| مقـالات
يذكر الدكتور حمد السلوم في كتابه (تاريخ الحركة التّعليمية في المملكة)، عن تطور التعليم في عهد الملك عبدالعزيز، أنه لما دخل الحجاز لم يكن يوجد بها حينذاك من المدارس النظامية سوى خمس مدارس أهلية هي المدرسة الصولتية، 1292ه والمدرسة الفخرية 1298ه، والعثمانية والفلاح التي تأسست بجدة عام 1323ه، وفي مكة عام 1330ه.
وتأكد هذا الاهتمام المبكر بالتعليم بإنشاء مديرية المعارف العامة بتاريخ 1/9/1344ه، وقد سبق إنشاؤها صدور التعليمات الأساسية التي صدرت في 21/2/1345ه، وقد بلغت المدارس في عهد الملك عبدالعزيز نحو 312 مدرسة ابتدائية حكومية، و14 مدرسة ابتدائية أهلية، و11 مدرسة ثانوية حكومية، و4 مدارس ثانوية أهلية ومدرسة مهنية واحدة، و8 معاهد لإعداد المعلمين، وكلية معلمين، وكلية للشريعة، وستّ مدارس لتعليم اللغة الانجليزية، ومدرسة مسائية واحدة لتعليم الآلة الكاتبة، لكن لم يَسْتَبِنْ للدكتور حمد التعليم الأميريّ الذي كان موجوداً في المنطقة الغربية. عند دخول الملك عبدالعزيز الحجاز، وانضمامه لوحدة الوطن، كما يبين من هذا العرض.
1وإذا كانت المدارس في المنطقة الغربية من المملكة، قد بدأت مبكرة، لأن قاعدتها الأساسية، قد بدأت مبكرة ايضاً وهي المدارس الأهلية والأميرية، فإن المدارس في المنطقة الوسطى والشرقية، قد بدأت تلحق بها بعد عشر سنوات وبعد صدور التعليمات الأساسية للدولة، ومنها ما يتعلّق بالتعليم، إذْ صدرت أوامر الملك عبدالعزيز يرحمه الله في عام 1355ه، بفتح مدارس في كل من الأحساء وحائل وشقراء والمجمعة وبريدة وعنيزة، فتم فتحها تباعاً، للمدرسة الابتدائية، عدا شقراء التي تأخر فتحها إلى عام 1360ه.
ومع اهتمام الملك عبدالعزيز يرحمه الله بالتعليم وتوسيع دائرة انتشاره، فلعل التأخر في فتح هذه المدارس وهي النواة الأولى في المنطقتين الوسطى والشرقية، عائد إلى ندرة المدرسين، حيث كانت الحاجة تدعو إلى استقدام مدرسين من الشام ومصر وغيرها... وفي هذا ما فيه.
وإذا عدنا إلى جلسات مجلس المعارف، لنعرف كيفية تسييره للتعليم فنراه في الجلسة رقم 11 بتاريخ 27/7/1347ه يبحث درس التربية والتعليم لأساتذة المدارس، ويرى أن يقصر الآن على أساتذة المدارس التحضيرية الأميريّة، في كل أسبوع مرة بعد عصر الخميس مؤقتاً، وأن يقوم المفتش بدورة تفتيشيّة على جميع المدارس الأهلية، وتقديم تقارير عنها، لإدارة المعارف.
والجلسة رقم 12 في مساء السبت 1/8/1347ه، جرى البحث في موضوع الشرح الكريم الوارد من مقام النيابة برقم.. وتاريخ.. المسطور على مذكرة رئيس مجلس الشورى رقم.... وتاريخ 27/7/1347ه، المرفقة بقرار مجلس الشورى رقم... وتاريخ 24/7/1347ه ومذكرة المعارف رقم.... وتاريخ 10/7/1347ه، فقرر المجلس اتفاقاً أن الأساتذة السّتّة القادمين من مصر، قد سبق أن قرر المجلس بالموافقة على تعيينهم في الجلسة العاشرة، المنعقدة في 8/7/1347ه، اعتباراً من غرة رجب عام 1347ه، بالرواتب المتفق عليها بينهم، وبين فضيلة مدير المعارف، وأما من جهة المقاولة معهم، فقد رأى المجلس أن المقاولة، التي صادق عليها مجلس الشورى، لايمكن تطبيقها الآن، في حقّ هؤلاء الأساتذة، لأنها قد وردت إلى المعارف متأخرة، بعد ورود الأساتذة إلى الحجاز، ومباشرتهم لأعمالهم، فيرى المجلس أن يكون تطبيق شروط المقاولة المصادق عليها، فيمن يردون في المستقبل، من الموظفين إن شاء الله.
أما الجلسة 13 بتاريخ الأحد 9/8/1347ه، فقد بحث موضوع مدرسة تحضيرية رابغ، واطلع المجلس على أجوبة الأسئلة المرسلة من أمير رابغ في اختبار من توجد فيه الكفاءة، وقرر المجلس، باتّفاق الآراء الموافقة على صلاحية الشيخ أحمد عابد مديراً للمدرسة، بالراتب المقرر في الميزانية الجديدة لعام 47 1348ه وقدره ستة جنيهات انجليزية اعتباراً من تاريخ مباشرته، بعد تصديق المقام السامي على هذا التّعيين.
والجلسة 14 المنعقدة بعد ظهرالثلاثاء 11/8/1347ه، فخصّصت لبحث المذكرة الواردة إلى المعارف من مجلس الشورى برقم.. وتاريخ 10/8/1347ه، بخصوص البعثة العلمية الحجازية النجديّة في مصر ومخصصاتها.. فأما ما جاء في المادة الأولى من مذكرة مجلس الشورى وهي: أن يكون صرف مخصصات البعثة في مصر عن طريق معتمد المعارف في مصر.. فمجلس المعارف يوافق على ذلك..
وأما ما جاء في المادتين الثانية والثالثة وهما: «كل ما يجب صرفه يجب أن يؤخذ رأي المعتمد بشأنه»، و«جميع المنصرفات يجب أن تصّدق من قبل المعتمدية»: فيرى المجلس أن في هاتين المادتين تقيّداً لا داعي له، لأنه لم يرد من قبل القائم بشئون البعثة ما يدعو إلى هذا التقيّد، الذي يدل على ضعف الثقة به، سيما وأن الحساب الخاص بالبعثة يقدم شهرياً، إلى المحاسبة من قبل المعارف، ولم يظهر فيه إلا كلّ ما يدل على يقظة المراقب، واتخاذ خطة الاقتصاد في أعماله..
وأما ما جاء في المادة الرابعة وهي: «يجب وضع ميزانية خاصّة للبعثة، ذات فصول وأبواب، وألا يصرف شيء خلاف ما هو مقرر بها، إلاّ بإذن الحكومة»، فقد اطلّع المجلس على الأوراق المتعلقة بالبعثة، فوجد من ضمنها أنه قد وضعت ميزانية خاصة بالبعثة، من قبل المراقب، على أن تعتبر من أول أكتوبر سنة 1928م، وهو مبدأ السنة الدراسية فبلغ مجموعها السنوي 2082 جنيهاً مصرياً، وقد سبق أن عرضت على المقام السامي، من قبل إدارة المعارف برقم.. وتاريخ 24/4/1347ه، على أن تحسب من الألفين والخمسمائة، التي وضعت في موازنة المعارف العامة لعام 47 1348ه، بناء على رأي مدير المعارف، لما يؤمل من زيادة المصاريف، عمّا وضع في موازنة المراقب، بالنسبة لما تقتضيه الأحوال والظروف.
ولأن هذه الميزانية قد أعدّتْ بأبوابها وفصولها، وها هي مرفقة بقرارنا هذا، محتوية على اثنتي عشرة مادّة، فتقرّر رفعها إلى مجلس الشورى الموقّر للتصديق عليها، واعتبارها من أول اكتوبر سنة 1928م 17 ربيع الثاني 1347ه، حيث هذا مبدأ الدراسة في المدارس المصريّة.
ويتبع الجلسة 14 قراراً بموازنة البعثة التعليمية الحجازية النجدية بمصر لسنة كاملة، ابتداءً من أول اكتوبر لعام 1928م وهذه تفاصيلها:
1 مواد غذائية 60 جنيهاً مصرياً.
2 أجور منزل للطلاب 20 جنيهاً مصرياً.
3 مرتبات 21 طالباً لكل طالب 2 جنيه مصري = 21*2=42 جنيها.
4 أجور النور الكهربائي 3 جنيهات مصرية.
5 أدوات قرطاسية مستهلكة 3 جنيهات مصرية وأجرة بريد.
6 أجور خدمة وطباخ وغسال 10 جنيهات.
7 مرتب المراقب 20 جنيهاً.
8 أجرة طبابة وثمن أدوية 12 جنيهاً.
9 أجور ركوبة طلبة وخادم 4 جنيهات.
المجموع الشهري 173 جنيهاً * 12=2076 المجموع السنويّ.
10 بدل ملابس لواحد وعشرين طالباً لكل طالب 10 جنيهات مصرية 10*21=210 جنيهاً مصرياً.
11 ثمن كتب 100 جنيه مصري.
12 51 جنيهاً مصرياً مصاريف متنّوعة المجموع 5.2437 جنيهاً مصرياً وبالجنيه الانجليزي 2500 جنيهاً انجليزياً.
والجلسة 15 المنعقدة في صباح الاثنين 24/8/1347ه فقد تمّ فيها تداول موضوع مذكرة مدير المدرسة الابتدائية رقم 21 تاريخ 19/8/1347ه بخصوص وكالة السيد على حبشي عن الأستاذ الشيخ إبراهيم النّوري، فقرر المجلس متّفقاً أن توزع حصص ابراهيم النّوري على الأساتذة الشيخ الغزالي 7 حصص، والشيخ الترجمان 5 حصص والشيخ عبدالمنعم الدشلوطي 16 حصة الجميع 28 حصة. نظراً لقرب شهر رمضان 1347ه، وجعل العمل فيه نصف نهار، وأن يكون هذا التوزيع مؤقتاً.
وتداول المجلس البحث في موضوع المذكرة الواردة من المقام السامي رقم... وتاريخ 19/8/1347ه بخصوص ترتيب راتب الشيخ عبدالله المطلق، لقاء قيامه بوظيفة معلم في المدرسة الأميرية بالطائف، فقرر المجلس متّفقاً. تخصيص مبلغ (550) قرشاً راتباً شهرياً، اعتباراً من تاريخ مباشرته الموافقة 25/7/1347ه وأن تخابر النيابة العامة في إلحاقه براتبه على موازنة المعارف.
الجلسة 16 المنعقدة في 26/8/1347ه، بحضور اعضاء المجلس، وحضور مفتشي المعارف بمنطقتي مكة وجدة ايضاً، وحضور الشيخ حسين الترجمان أحد أساتذة المعهد للنظر في مسألة توزيع الحصص الخالية في المدرسة الابتدائية بمكة المشار إليها في القرار السابق... وبما أن الشيخ محمد الغزالي، من الأساتذة الذين تقرّر توزيع بعض الحصص عليهم، كان قد طلب شفهياً لحضور مجلس المعارف اليوم للتفاهم معه في الحصص التي رفض قبولها فامتنع عن الحضور، ثم كتب له رسمياً برقم 113، وتاريخ 26/8/1347ه، فامتنع عن قبول وتسليم الكتاب الرسميّ، وأصرّ إصراراً تاماً على الرّفض، وعدم الحضور، فيرى المجلس مع من حضر من المذكورين أعلاه أن عمل الإستاذ ورفضه الحضور، يعدّ مخالفة للنظام، الذي يجب ان يحافظ عليه الجميع.
والجلسة 17 المنعقدة مساء ليلة 2 رمضان 1347ه تداولوا فيها موضوع الجلسة السابقة بخصوص الأستاذ الشيخ محمد الغزالي، وتقرر بالاتفاق أن يكتب إلى مدير المعهد، بتكليف المذكور بالحضور إلى إدارة المعارف بعد صلاة التراويح من ليلة 3/9/1347ه للمذاكرة معه في أمر هام.
وتداول المجلس أيضا موضوع الشيخ: عبدالمنعم الدّشلوطي فقرر تكليفه بالحضور غداً بعد صلاة التراويح، لمواجهة المجلس فيما يتعلق بالمذكرة التي رفعها إلى مدير المعارف رقم 1 تاريخ 25/8/1347ه، وفي مسألة التوقيع على عقد المقاولة.
ومن هذه المجالس، ومن الجلسة التي تلي: يظهر أن المدرسين في مكة، مع قلّتهم وكلهم من خارج المملكة، لديهم تمرّد وعدم تعاون، وأن الحلّ استعصى على إدارة المعارف بمجلسه، فجاء القرار رقم 18 فيه حزم وشدّة على هؤلاء المدرسين، والذي عقد جلسة في يوم السبت 19 شوال عام 1347ه، ونظر فيما لدى المعارف من الشكاوى والتقارير، كما سمع أقوال حضرة المعاون الأول، في تطاول بعض الأساتذة المعلمين، على الإدارة وتمردهم عن سماع أوامرها، وقد قرر ما يلي:
1 نقل الأستاذ عبدالخالق عامر، معاون مدرسة الوجه إلى مدرسة رابغ مديراً للمدرسة، براتبه الحالي بسبب كثرة مشاغباته ضد مدير مدرسة الوجه، اعتباراً من غرة ذي القعدة 1347ه.
2 نقل الأستاذ الشيخ/ محمد النَّحاس، أحد أساتذة المدرسة الابتدائية بجدة، إلى وظيفة الشيخ عبدالخالق عامر في مدرسة الوجه براتبه الحالي، اعتباراً من غرة ذي العقدة 1347ه.
3 فصل الشيخ/ على حمّود أحد معلمي مدرسة الشبيكة بمكة لتقصيره، وعدم لياقته، اعتباراً من يوم الاثنين الموافق 21 شوال سنة 1347ه.
4 فصل الأستاذ الشيخ/ حسن فهمي، معاون المدير بمدرسة المَعْلاَ من وظيفته، لأخلاقه وتمردّه على النظام، اعتباراً من يوم الاثنين الموافق 21 شوال 1347ه.
5 فصل كل من الأستاذين الشيخ/ حسن الترجمان، والشيخ محمد عبدالله الغزالي، المدرسين بالمعهد العلمي، لضعف استعدادها فيما عهد إليهما، ولعدم لياقتهما اعتباراً من سلخ شوال عام 1347ه.
6 فصل الشيخ/ محمد سعيد عوض، أحد أساتذة مدرسة المَعْلاَ بمكة لعدم لياقته، ولوجود شبه غير مستحسنة ضده اعتباراً من 21 شوال 1347ه.
أما الجلسة 19 بتاريخ 20 شوال 1347ه، فهي جلسة تختلف عن الجلسات السابقة، إذْ خصصت للعطلة المدرسية، وكيفية شغلها من قبل المدرسين، وآن يعمل لهم اختبار ترقية، وهذا فيه تحسين لمستوياتهم العلمية، والوظيفية، وكانت نتيجة هذه الجلسة خمس مواد:
الأولى: أن تقضى مدة العطلة المدرسية المنوه عنها في النظام المدرسيّ. في ارشاد اساتذة مدارس العاصمة والمديرية، بتلقّي دروس في التوجيه والتربية، والتعليم حتى تتحقق الفائدة المتوخّاة، من رقي المدارس ونجاحها بمشيئة الله.
الثانية: أن تكون مدة تلقى المدرسين المذكورين كما يأتي: شهر القعدة بتمامه، من 20 ذي الحجة إلى 4 المحرم.
الثالثة: أن يعمل في 5 المحرم اختبار لعموم الأساتذة والمديرين في هذين الدّرسين وللناجح تكون الترقية والمكافأة.
الرابعة: أن تخصص لجنة علمية لحضور الاختبار السنوى في المدارس الأهلية لتشرف عليه في دروس: التوحيد والتفسير والحديث والفقه.
الخامسة: أن تكون اللجنة مكونة من الأشخاص الآتية اسماؤهم:
1 الشيخ عبدالظاهر أبو السمح.
2 الشيخ محمد بهجت البيطار.
3 الشيخ سليمان الحمدان.
4 الشيخ فيصل المبارك.
5 الشيخ محمد بن راشد.
6 الشيخ محمد نور كتبي.
ان هذه الجلسات التعليمية التي أوردها خطاط المعارف: محمد حلمي في خواطر من ذكرياته. تعطي الدارس معلومات عن أولويّات الإدارة التربوية، وأولويّات تنظيم التعليم، تمثّل البساطة في الإجراءات، واهتمام المقام السامي بحسن التوجيه والاطلاع على دقائق الأمور، وتسيير العمل بحسن التوجيه والرعاية.. ووضع الصلاحية بيد من لديه قدرة على اتخاذ القرار، وأن المدارس الأميرية في مكة وجدة والمدينة والوجه والعلا وضبا وغيرها كانت موجودة قبل انضمام الحجاز لكيان الدولة، وأن الملك عبدالعزيز حرص على زيادة هذه المدارس منذ عام 1345ه وجلب المدرسين للابتدائي من مصر وبلا الشام، وللمعهد السعودي بعد فتحه.
نماذج من الوفاء:
جاء في كتاب التحف والهدايا للخالديّين: أن محمد بن جرير الطبري روى في كتابه التأريخي : تاريخ الرسل لأمم والملوك وأخبارهم، عن الفضل بن اسحاق الهاشميّ: أن ابراهيم بن جبريل، خرج مع الفضل بن يحيى البرمكي إلى خراسان وهو كاره للخروج، فأحفظ ذلك الفضل عليه.
قال ابراهيم: فدعاني يوماً بعد ان اغفلني حيناً، فدخلت إليه، فلما وقفت بين يديه، سلّمت فما ردّ عليّ السلام،
فقلت في نفسي هذا أول الشر.
وكان مضطجعاً فاستوى جالساً، ثم قال لي: ليفرخ روعك يا ابراهيم، فإنّ قدرتي عليك، منعتني عنك...
قال: ثم عقد لي على سجستان، فلما حملت خراجها إليه، وهبه لي وزادني خمسمائة الف درهم، وفي رواية دينار.
قال: ثم أنفذني إلى كابل، فافتتحها، وغنمت منها مالاً كثيراً، لا يوصف فما أخذ مني درهماً واحداً، من ذلك المال.
ثم استعلمني على شرطته فوسّع عليّ.. قال ابراهيم: فأحصيت مما صار إليّ في الشّرطة وغيرها، مما كان إليّ من الأعمال، فإذا هو سبعة الاف الف درهم.. قال ابراهيم: فاجتمع له عندي من مال الخراج أربعة آلاف الف درهم.
فلما قدمت بغداد، وبنيت داري في البِغْيَيْن استزرته، وسألته أن يشرّفني بدخول منزلي والتحرّم بطعامي، وليَرَ أثر نعمته علىّ. فأجابني إلي ذلك ، فأعددت له الهدايا والطُّرف. وآنية الذهب والفضّة، وجعلت الأربعة الآلاف الف في ناحية الدار.
فلما جاء وجلس، قدّمت إليه ما أعددته له من الهدايا، فأبى أن يقبل مها شيئاً، وقال لي: لم آتك لأسلبك.
فقلت: إنما هي نعمتك أيها الأمير، قال: ولك عندنا مزيد. فلم يأخذ من تلك الهدايا إلاّ سوطاً سجزياً.
وقال: هذا من آلة الفرسان. فقلت له: وأومآت إلى المال: هذا مال الخراج: فقال: هو لك، فأعدت عليه القول. فقال: أما لك بيت يسعه، وسوّغه لي وانصرف (147 150) ومثل ذلك ماذكر في موضع آخر إذ قال:
وخرج وزير المهديّ الفيض بن أبي صالح وأحمد بن الجنيد، وجماعة من وجوه الكتاب من دار المأمون منصرفين إلى منازلهم، وكان يوماً مطيراً فتقدّم الفيض وتلاه أحمد، فنضح دابة الفيض على ثياب ابي الجنيد برجله من ماء المطر، فتأفف وقال للفيض: هذه والله مسايرة بغيضة، وما أدرى أي حقّ أوجب لك التقدّم علينا.. فأمسك الفيض حتى صار إلى منزله، ثم دعا وكيله فأمره بإحضار مائة تخت، في كل تخت قميص وسراويل ومبطّنة وطيلسان ففعل. وقال له: احمل هذه إلى أحمد بن الجنيد وقل له: أوجب لنا التقدم عليك أن لنا مثل هذا نهديه إليك إذا أخذنا ثيابك، فإذا أهديت لنا مثله قدّمناك (117 118).
|
|
|
|
|