| أفاق اسلامية
* الجزيرة خاص:
أكثر من عقدين من الزمان قضاها الشيخ محمود رضا مراد في مسيرة العمل الدعوي في الغرب منذ أن كان طالباً جامعياً هناك حيث ساهم بتأسيس (جمعية منشورات الحق)، ورئاسة جمعية القرآن والسنة في أمريكا الشمالية.
وفي هذا الحوار يتحدث ل«الجزيرة» الشيخ محمود مراد عن النشاط الدعوي في أمريكا وكندا، موضحا أن النشاط الدعوي في أمريكا يعتمد على الطلبة العرب وهو أقوى من نظيره في كندا الذي يعتمد على العنصر الأعجمي.
كما يتطرق إلى الحديث عن الأسرة المسلمة في المجتمع الغربي وتأثيرات ذلك المجتمع عليها خاصة الأطفال، وعن الدعوة في السجون الأمريكية ومصداقية المملكة في خدمة المسلمين.
* نود اعطاء فكرة عن بداية نشاطكم الدعوي في أمريكا الشمالية؟
أقمت في أمريكا الشمالية مدة تزيد على (21) واحد وعشرين عاماً تابعت خلالها دراستي الجامعية. وقد قضيت معظم هذه الفترة في العمل في مجال الدعوة ولله الحمد. وقد ساهمت بتأسيس جمعية منشورات الحق، وهي جمعية تهتم بنشر الكتب الدينية وتوزيعها في أنحاء العالم.
وإلى جانب القيام بإدارة هذه الجمعية، أوكلت إلي مهمة رئاسة جمعية القرآن والسنة في أمريكا الشمالية التي كان نشاطها في مطلع عهدها يقتصر على عقد ملتقى سنوي محدود المشاركة. وكان همي الأول آنئذ أن اخرج بهذه الجمعية من حيزها الجغرافي الضيق إلى شمولية تغطي ساحة الدعوة في أمريكا الشمالية. وقد تم هذا بفضل من الله وعونه وذلك من أجل تحقيق هدفها الأول وهو بث العقيدة الصحيحة بين المسلمين من عرب ومن عجم. فتشرفت بعقد مؤتمرها السنوي الأول بعون الله ايضاً ثم بدعم من سفارة خادم الحرمين الشريفين في واشنطن ممثلة بسفيرها سمو الأمير بندر بن سلطان، وسمو الأمير محمد بن فيصل بن تركي الذي كان رئيس قسم الشؤون الدينية في السفارة. فدعا ثلة من اعضاء هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد للمشاركة في مؤتمر الجمعية الأول. وألقى سمو الأمير محمد بن فيصل كلمة افتتاح المؤتمر عبر فيها عن اهتمام المملكة بأمر الدعوة إلى الله وحرص حكومتها الرشيدة على دعم الإسلام والمسلمين داخل المملكة وخارجها.
ثم توالت مؤتمرات الجمعية السنوية بعد ذلك وسجلت ازدياداً ملحوظاً في عدد الحضور، وإقبال المسملين العرب والأعاجم على مؤتمرات الجمعية وسائر مظاهر نشاطها العلمي الدعوي. ذلك بأنها أي الجمعية سدت فراغاً كبيراً في ساحة الدعوة في أمريكا الشمالية بتركيزها على الجوانب العقدية والعلمية، وبعدها عن الصخب الإعلامي واثارة العواطف والحزازات بين المسلمين في تلك القارة.
واقع الدعوة في أمريكا الشمالية
* تغطي أمريكا الشمالية مساحة جغرافية كبيرة تضم كلاً من أمريكا وكندا كما تضم مسلمين عرباً وأعاجم، فما جدوى العمل الدعوي هناك؟
تعتبر أمريكا الشمالية ساحة دعوة واسعة النطاق. وهي في الواقع أوسع من أن تستوعبها جمعية منفردة بالنظر لأبعادها الجغرافية، وتنوع مشارب المسلمين فيها، ولا سيما أنهم وفدوا إليها من كل أطراف المعمورة. ونتيجة لذلك توجد جمعيات عديدة تمثل اتجاهاتهم الفكرية، بل والمذهبية، وخلفياتهم القومية والعرقية.
وحين نتكلم عن أمريكا الشمالية إنما نقصد كلتا أمريكا وكندا، غير أن ثمة مسألة تجدر الإشارة إليها حين نقارن فعالية وجدوى الدعوة في أمريكا بمثيلتها في كندا. فباعتبار أن النشاط الدعوي في أمريكا يعتمد على الطلبة العرب بشكل عام فإنه أقوى وأبعد اثراً اما مثيلة في كندا فيعتمد على العنصر الأعجمي، ففي الحالة الأولى، فإن الدعاة في أمريكا، أو معظمهم، يتكلمون العربية، وتلقوا العلوم الشرعية، لذا فهم أكثر وعياً للفروق العقدية التي تميز أهل السنة عن الفرق الضالة.
ويختلف الأمر بالنسبة للدعوة في كندا حيث ان معظم القائمين على التنظيمات الإسلامية هم من الأعاجم. وقليل من هؤلاء من يميز معالم أهل السنة والجماعة، أو يعرف حقيقة عقائد الفرق الضالة. وهذا سبب رئيس لغياب عقيدة الولاء والبراء عنهم، والتسيب العقدي. ومن هنا ندرك أهمية وجود العنصر العربي في الدعوة، إذ ان العرب هم وعاء الاسلام. ولهذا فإن غياب العنصر العربي عن الدعوة يفقدها جوهرها. وهذه محصلة واقعية وصلت إليها من خلال معايشتي للدعاة العرب والأعاجم على مدى عقدين من الزمن في كل من أمريكا وكندا. وليست هذه دعوى قومية أو عرقية حاشا ولكنها مسلمة اثبتها واقع الدعوة. فإن الله تعالى اصطفى نبيه صلى الله عليه وسلم من خير الناس، واصطفى العربية من سائر اللغات لتكون لغة آخر كتبه الذي أنزله عليه. فله المنة والحمد.
واقع الأسرة المسلمة في المجتمع العربي
* الحديث عن الدعوة بين المسلمين يفضي بالضرورة إلى الحديث عن الأسرة المسلمة في المجتمع الغربي. فما تأثير هذا المجتمع على المسلمين فيه؟
إن الحديث عن واقع الأسرة المسلمة لا تستوعبه صفحات معدودات. فهو بحث متعدد الجوانب. فالمسلمون يشكلون جالية كبيرة في القارة الأمريكية. منهم المقيمون الذين حصلوا على حقوق المواطنة اما بالتقادم أو غير ذلك، ومنهم الطلبة، والفئة الأولى هي الغالبية، ولهذا فإن أي دراسة تتناول أوضاع المسلمين هناك إنما تتناول الفئة الأولى. وهم مادة البحث. إذ ان الفئة الثانية ذات وجود آني ينتهي بانتهاء الغرض الذي وفدوا لأجله ليعودوا بعد تحقيقه إلى أوطانهم. ولهذا فإن هؤلاء لا يعانون من الارهاص الاجتماعي الذي تعانيه الفئة الأولى، أي المستوطة.
فالمقيم معرض للخضوع للتقاليد بشكل أو بآخر خلال اقامته الدائمة في المجتمعات غير الاسلامية. وهذا يعني احتمال ضياع هويته الإسلامية، ولا سيما أن ثمة عوامل عديدة تدفع بعضهم إلى الرضوخ أهمها غياب الوعي الديني. فعلى سبيل المثال، فإن المسلم يفد بادىء ذي بدء إلى المجتمع الغربي لأسباب اقتصادية، والحديث هنا عن الوافد بغرض الاقامة الدائمة، وبعد ان يتمتع باستقرار مادي يستقدم بقية افراد اسرته من زوج واطفال، وربما والديه. وحين يكون اطفاله دون سن الدراسة لا يشعر بخطورة المدارس، ولاسيما أنه ما يزال تحت تأثير نشوة «فرجة» من ضيق عيش في وطنه. وحين يصل أبناؤه سن الدراسة ويرتادون المدارس هناك، وهم أسرع تأقلما منه مع جو ذاك المجتمع، واسرع تقبلاً لتقاليده وطبيعته، والتقاط لغته، وهذا واقع تغيب خطورته عن ذهن الابوين في مراحل الدراسة الابتدائية. فكثير من الاباء لا يدركون أن هذه ا لمرحلة هي مرحلة تأسيسية وتكوينية بالنسبة للطفل لا يلقون لها بالا. وما أن يصل الأبناء إلى سن المراهقة حتى يشعروا بهوة تفصل بينهم وبين آبائهم. وقبل أن يتبين الاباء تكون الكارثة قد وقعت وفقد ابناؤهم هويتهم الإسلامية. وذابوا في بوتقة المجتمع الغربي.
لاشك أن مرد ذلك هو الجهل بالدين وهذه حقيقة مرة لا يمكن ولا يجوز اخفاؤها. ومن هنا تبرز أهمية إنشاء مدارس إسلامية في المجتمعات الغربية لايواء ابناء وبنات المسلمين وحمايتهم من البيئة المدرسية الغربية.
فجل ما يمكن أن تقدمه المنظمات الإسلامية هو تقديم برامج لتعليم قراءة القرآن للأطفال في ما يسمونه «مدارس نهاية الأسبوع» حيث يجتمع الأطفال في المسجد صباح يوم الأحد لساعتين أو ثلاث يلقنهم متطوعون تلاوة القرآن وغير ذلك. ولا يمكن بحال اعتبار ان هذه الحلقات الأسبوعية تفي بالغرض في الوقت الذي لا يتجاوز فيه عدد المدارس النظامية الاسلامية في أمريكا وكندا أصابع اليد. بينما يزيد عدد المساجد فيمهما عن الحاجة. والواقع يثبت أن التركيز على إنشاء مساجد بدلاً من المدارس لا يحقق الأهداف المرجوة على المدى البعيد. فكثير من هذه المساجد تكون شبه معطلة أيام الأسبوع أو تكاد، ثم إنه لا بد من بيان أن عمار المساجد بشكل عام هم كبار السن.
إن السبب في اهتمام المنظمات الإسلامية ببناء المساجد بدلاً من المدرس هو أن تكاليف بناء مسجد لا يتعدى بناءه الفعلي وإمام راتب ونفقات المرافق الشهرية من كهرباء وماء. بينما تفوق تكاليف المدرسة ذلك بكثير من حيث حجم البناء والكادر التعليمي والإداري، وما تحتاج إليه المدرسة من أثاث وأجهزة ووسائط نقل وتوابع كل هذا وذاك.
الدعوة بين الوطنيين من الأمريكان والكنديين
* تكلمنا عن الدعوة بين المسلمين فماذا عن الدعوة بين الوطنيين الأمريكان والكنديين؟
ذكرت آنفاً عن الفرق بين أمريكا وكندا في مجال الدعوة، وبينت أن من سلبيات الدعوة في الأخيرة غياب العنصر العربي عن ساحتها. ونتيجة لهذا ولاعتبارات أخرى فإن العمل بين الوطنيين الكنديين ضئيل أو شبه معدوم. ومن جهة أخرى فإن الخلفية الاجتماعية للفرد الكندي تعرقل قبوله لدعوة الإسلام. وقد يبدو في الظاهر أن لا فرق بين الكندي والأمريكي بالنسبة إلى موقفهما من الإسلام والمسلمين بعامة، والعرب بخاصة.
بيد أن من عاش بين أظهرهم زمناً طويلاً يدرك أن ثمة فرقا بين موقفيهما. فالخلفية الاستعمارية للكندي الذي ينحدر من أصل بريطاني مازالت تربطه بماضي «بريطانيا العظمى» وشائج. وما زال من الكنديين من ينظر نظرة فوقية لمن هو غير أوربي. لكن والحق يقال ان مآل هذه النظرة إلى زوال نظراً لازدياد عدد المهاجرين الاسيويين إلى كندا، وسعي الحكومة الكندية من أجل إذابة الفوارق بين القوميات والثقافات المتعددة التي تشكل بنية المجتمع الكندي.
أما بالنسبة للأمريكيين الوطنيين فالواقع مختلف لاعتبارات كثيرة. منها أن الأمريكي عموماً لا ينظر إلى غير الأمريكي نظرة الكندي لغير الأوربي، وذلك لأسباب أهمها أنه ليس للأمريكي تاريخ استعماري كما للبريطاني. بل على النقيض من ذلك فقد خضع الأمريكان للسيطرة البريطانية ردهاً من الزمن ودارت حروب انتهت بتحررهم من السيطرة البريطانية.
وعلى الرغم من هذا الموقف إلا أن الأمريكي الأبيض يظل ذاك الأوربي الذي ينظر إلى الإسلام نظرة حذر وعدم ثقة لما تلبسه عليه اجهزة الإعلام الخاضعة لموثرات معادية للإسلام والعرب. ولذا فإن نسبة المسلمين البيض من الوطنيين الأمريكيين لا تقارن بنسبة المسلمين السود منهم لأسباب لا يتسع المجال لذكرها.
الدعوة داخل السجون في أمريكا الشمالية
* سمعنا أن السجون هي مجال آخر للدعوة. وهذا أمر يثير الانتباه فهل من المسجونين من دخل السجن مسلماً أم أنه اعتنق الإسلام داخل السجن؟
يعتبر السجن في أمريكا بيئة صالحة للدعوة. فقد اعتنق الإسلام داخله أعداد كبيرة من السجناء. وقد أدركت هذه الحقيقة حين زرت أحد السجون المركزية لأول مرة في مدينة «ستيت كلج» والتقيت داخله بحوالي ثمانين نزيلاً دخلوا السجن لجرائم خطيرة كالقتل وغير ذلك. ولشد ما أدهشني دماثة خلقهم واحترامهم للعلم وطلبته، حتى ليتساءل عما إذا دخلوا السجن بجرائم خطيرة. وهذا كله من أثر او آثار الإسلام عليهم. ومهما يبلغ الشر بالإنسان فإن اعتناقه الإسلام يعطيه شخصية جديدة يصب قالبها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. بدوا وهم جلوس كأنهم تلامذة مدرسة ابتدائية. ما قطع احدهم حديثي، وما سأل قبل أن يرفع يده مستأذناً بالسؤال. وبدا حرصهم على طلب العلم واضحاً.
وفي سجن آخر في نيويورك يبلغ عدد المساجين فيه (300) ثلاثمائة. يعطون فيه حرية العبادة. ويخصص لهم مكان لأداء صلوات الجماعة والجمعة والعيدين، وإلى جانب هذا فإن سلطة السجون تزود المسلمين وغير المسلمين باللحم الحلال. وأذكر هذا هنا للإشارة إلى أن سلطات السجون ترغب أن يعتنق السجناء الإسلام لأنهم يعتقدون أن السجين المسلم إذا خرج من السجن غالباً يبقى خارجه ولعل القصة التالية تلقي ضوءاً على هذه الحقيقة:
نشرت إحدى أشهر المجلات الأمريكية إعلاناً لهيئة السجون الأمريكية عن حاجتهم لإمام مسلم. فتجاوب مع الإعلان شاب عربي أمريكي كان قد تخرج من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. وبعد أن أجريت معه المقابلة وأعلمته اللجنة موافقتها على توظيفه سألهم عن سبب رغبتهم في تعيين ائمة مسلمين في سجون.
فذكروا له أن كل سجين يكلف هيئة السجون حوالي ألف دولار يومياً. ويدخل في هذا المبلغ طبعاً صيانة مباني السجون. ورواتب الموظفين وإعاشة السجناء وغير ذلك. وأن كثيراً من السجناء الذين تنتهي مدة اقامتهم في السجن سرعان ما يعودون إليه باقتراف جريمة جديدة. أما إذا اعتنق أحدهم الإسلام فيندر أن يرجع لسابق عهده. وهذا يعني أنه كلما ارتفع عدد معتنقي الإسلام داخل السجون قل عدد السجناء، وكلما قل عدد السجناء انخفضت ميزانية السجون.
ممارسة الشعائر لكل الفئات!
* ذكرتم أن المجتمع الأمريكي يعتبر ساحة واسعة للدعوة والعمل الإسلامي فهل يواجه الدعاة عقبات أو ضغوطاً حكومية أو شعبية؟
ليس ثمة في الظاهر ضغوط حكومية، أي أن القانون يسمح لأية فئة من الناس أن تمارس شعائرها أو طقوسها الدينية وتنشىء مساجد أو معابد أو غير ذلك لهذا الهدف طالما أنها لا تخالف القوانين أو الأنظمة المرعية.
أقول «في الظاهر» ذلك بأنه على الرغم من كراهيتها لانتشار الإسلام في أمريكا إلا أنها أي الحكومة الأمريكية لا تستطيع أن تمنع تأسيس جمعيات إسلامية، أو بناء مساجد في مدنها وولاياتها بموجب قوانينها.
غير أنها رغم اخفاء عدم ثقتها وحذرها، بل وخوفها من الوجود الإسلامي على أرضها تعبر عنه برصد تحركات بعض المسلمين أو منظماتهم سراً وعلناً.
أما فيما يتعلق باقبال الأمريكان على الإسلام، فلا بد هنا من وقفة لتحليل الواقع الديني الذي يعيشه الفرد الأمريكي والكندي. فمنذ فترة طويلة والكنيسة في ذاك المجتمع تعاني من «الكساد الروحي» وذلك لأسباب عديدة منها أن الفرد الأمريكي يعاني من القلق حول مستقبله ومنهم من يعتبر الكنيسة مضيعة للوقت لا تملك لهم حلولاً لمشاكلهم الاجتماعية أو الاقتصادية لأنها غير مؤهلة ولا مهيأة للتعامل مع هذه المشاكل.
ونتيجة لهذا الواقع فقد صار منظر لوحة «للبيع» معلقة على باب كنيسة منظراً مألوفاًَ. وبالفعل فقد تم شراء كنيستين في المدينة التي كنت أسكنها وحولتا إلى مسجدين.
ويسعى رعاة الكنائس وقساوستها الى ابتداع أساليب من أجل استقطاب الفتيان والفتيات أما بحفلات موسيقية راقصة، أو تحويلها أي الكنيسة إلى قاعة للعبة «البنغو» وهي نوع من القمار من أجل تأمين مورد مالي لسد نفقات سدنتها وتسديد فواتير مرافقها.
فالواقع الذي يعيشه الفرد في أمريكا الشمالية يعكس هذا الفراغ الروحي بجلاء. فلا عجب أن يخترع مشعوذ هندي، أو مشعوذة هندية بخرق ديانة جديدة مما يسمونها الديانات التأملية ويستقطب عدداً غير قليل من الاتباع في زمن قصير. ذلك أن هؤلاء الاتباع وغيرهم يبحثون عن بديل للكنيسة يلجأ إليها في ساعة الضيق.
ومن هنا تظهر أهمية وضع خطة تشارك في تنفيذها المنظمات الإسلامية بغية استغلال هذا الواقع بعرض الإسلام على الأفراد بشتى الوسائل المتاحة، وبحكمة بحيث يبين للمدعوين أن الإسلام هو منهج حياتي يهيمن على كل تفاصيل حياة الإنسان، ويربطة بخالقه في كل لحظة من لحظات حياته.
مصداقية المملكة في خدمة المسلمين
* يفد إلى المملكة وسائر دول الخليج ممثلو منظمات إسلامية من شتى أنحاء العالم لجمع التبرعات لإنجاز المشاريع التي يعرضونها على الجهات الرسمية وأهل الخير. فهل يمكن من خلال تجربتك في العمل التنظيمي والدعوي في أمريكا الشمالية بيان جدوى هذا الأسلوب لجمع التبرعات لتحقيق الأهداف التي جمعت لها؟
ان الحقيقة التي صارت ظاهرة وجلية أن المنظمات الإسلامية تتلقى دعماً سخياً من مصادر رسمية وشعبية في هذا البلد الكريم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من أجل بناء المراكز الإسلامية، أو إعمار المساجد. هذا عدا عن كفالة كادر واسع من الدعاة والائمة والمدرسين وغيرهم. وهذا يدل على مصداقية موقف حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين من خدمة الإسلام والمسلمين في كل مكان.
فعلى الصعيد الشعبي، فإن المتبرع يقدم العون المادي للجمعيات الإسلامية مدفوعاً بعاطفة دينية قوية، ونصرة لدين الله طمعاً بما عنده من أجر. فقد يتكفل فرد واحد ببناء مسجد أو مدرسة في أمريكا الشمالية وغيرها. غير أني أود أن أهمس في إذن فاعل الخير كهذا أن يتأكد من أن المبلغ الذي أنفقه حقق الهدف المطلوب.
ولا أقصد هنا التشكيك في نوايا القائمين على الجمعيات الإسلامية. بل أقول جزى الله كلاً بحسب نيته. بيد أن متابعة المشروع الذي يموله المتبرع أمر محمود إن شاء الله. فإن كان المشروع مدرسة، مثلاً، فإن استعراض مخططاتها لا يكفي لتكوين قناعة بأن المشروع سينتهي بموجب هذه المخططات. بل لابد من متابعة المراحل الانشائية مرحلة مرحلة. فإن تم ذلك، وتم التأكد من سير العمل فقد تحققت المرحلة الانشائية، ثم لابد بعد ذلك من تحقيق المرحلة الاستغلالية، أي مرحلة الاستفادة من البناء. فإن كان مسجداً لابد من التأكد من سلامة معتقد الإمام والقائمين عليه، وإن كان مدرسة لابد من التأكد من هذا الجانب ايضاً. فقد بنيت مساجد من تبرعات أهل الخير ثم تحولت إداراتها إلى أهل البدع وفرق الضلال.
ومن جهة أخرى، فقد تم تأسيس جمعيات وهمية فيأتي ممثل إحداها بمخطط أعد بالكومبيوتر بعد أن يضع لوحة على باب سكنه تحمل اسم جمعية كذا وكذا، ويحمل معه صورة لصالة فيها عدد من الأطفال أو لمجموعة من الناس وهم يصلون، ويرفق ذلك بوثائق رسمية كرخصة تأسيس الجمعية، والتي لا يصعب الحصول عليها من الجهات المختصة طالما أنها تحمل تواقيع خمسة أشخاص أو أكثر. وقد وقع هذا فعلاً.
طبقات الدعاة في الغرب
* وما رؤيتكم عن الدعاة في المجتمعات الغربية؟
هناك دعاة مقيمون، ودعاة زائرون. فأما المقيمون فمنهم العربي ومنهم الأعجمي. ومنهم الخريجون، وأقصد من تخرج من جامعات المملكة، أو من غيرها، وإن مهمة الداعية مهمة حيوية. فهو المدرس، وهو الواعظ، وهو الإمام لمجموعة من الناس يغلب عليهم الجهل، ولاسيما إن كانوا من المقيمين الذين وفدوا إلى أمريكا من أجل الحصول على مستوى اقتصادي أفضل مما يتوفر لهم في بلدانهم. ومعظم هؤلاء لم يصلوا إلى مبلغ من العلم معتبر. وغلباً ما يقع ابناؤهم ضحية في المجتمع الغربي. وهناك عدد من الدعاة المحليين تعينهم مجالس منظمات الجاليات في أمريكا الشمالية وغيرها. اما أن يكونوا من أبناء الجالية أو أنهم تستقدمهم من الدولة التي ينتمي إليها معظم افرادها. فإن كانت هندية أتوا بداعية هندي، أو باكستاني، أو غير ذلك، وهذا النوع من الدعاة إما أن يكون أحدهم حافظاً للقرآن، أو متخرجاً من مدرسة دينية تعلم منها من أصول المذهب.
أما الدعاة الزائرون، وغالبيتهم من المملكة من طلبة علم بارزين. فهم وإن كانوا يؤدون دوراً هاماً، غير أن قصر الفترة التي يقضونها بين المسلمين هناك غير كافية إذا اخذنا بعين الاعتبار حاجة الجاليات المسلمة لمرجع في الفتيا لأن كثيراً من المشاكل التي تعرض لهم لا تعرض لإخوانهم في ديار الاسلام. لذا قد يتوجه أحد المستفتين إلى من يفتيهم بغير علم. فمن أمثال هذا النوع من المفتين من يفتي في الأخذ بالحساب لتحديد دخول رمضان وخروجه، ومنهم من يعتمد على المرصد المحلي فيحدد دخول رمضان قبل اسبوع من نهاية شعبان، ومنهم ذوو الفقه العصري من يفتي بمساواة المرأة بالرجل في الميراث، وباختلاط النساء بالرجال في المساجد زعموا أن ذلك يفسح المجال أمام الجنسين من المسلمين للتعارف ثم الزواج بدلاً من التزاوج من غير المسلمين!.
الدعوة الإنجيلية
* هناك دعوة تعتمد على المناظرات مع النصارى يعتمد المناظر المسلم فيها على نصوص من الإنجيل لإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فما جدوى هذا الأسلوب الدعوي في الغرب وغيره؟
هذه ظاهرة انتشرت بين الدعاة الأعاجم خلال فترة من الزمن، وقد ضعف شأنها اليوم بحمد الله وقل عدد دعاتها. وهذه الدعوة تعتمد على دراسة الإنجيل وحفظ نصوص معينة لمناظرة النصارى. وإذا عرفنا أن من سنها وعمل بها هم الدعاة الأعاجم الذين ليس لهم علم باللغة العربية، عرفنا ان الجهل بالعلوم الشرعية هو العامل المشترك بين هؤلاء الدعاة. إذ يحفظ أحدهم بعض آيات قرآنية عن ظهر قلب من أجل استخدامها في مناظرة النصارى ولا غرو أن فاقد الشيء لا يعطيه. ولما كان هذا الرتل من الدعاة من الأعاجم فإنهم يلجأون إلى مصادر بلغتهم الأم أو الانجليزية لعجزهم عن التكلم بالعربية فضلاً عن قراءتها للحصول على معلومات عن الإسلام، وهذه الدعوة الإنجيلية إنما هي ظاهرة مرضية لا تأتي بخير.
إن الدعوة إلى دين الله لا تقوم على مناظرة انجيلية، ولم تقم قط على ذلك. فقد أمرنا ربنا تبارك وتعالى أن نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم. فهو أسوتنا في كل شيء، وأعظم ما نأتسى به هو دعوته إلى الله تعالى التي اصلها في وصيته إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه حين ارسله الى اليمن قائلاً ليكن أول ما تدعوهم إليه «لا إله إلا الله» فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة».. الحديث
ولم يقل له صلى الله عليه وسلم «إنك مقبل على أهل كتاب فاستعن بالإنجيل لمناظرتهم».
وللأسف نجد اليوم من يعطي دورات خاصة في الدعوة الإنجيلية، وتحتفي به بعض المؤسسات الخيرية، دعماً لهذه الدعوة، وكان الأولى أن تنفق أموال المتبرعين لها في طباعة كتب العقيدة بكل اللغات ليستفيد منها المسلم وغير المسلم.
إن أية مهمة أو عمل يقوم به المسلم لابد أن يوزن بميزان الشرع، فإن وافقت الشرع فيها نمت، وإلا ينبغي تركها فهذه المناظرات لابد أن تقيم، ثم لابد من التمييز بينها وبين الدعوة إلى الله.
فالمناظرة تعتمد على قوة المناظر في اظهار حجته لا على قوة الحجة نفسها، وإن أبرز ما يترتب على المناظرات المشاعر التي تخلفها على الفريقين من حقد وكراهية، ثم تزيد الفاشل تشبثاً برأيه. ولهذا فإن المناظرة سلاح ذو حدين وليس بالضرورة أن يفوز المسلم فيها على خصمه فالذي يتفوق هو صاحب الحجة الألحن.
فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول للمسلمين :«إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض. فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً بقوله فإنما أقطع له قطعة من نار فلا يأخذها» (رواه البخاري).
والسؤال الذي يجب طرحه هنا: ما هو الهدف من المناظرة؟ هل هو إقناع الكتابي بزيف كتابه، وخضوعه في النهاية بقبول الإسلام؟ أم أن الغرض منها مجرد إثبات قدرة المناظر على المضي في المناظرة؟ فإن كان الجواب هو إقناع الكتابي بزيف كتابه، فهذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم. بل يجب أن يسعى الداعي من أجل إقناع المدعو. كائنا من كان بالحكمة أي بالسنة والموعظة الحسنة. بحيث إذا لم يقتنع لا يجد في نفسه شيئاً على الإسلام والمسلمين. وما أبعد المناظرات اليوم عن السنة والموعظة الحسنة!
واما إن كانت المناظرة من أجل اظهار طول نفس المناظر، فإنها وبال عليه، إما عاجلاً أو آجلاً.
ومن جهة أخرى فإن المناظر وهو النصراني عادة يخرج من المناظرة التي تشفي غليل المسلم، وقد ازداد تمسكاً بدينه. فما الفائدة إذاً من تفوق المناظر المسلم على نده النصراني في هذه الحالة؟ ما رأينا لاسوا غارت ولا غيره من رؤوس الكفر اعتنقوا الإسلام بعد المناظرة فقد يقول قائل: يكفي أن المسلم تفوق على الكافر بحجته. فهل يعني هذا أن المسلم أمثال هذا القائل في شك من دينه حتى تزيل شكه مناظرة، ويتنفس الصعداء، ويوزع شريط فيديو المناظرة محتسباً؟
ثم إنه لو فرضنا جدلاً أن بعض الناس اعتنقوا الإسلام على إثر المناظرة، فإنه لا يمكن بأية حال مقارنة نسبتهم بنسبة من اهتدى إلى الحق فدخل الإسلام بقناعة قوية بسبب اتباع من دعاهم لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومنهجه القويم الذي يملي البدء بالتوحيد وليس بإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، كما ثبت في الحديث الوارد آنفاً، وكما دلت عليه آية المباهلة :«فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين» أو ندفعهم بقوله تعالى في كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد: «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كملة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون».
|
|
|
|
|