| فنون تشكيلية
لم يكن شعور زميلي الفنان التشكيلي غريباً حينما صُدم بوجود لوحة لزميل آخر بين الأثاث المستعمل في حراج ابن قاسم يقذف بها يمنة ويسرة بين ركام الأثاث المستهلك ويعلن عن بيعها بأبخس الأثمان لتصل إلى عشرين ريالاً للوحة الواحدة.. بينما هي في الصالات الراقية وفي المعارض المخصصة لبيع مثيلاتها تصل أسعارها إلى الخمسة آلاف ريال بل تزيد لتصل إلى الخمسين ألفاً ورغم ان الثمن مهما بولغ فيه لن يعادل الثمن الحقيقي للوحة باعتبارها ثروة وطنية هامة ومنتجاً انسانياً يحمل ملامح الوطن وتراثه ووسيلة تعبير لاتحتاج لمترجم تعكس حال الوعي الحضاري والجمالي في بلادنا إلى العالم..
أقول لم أشعر بالصدمة أو بالأسى لمعرفتي السابقة ولحدوث مثلها للكثير من اللوحات.. مما يعني أن نطرح السؤال الكبير «ما مصير اللوحة التشكيلية السعودية على وجه الخصوص» فهي الأهم والأمانة الملقاة على أعناق الكثير من الجهات الرسمية المعنية بهذا الفن مروراً بالمقتني المحلي والأجنبي ووقوفاً عند أهم مصلحة في حفظ اللوحات من الخروج دون ترخيص وهي الجمارك..
ونحن هنا لانشير تحديداً بأي أصبع اتهام لأي جهة أو مصلحة أو وزارة أو أي مرفق حكومي أو خاص، وإنما أتساءل فقط عن وصول اللوحة إلى هذا المكان وبهذا الامتهان والابتذال بعد ان أعطى الفنان قدره ومكانته وأعد له برامج برعاية عالية المستوى حتى انعكس هذا الاحتواء على ابداعه فزاد من قيمة اللوحة معنوياً ومادياً، ما يدفعنا للبحث والتساؤل لماذا أصبحت اللوحة جزءاً من الأثاث يتم الاستغناء عنها في أي وقت يستبدل فيه بجديد ويزج بها في المستودعات أو يعلن عنها في مزاد عام لافرق فيه بين غث أو سمين في الوقت الذي تجد التقدير والاهتمام عند الآخرين باعتبارها ثروة وطنية وقطعة ثمينة وموروثاً ابداعياً تتسابق المتاحف والأثرياء على اقتنائها وتثارحولها القضايا وتُعقد المحاكم لمقاضاة من يعتدي على حقوق الفنان أو استنساخها والأمثلة كثيرة يحضرني منها مطالبة اليابان بلوحة دوار الشمس وسعيهم لاقتنائها مهما كان الثمن باعتبارها تمثل موروثا ذا علاقة بتراثهم بالإضافة للعقد المبرم بين إحدى الدول الكبرى بوضع ميزانيتها كتأمين لعرض لوحة الموناليزا لديهم ولفترة محدودة..
بالطبع نحن لانضع المقارنة بما وصلت إليه تلك اللوحات ولكننا أيضاً لانقلل من حق وحجم مبدعينا وتقدير إبداعهم.
وفي محاولة لتفسير وجود هذه اللوحة في مثل هذا السوق وبهذا السعر.. وجدنا الكثير من التوقعات منها أن تلك اللوحات جزء من مجموعة رجيع ضاقت به أحد المستودعات فتمت تصفيتها أو كانت ضمن مشروع لتجميل أحد المرافق واقتنيت مع ما اقتني من أثاث أزيحت مع ماأزيح من القديم فقذف بها للحراج أو وقعت في أيدي أحد الورثة ممن لايقدرون ماكان يقدره مورثهم فاستعجلوا التخلص منها دون وعي بما يمكن أن تحققه لهم من ربح لو أحسنوا التعامل معها وعرضها في مكان يليق بها.
التوقعات كثيرة والمواقف المماثلة أكثر ويبقى لنا فقط أن نعزي زميلنا صاحب اللوحات التي كادت أن تدفن ونشكر الزميل الفنان المنقذ الذي استطاع أن ينتشلها من بين الركام.
|
|
|
|
|