إقامة تعاون دفاعي مع دول الخليج العربي والتركيز على المصالح المتبادلة ودفع تطوير التعاون الاقتصادي والسياسي بين الجانبين مجدداً اهتمام تركيا بأهمية استقرار وأمن منطقة الخليج باعتبارها أهم منطقة استراتيجية في العالم.
اقول لعل هذا التصريح وبخاصة وأنه صادر من مسؤول كبير هو وزير الدفاع أحد أركان المؤسسة العسكرية التركية المهيمنة حقاً على صنع القرار في تركيا أقول لعل هذا التصريح يعطي شيئاً من الأمل الذي تمنيته آنفاً بأن تعود تركيا كما كانت دولة إسلامية قوية ذات تأثير دولي تعيد أمجاد الدولة العثمانية وحلفائها العظام ليعود بعودتها الإسلام قوياً كما كان مهيوب الجانب قوي الأركان وتعود الأمة الإسلامية قوية كما كانت لا تخشى أحداً إلى الله وليعود بذلك مجد الإسلام ومكانته في أرجاء المعمورة وليس من سياسة الكيل بمكيالين والحديث بوجهين وجه علني لإرضاء العرب والفلسطينيين ووجه كالح خفي وسري للمحافظة على العلاقات العسكرية والأمنية والاقتصادية والاستراتيجية المتطورة مع إسرائيل.
كما آمل ألا يكون ذلك من باب بيع الكلام الجميل للعرب والفلسطينيين وفي نفس الوقت تعمل على شراء الخبرات العسكرية من إسرائيل وتتفق معها رغم ذروة الانتفاضة على تعزيز التعاون والروابط بين البلدين وزيارة المجرم شارون خير مثال على ذلك.
وقفة:
إلى الأخوة الذين اتصلوا أو كتبوا لي للاستفسار عن القصة التي أوردتها في مقالتي السابقة (تركيا علامة استفهام) والمتعلقة بما جرى في القاعدة البحرية التركية من زلزال وخسف للقاعدة جراء الحفلة الماجنة في القاعدة لكل هؤلاء أؤكد أن القصة صحيحة وقد رواها رجال ثقاة وأن آثار الزلزال لا تزال شاهدة على ذلك وأن الشعب التركي يتحدث عنها حتى الآن وبإمكان أي زائر لجنوب استانبول مشاهدة آثار الخسف حمانا الله جميعاً من غضب الجبار.
للتواصل ص.ب 56165 الرياض 11554
د.سليمان بن عبدالرحمن العنقري
|
|
|
|
|